استهل الإمام خطيب الجمعة السيد “التميمي محمد” بمسجد مولاي رشيد بحي الزهور 2 بفاس خطبته بحمد الله و بشكره و بالثناء عليه، ثم بالصلاة على النبي الكريم وعلى آله وصحبه وعلى التابعين بإحسان إلى يوم الدين.
وافتتح خطبة الجمعة الموافق لـثامن وعشرين فيراير ألفين وعشرين بحديث عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ ، إِنِ اشْتَكَى عَيْنُهُ ، اشْتَكَى كُلُّهُ ، وَإِنِ اشْتَكَى ، رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ” .
فالإسلام يهدف إلى تحقيق الكفاية للمسلم في كل أموره، لما للمسلم من حرمة، وبذلك يضمن الدين الحنيف كل الحقوق لجميع المسلمين دون تمييز على أساس العرق أو اللغة أو الجغرافيا.
وقال عز من قائل في سورة الحجرات:” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)”
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى )
[أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير].وفي حديث آخر قال النبي ﷺ: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة”.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كُرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسرٍ، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، واللهُ في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه..)
فالمسلمون تربطهم رابطة عظيمة الشأن، ويترتب عنها تبعات وتكاليف، من حيث أن الأمة الإسلامية يجب أن تكون جسدا واحدا، متكافلة، يسودها الإخاء وثقافة التعاون .
قال جل و علا ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]
فهل نرى هذه التعاليم على أرض الواقع؟ يتساءل الإمام..
وأشار الإمام المحدث إلى أن التعاون غريزة طبيعية لدى كثير من المخلوقات، كمثل النحل و النمل وما إلى ذلك.
وجاء في الذكر الحكيم قصة نبي الله سليمان حين مر بوادي النمل بجيشه العرمرم. فاستشعرت نملة خطر سليمان وجيشه، فما كان منها إلا أن نادت النمل تنبهه من الخطر .
قال تعالى في سورة النمل : “حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ” (18).
فالقرآن الكريم و السنة النبوية أمرا بلزوم الجماعة.
قال النبي الكريم : “ما مِن ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بدوٍ لا تقامُ فيهمُ الصَّلاةُ إلَّا قدِ استحوذَ عليْهمُ الشَّيطانُ فعليْكم بالجماعةِ فإنَّما يأْكلُ الذِّئبُ القاصيةَ”
الراوي : أبو الدرداء | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي.
وقال تعالى في سورة آل عمران: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ “(103).
فالتعاليم الإسلامية واضحة وأوامرها بالتزام الجماعة بما يرضي الله تتكرر في القرآن الكريم و في السنة النبوية الشريفة.
وفي الجزء الثاني من خطبة الجمعة استرسل الإمام الخطيب في نفس موضوع تكافل المسلمين فيما بينهم، مذكرا أن تقديم العون إلى المسلم من أفضل ما يُتَقرب به إلى الله عز وجل. ومن ضمن ذلك عملية التبرع بالدم الذي يعتبر من أغلى المواد التي ترتبط بها حياة الإنسان.
فإن كان للصدقة بالمال منزلة وثواب لدى الحق عز وجل، الذي يضاعفها أضعافا كثيرة، فما بالكم بالصدقة بالدم، و هو سبب الحياة ولا يقدر بثمن.
فالمتبرع بالدم يجود بجزء من ذاته لفائدة من يحتاجها، وقد ينقذ حياته من الخطر.
فالله عز وجل يجازي من أغاث الحيوان، فما بالكم بمن أغاث الإنسان.
والأحاديث والقصص في ذلك كثيرة ومنها عَنْ أبي هريرة أنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: “بَيْنمَا رَجُلٌ يَمْشِي بطَريقٍ اشْتَدَّ علَيْهِ الْعَطشُ، فَوجد بِئراً فَنزَلَ فِيهَا فَشَربَ، ثُمَّ خَرَجَ فإِذا كلْبٌ يلهثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِنَ العطشِ مِثْلَ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَملأَ خُفَّه مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَه بِفيهِ، حتَّى رقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَه فَغَفَرَ لَه. قَالُوا: يَا رسولَ اللَّه إِنَّ لَنَا في الْبَهَائِم أَجْراً؟ فَقَالَ: “في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبةٍ أَجْرٌ” متفقٌ عليه.
فإن كان الله عز وجل غفر لرجل سقى كلبا، فكيف بمن يجود بجزء من دمه، سينقذ بها حياة بشرية. فالتبرع بالدم صدقة جارية وقرض حسن، وهو دليل على ليونة القلب ورقتها .
واختتم الإمام المتحدث خطبة الجمعة بطلب الغيث ، وبالثناء على الله عز وجل وشكره، ثم بالصلاة على النبي الكريم وعلى آله وصحبه، ثم بالدعاء لأمير المومنين الملك محمدا السادس، ولولي عهده الأمير مولاي الحسن، و للأسرة العلوية الشريفة، ثم بطلب الرحمة و المغفرة للمسلمين و المسلمات.
عن موقع : فاس نيوز ميديا