أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا “كوفيد-19” يشكل “جائحة”، فما معنى هذه الكلمة؟ وهل تختلف عن “التفشي” و”الوباء”؟ وهل يعني هذا الإعلان بداية الشعور بالهلع من هذا الفيروس الذي ظهر في ديسمبر/كانون الأول الماضي في الصين ثم انتشر عالميا؟
ولتوخي الروح العلمية، تنبغي العودة إلى بيان المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم المنشور على موقعها الرسمي اليوم الأربعاء لنفهم وضع مرض كورونا دون تهويل أو تسخيف.
فقد قال أدهانوم إنه “في الأسبوعين الماضيين زاد عدد حالات فيروس كورونا خارج الصين 13 مرة، وتضاعف عدد الدول المتضررة ثلاث مرات، وهناك الآن أكثر من 118 ألف حالة في 114 دولة، وتوفي نتيجة المرض 4291 شخصا”.
وأضاف أنه “في الأيام والأسابيع المقبلة، نتوقع أن نرى عدد الحالات وعدد الوفيات وعدد الدول المتضررة يرتفع أكثر”.
وتابع “نشعر بقلق بالغ من مستويات الانتشار والخطورة المقلقة، وكذلك من المستويات المقلقة للتقاعس عن العمل”، وخلص إلى القول “لذلك أجرينا التقييم على أنه يمكن وصف كوفيد-19 بأنه جائحة” (pandemic).
وقت مستقطع
ولفهم الحالة جيدا، لا بد من التوقف عند مجموعة من التعريفات التي تشير إلى انتشار الأمراض، إذ يمكن أن نصنف انتشار مرض معين في ثلاثة مستويات تصاعدية، هي:
1- التفشي
وفيه تحدث زيادة قليلة في عدد الإصابات، لكنها تكون غير عادية. فمثلا إذا كان المعتاد أن تسجل 10 حالات من الإسهال في منطقة معينة يوميا، ثم ارتفع العدد إلى 20، فهذا يصنف تفشيًا. والحال نفسه إذا ظهرت فجأة إصابات بمرض لم يكن موجودا.
لذلك فإن مرض كورونا عند بداية انتشاره في مدينة ووهان الصينية في ديسمبر/كانون الأول 2019، كان يصنف تفشيًا.
وبمجرد أن تكتشف السلطات الصحية تفشي مرض، تبدأ في إجراء تحقيق لتحديد المصابين وعددهم، وذلك لمعرفة أفضل طريقة لاحتواء هذ التفشي ومنع تمدده.
2- الوباء
ويُعرّف على أنه تفشٍّ في منطقة جغرافية أكبر، قد تكون محصورة في دولة واحدة أو عدد قليل من الدول. وفيروس كورونا تحوّل من مستوى التفشي المحلي في ووهان إلى مستوى الوباء في مساحة جغرافية كبيرة شملت الصين.
كما أن متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد “سارس” شكلت وباء عامي 2002 و2003، إذ ظهر “سارس” في إقليم غوانغدونغ في جنوب الصين، وسبب أكثر من 8000 إصابة، وأكثر من 800 وفاة، قرابة 350 منهم في الصين.
3- الجائحة
وهي الانتشار العالمي لمرض جديد يشمل العديد من الدول. ويشير البعض إلى أن مصطلح “الجائحة” يعني أيضا أن المرض يتحدى السيطرة، وهذا يفسر انتشاره دوليا وعدم انحصاره في دولة واحدة.
كما يشير تعريف الجائحة إلى جانب سياسي، عبر إيصال رسالة إلى الحكومات والمنظمات في جميع أنحاء العالم، بأن المرض أصبحت له تداعيات اقتصادية وسياسية واجتماعية على نطاق عالمي.
الإعلان عن جائحة حدث غير عادي، وحتى فيروس “سارس” المنتمي إلى عائلة الفيروسات التاجية التي ينتمي إليها كورونا، لم يصنف “جائحة” وإنما ظل عند مستوى “الوباء”.
وآخر مرة استخدمت فيها منظمة الصحة العالمية وصف “جائحة” كان خلال وباء “إنفلونزا الخنازير” عام 2009. ووفقا لتقرير في مجلة “التايم” الأميركية، فإن ذلك الإعلان أدى وقتها إلى انتقادات مردها إلى أن الوضع لم يكن خطيرا بما يكفي لتبرير إعلانه “جائحة”.
وفي البداية قدرت منظمة الصحة وفيات “إنفلونزا الخنازير” بنحو 18.5 ألفا، ولكن مراجعة نشرت في مجلة “لانسيت” عام 2012 رفعت العدد إلى ما بين 151 و575 ألفا.
