من يقتل رمزية الزعيم.. لا يقتل إلا نفسه !

بقلم : عبد الصمد إيشن

ما هي معركة الشعب المغربي بالضبط؟ وما هي نقط جدول أعماله وأولوياته؟

إن الإجابة عن هذه الأسئلة، هي من ستحدد لماذا بنكيران وليس غيره، في الواقع السياسي اليوم للمغرب.

إن المتتبع لمحطات نضال الشعب المغربي من أجل الديمقراطية، سيكتشف أن قادة هذا النضال من علال الفاسي إلى عبد الاله بنكيران، مرورا بعبد الله إبراهيم والمهدي بنبركة وعمر بنجلون وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمن اليوسفي، سيرى بأم عينيه، أن هؤلاء الزعماء لم يكونوا يتحدثون عن معركة الديمقراطية، إلا في سياق معركة التحرر والوحدة والسيادة على التراب والاقتصاد الوطني…

لهذا أصبح واضحا بما فيه الكفاية: أن قوة المغرب مجتمعا ودولة، في قوة الانضباط لهذه الأولويات في برنامجنا الديمقراطي: التحرر والوحدة والسيادة. وأن ضعفه، سيأتي من التشويش على هذه الأولويات بأولويات مصطنعة: كالحريات الفردية عوض الحريات الديمقراطية، وبالديمقراطية التشاركية عوض الديمقراطية التمثيلية، وبالمنظمات والهيئات المدنية عوض الأحزاب والنقابة الواحدة الموحدة للطبقة العاملة.

مما جاء أعلاه، يتبين أن المعركة واضحة والأولويات أوضح، لكن روح هذه المعركة ومكثفها، عبر تاريخنا السياسي المعاصر، هو الزعيم السياسي الفصيح، والواضح والصادق مع جماهير شعبه، والمبلغ لحقيقة كل تفاصيل معركة التحرر والوحدة والسيادة له.. (=أي معركة الانتقال الديمقراطي).

وبالتالي قوتنا وتقدمنا في تحقيق برنامج الانتقالي الديمقراطي، من قوة ارتباطنا بهذا الزعيم السياسي، ومساندتنا له، عبر إبرازه وتقديمه في كل الصفوف والمحطات، لا بالمساعدة على تهميشه أو بالأحرى تهميشه.

لقد بينا، الحاجة الموضوعية، للزعيم السياسي في كل مرحلة من مراحل انتقالنا الديمقراطي، غير أن هذه الحاجة الموضوعية، ما هي إلا العنصر الأول المفسر للزعامة السياسية، بينما العنصر الثاني يتجلي في السؤال التالي: من يختار ويحدد الزعيم السياسي؟

إن الاختيار كان دائما هو الجواب الشعبي، لا جوابنا نحن كنخب حزبية سياسية أو ثقافية، وما التاريخ إلا أكبر دليل على هذا الطرح، فلقد كان بلحسن الوزاني هو الأقرب إلى النخب، من حيث فكره السياسي التقدمي في لحظات بداية مغرب الاستقلال، بينما همشت هذه النخب علال الفاسي. لكن الجواب الشعبي (=أي رأي المجتمع)، كان: تنصيب علال الفاسي زعيما سياسيا للمغاربة في مغرب الاستقلال عوض بلحسن الوزاني.

نفس الحدث السياسي تكرر سنة 2011، لقد اختار الشعب المغربي حزب العدالة والتنمية قائدا له خلال هذه المرحلة، واختار داخله الزعيم السياسي الوطني الأستاذ عبد الاله بنكيران. فالناس المصوتون للحزب خارج القاعدة الانتخابية الوفية للحزب (=أي اعضاءه)، كانوا غير متفقين مع ايديولوجيا الحزب، والباقي من الأغلبية المصوتة عليه، لم يقرأوا البرنامج الانتخابي للحزب.

لقد عرفوا الحزب، من خلال خرجات الأستاذ عبد الاله بنكيران في وسائل الاعلام، ومن خلال المهرجانات الخطابية الحاشدة التي كان يؤطرها الزعيم الوطني عبد الاله بنكيران أيضا، ولا أحد داخل العدالة والتنمية من قادته كان قادرا على حشد نفس الجمهور، في مدن المغرب وقراه، فهل نحن من صنعنا بنكيران كنخب؟

إن الذي صنع زعامة الوطني والمناضل الأستاذ عبد الاله بنكيران، هو الشعب المغربي الذي فهمه وتفهمه، هي الجماهير التي استحسنت صدقه ونيته في الاصلاح. وبالتالي من وقع العقد الديمقراطي، مع العدالة والتنمية في سنة 2011، هو الشعب المغربي مع عبد الاله بنكيران، لا مع غيره في الحزب.

إن النتيجة الواضحة، والتي جاءت نتيجة التاريخ لا إرادة النخب والقيادة في حزب العدالة والتنمية، هي النتيجة التي رفضها المثاليون في حزب العدالة والتنمية، وغير مستوعبين بل المتجاوزين لقوانين الله في أرضه (= لكل شعب زعيمه السياسي).

استهداف بنكيران : صدفة أم تخطيط ؟

لا صدفة في السياسة: إن السياسة هي الصراع على السلطة، والصراع  عليها هي صراع بالقواعد والرمزيات. ومنه لقد مثّل الزعيم الوطني عبد الاله بنكيران، رمز خط سياسي وفكر سياسي وأخلاق سياسية، رفيعة المستوى قلّ نظيرها، في مغرب اليوم. ومن ثمة بدأ الخطر على مصالح من يريد مغرب التخلف ومغرب التبعية النكسة عوض مغرب التحرر والوحدة والسيادة جغرافيا واقتصاديا.

