من وحي جمعة بلا صلاة جماعية : قمصان تاريخية

محسن الأكرمين.

 

تعددت القمصان التي صارت بذكر التاريخ عنوانا للظلم وحديث الخديعة. تعددت القمصان حتى وإن لم تتشابه في علامات الشكل وذكر الأسباب، وأحداث زمن ومكان الكذب وقتل الحقيقة. فلم يكن قميص سيدنا يوسف حين وضع عليه الدم الكذب، إلا تزويرا للحقائق وقتل صدق الحياة والنيل من الثقة تدنيسا. لم يكن حينها الذئب إلا متهما مفترضا قد أخذ براءته من عيون يعقوب عليه السلام حين استعادت مشاهد نور الحياة ، وشم رائحة آتية نحوه من قميص جب يوسف. عندها تعلم الذئب المكر والخداع من بشر الشر والسوء. فيما قميص سيدنا عثمان وما ترتب عنه من فتنة القتل الكبرى، فهي قصة بلوى الظلم بالتنبؤ، والتي طوحت بالخليفة قتلا وهو يتلو ذكر الله.

هو مكر خيانة الأمانة والعهد وتغيير معالم مسرح الجرم بالتحريف. هو الاسترزاق من إهراق الدم وركب مساوئ الغرور نحو نيل وجه الأب بالصفاء والتمييز عند إخوة يوسف. فيما دم قميص عثمان رضي الله عنه فكان بسيف قتل التعدد والبغي التعسفي، فقد بقي قميصه شاهدا على بداية حرب الطوائف والتشيع والجماعات المستحدثة. قد نمضي ونحن نبحث عن الحقيقة ومصدر الدم الذي أصاب قميص سيدنا يوسف غير الممزق، وعن دم الخليفة عثمان الحقيقي بقتل التربص، لكنا سنقف عند حدود الموت الكذب (يوسف)، والموت الحقيقي (للخليفة عثمان) وسر تنوع قمصان الخديعة والمكر في الماضي والحاضر.

بين القميصين بون بيّن في الزمان والمكان، لكنهما في الظلم شركاء أوفياء. قد نكون باستحضار التاريخ لا نبحث عن معنى جديد للحقيقة، بل نريد ألا يهرب التاريخ من وجه الحاضر ونقول:” من الدم أو البكاء يمكن أن نصنع قميصا كذبا لخلق الثقة العمياء، والتمويه والخداع النفعي”، فبئس الخلق النفاق، و بئس معادلة لون الحرباء!!!. عثمان الخليفة الذي قتل ببرود دم في بيته، وبكثرة الأيدي الممتدة نحوه. عثمان الذي أصبح قميصه رمز تحريض مثير على الاقتتال، و رمز إثارة الفتن الممتدة برمزية الثأر. عثمان الخليفة بعد قتله أصبح قميصه يرفع في معارك  الشام، يرفع محفزا على إحماء وطيس الاقتتال. من مشهد قميصه المشروخ، والتحجج على المسك بقتلته المفترضين ومعاقبتهم على فعلتهم، تبقى الحقيقة ضائعة !!! مشهد توسع بسيادة قوة إسالة الدم ، وأضحى قميص الخليفة عثمان يمثل الظلم لحظات تصوير مسرح الجريمة، و تسويغ تمثيلية مجزرة الاقتتال. من قميص الخليفة الشيخ كانت بداية التحكم، وتقييد الحرية بأغلال من حديد الشام.

من سوء القيمة النوعية، أن يصبح القميص يصنع تاريخا للدم والقتل المتنوع. قميص نزع من على جسد القتيل للذكرى والعبرة، و تم استخدامه كسحر لترويض الإثارة والحماسة على ممارسة فعل التمادي في احتراف القتل. من سوء تاريخ قميص الخليفة عثمان لون دم الخديعة الذي تغمس فيه، وأنه أصبح رمز لعنة تتوالد منه الحروب من ماضينا.

بين الأمانة والخيانة، انتقل قميص يوسف من ملك مصر إلى موطن البداوة مع اختلاف في نوعية القميص، انتقل من سبع سنين بدأب العمل والاقتصاد الاستهلاكي، إلى زمن الجدب والجفاف والسبع الشداد واستهلاك ما تم الاحتفاظ به، إلى عام غيث السماء وخير ما يعصر الناس. لكن يوسف لم يتغير البتة في إيمانه بالعدل والقسط، وإنسانية المسامحة. من ظلم الذئب البريء أنه لم ينهش لحم يوسف، وهي الحقيقة الفارقية بين قميص الخليفة عثمان الممزق والحامل لدمه الجيني جراء تهاوي السيوف على جسد الشيخ المنهك، فيما قميص يوسف فقد بقي سليما من التمزيق لشدة غباوة الإخوة حين لونوه بدم شاة ميتة.

صبر جميل حين قتل سيدنا عثمان بمنزله وهو حامل لذكر كتاب الله بالترتيل. صبر جميل حين فطن يعقوب عليه السلام من حيلة الأبناء ومراوغتهم له ليختلوا بوجهه، وما كان وصفهم لعملية موت يوسف إلا خيانة للأمانة. لكن يعقوب عليه السلام لم يعلن غضبه ولا تحذيره لأبنائه، ولا تفنيد ادعاءاتهم، بل بقي صامتا، وابيضت عيناه فبات كظيم بوجه الترنح نحو سماء العدل.

ملحمة تاريخ القمصان لازمت سيدنا يوسف وأدخلته السجن بدعاء منه، وهربا من مراودة التي هو في بيتها. ملحمة القميص نال يوسف بها البراءة حين قدت قميصه من دبر، نال بها الذئب البراءة هو كذلك، ملحمة ربانية حين ارتد يعقوب بالقميص بصيرا. إنها ملاحم قمصان من الماضي التي حملت الظلم والكذب والقتل.

(يتبع الجزء الثاني: قمصان الحاضر والتنوع)

عن موقع : فاس نيوز ميديا