ماذا يعني الإعلان؟
إعلان “الجائحة” لا يعني أن علينا الخوف، أو أنه يجب أن نخزن الطعام والكمامات. كما لا يعني أن الفيروس أصبح أكثر عدوى أو أكثر فتكا، ولا أن الجهود العالمية للتعامل معه فاشلة.
وقد أكد المدير العام لمنظمة الصحة في حديثه أن “الجائحة ليست كلمة للاستخدام بخفة أو لامبالاة.. إنها كلمة إذا أسيء استخدامها، يمكن أن تسبب خوفا غير معقول، أو قبولا غير مبرر بأن القتال قد انتهى، مما يؤدي إلى معاناة وموت غير ضروريين”.
وأضاف أدهانوم أن “وصف الوضع بأنه جائحة لا يغير تقييم منظمة الصحة العالمية للتهديد الذي يشكله هذا الفيروس.. إنه لا يغير ما تقوم به المنظمة، ولا يغير ما يجب أن تفعله الدول”.
وقال “لم نشهد من قبل وباء سببه فيروس تاجي، فهذه أول جائحة يسببها فيروس تاجي”، مؤكدا “لم نشهد أيضا من قبل جائحة يمكن السيطرة عليها، في نفس الوقت”، في إشارة إيجابية تعني أن المرض قابل للسيطرة والمكافحة.
وأضاف مدير المنظمة أن “هذه ليست مجرد أزمة صحة عامة.. إنها أزمة ستمس كل قطاع، لذلك يجب أن يشارك كل قطاع وكل فرد في المعركة”.
هل حان وقت الهلع؟
الحقيقة أن الإعلان عن فيروس كورونا كجائحة أمر يجب أن يدعو إلى الاطمئنان، إذ يعني أن العالم يتعامل مع الموضوع بجدية، وهو في طور اتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل معه.
وتؤكد تصريحات أدهانوم أن العالم قادر على السيطرة على هذه الجائحة، وأن الفيروس قابل للهزيمة، إذ قال إنه “يمكن لجميع الدول أن تغير مسار هذه الجائحة.. إذا اكتشفت الدول، واختبرت، وعالجت، وعزلت، وتتبعت (الإصابات)، وحشدت أفرادها للاستجابة، فإن الدول التي لديها عدد قليل من الحالات يمكنها منع تلك الحالات من أن تصبح مجموعات، وأن تصبح هذه المجموعات مصدرا للانتقال إلى المجتمع”.
وأضاف أن “العديد من الدول أثبتت أنه يمكن قمع هذا الفيروس والسيطرة عليه”.
تعافي عشرات الآلاف
وحتى يوم الأربعاء، تعافى من فيروس كورونا أكثر من 67 ألف شخص، وهو عدد يفوق بأكثر من 15 ضعفا عدد الوفيات.
وقبل أيام، دعا الدكتور يحيى مكي عبد المؤمن رئيس قسم الفيروسات التنفسية والسرطانية في المعهد الطبي الفرنسي التابع للمستشفى الجامعي “كلود برنار” بمدينة ليون الفرنسية -في تصريح خاص للجزيرة نت- إلى عدم التهويل من خطورة الفيروس، لأن آلاف المرضى شفوا منه تماما من دون أدوية بفضل أجهزة المناعة الطبيعية.
وفي تصريح خاص للجزيرة نت أيضا، قالت الاختصاصية في الأمراض الباطنية والحادة بجامعة برمنغهام البريطانية الدكتورة نهال أبو سيف إن نسبة الوفيات بفيروس كورونا تتراوح بين 2 و3%، علما بأن نسبة وفيات “سارس” كانت 10%، ولهذا يجب طمأنة الناس مع التأكيد على أهمية الوقاية من خلال الاهتمام أكثر بالنظافة وغسل اليدين.
وأضافت الدكتورة نهال أن “علينا التعامل بهدوء واطمئنان، مع الالتزام بتوصيات وزارات الصحة والهيئات الطبية في بلداننا، وعدم القيام بسلوكيات خاطئة مثل محاولة تخزين الأغذية والأدوية أو الاستماع للشائعات”.
الاستجابة الصحيحة والصحية لمكافحة فيروس كورونا لخصها مدير منظمة الصحة العالمية في ختام حديثه بجملة “نحن في هذا معا للقيام بالأمور الصحيحة بهدوء، وحماية مواطني العالم.. إنه أمر ممكن”.
عن موقع : فاس نيوز ميديا