إنه خطر استراتيجية عبد الاله وفكر عبد الاله السياسي، في الإصـــــلاح. لا خطر إذن إلا خطر عبد الاله. وهو الخطر الذي استوعبه المتربصون بمصالح الشعب المغربي في الديمقراطية والتنمية (=القوة الثالثة). وجندوا قوتهم لضرب رمزية الزعيم ومن ثمة الحاق الهزيمة بخياره واستراتيجيته  في الإصلاح.

بدأ الصراع، وراهنت القوة الثالثة في حربها على الحزب ومسلسله في الإصلاح والانتقال الديمقراطي منذ سنة 2011، على أسلوب “الضربة القاضية”، فأعدوا الضربة للانتخابات الجماعية 2015 فألحق بهم الحزب وبالضبط استراتيجية الزعيم الأستاذ عبد الاله بنكيران في خطابه السياسي الموجه ضد الخصوم، هزيمة نكراء، نفس الأسلوب ولكن بجرعات إضافية، تم إعداده لجولة ثانية هي 7 أكتوبر 2016 مع الانتخابات التشريعية، فتكررت الهزيمة النكراء بحصول الحزب على 125 برلمانيا، والسبب مجددا الخطاب السياسي للزعيم الأستاذ عبد الاله بنكيران، الذي صفق له كل من ينتقذه اليوم من قواعد وقيادة الحزب.

لم تيأس القوة الثالثة، مادام خطر بنكيران عليهم قادم لا محالة، فأعدت سيناريو البلوكاج القسري لمدة 5 أشهر، منذ استقبال جلالة الملك محمد السادس لعبد الاله بنكيران، في 10 أكتوبر 2016، ليكلفه بتشكيل الحكومة المقبلة وترأسها لولاية ثانية، إلى لحظة إعفاءه في 15 مارس 2017. فتكررت الهزيمة، حينما خطب الزعيم الوطني عبد الاله بنكيران، بحكمته الاستثنائية في دورة المجلس الوطني الاستثنائية، المنعقدة  السبت 18 مارس 2017، موجها كل الرسائل للحضور ولكل الممتبعين، بأن وحدة الحزب هي الخط الأحمر، وأنه سيساند بكل ما يستطيع تجربة العثماني على رأس الحكومة، دون يفجر الحزب من الداخل، كرد فعل على الانقلاب على شرعيته في تشكيل الحكومة عقب انتخابات 2016. ففشل الرهان وفشل حلم تفجير الحزب من الداخل. وذلك ما جسده بنكيران كذلك، في المؤتمر الثامن للحزب.

إذن، من سيجادل في هذه الكرنولوجيا، من المثاليين والمغرورين والجاحدين، الذين يتجرؤون بدون حياء على زعامة الأستاذ والزعيم الوطني عبد الاله بنكيران. إنها جولات ومحطات سياسية حاسمة، ترصدها الخصم، لضبط الحزب وتقليم أظافره وتفتيته،  لكن في كل الجولات، يخرج الحزب قيادة وقواعد بشموخ وكرامة، بفضل استثنائية وحكمة الزعيم وتقديراته السياسية وخرجاته التي يسدد فيها ضربات “الكـــاو” للخصوم، عوض أن يتلقاها هو وحزبه العتيد.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لكي أعود إلى البناء النظري، الذي قصدت بناءه من بداية المقال، إن النظام الرأسمالي العالمي اليوم، في أزمة على جميع المستويات، والرهان على من سيؤدي فاتورة الأزمة، كما يقول أحد الحكماء والمناضلين النادرين بالمغرب (ع.بلكبير)، والفاتورة ستؤدى عبر تمرير الرأسمال الامبريالي للأسواق الوطنية. وهذا لن يتحقق إلا باختراق الدول الرأسمالية التابعة (=وهي حالة المغرب التي لا جدال فيها)، واختراق الدول مشروط باختراق أحزابها الحقيقية (=وهي في الأصل مشاريع دولة).

الخيط الرفيع المسجل في الاختراق، هو أن هذا الاختراق للأحزاب كما قال د. بلكبير لن يكون باختراق أفراده بل باختراق أفكاره والتشويش عليها. وهذا ما تحقق في المؤتمر الثامن للحزب، حينما رفض رجعيو الحزب (بغفلة أم بقصد، لا يهم)، ولاية بنكيران الثالثة، بدعوى أولويات الفكرة والمؤسسات على الأشخاص. كأن المؤسسات والأفكار هي صنيعة الجن والأشباح والأشياء، لا صنيعة البشر والإنسان والأشخاص، الذي يرفضهم رجعيونا اليوم. أليست هذه صورة بليغة من اختراق وعينا السياسي الساذج بأفكار قاتلة مدسوسة، عبر شيخنا الأكبر (في الدوحة الشقيقة).

الحذر كل الحذر أصدقاء الشعب المغربي، من مناضلي حزبنا العتيد، حزب العدالة والتنمية، قيادة وقواعد، قد نُصفي الزعيم عبد الاله بنكيران، ونعوّضه بشخص ما يدّعي الزعامة بالباطل.

لكن، من سيُعوّض الخط السياسي والروح السياسية والأخلاق السياسية اللصيقة بشخص الزعيم عبد الاله بنكيران، الخط الذي لا يأتي به زمان، إلا عبر ربع أو نصف قرن، ومن ثمة يضيع الخط وتضيع معه مصالح الشعب المغربي. ويكون الرابح هو نرجسية وانتهازية جمهرة من السذج داخل حزبنا، لا نقدم لهم واجب النصح والتوعية اليوم!!

عن موقع : فاس نيوز ميديا