لا …لاستغلال مشاعر العامة في زمن الحظر الصحي
— ذ.عبد القادر بطار —
انتشرت ليلة أمس، في بعض الجهات من وطننا العزيز المغرب، ظاهرة غريبة عجيبة، حيث ظهر أناس يطلون من شرفات منازلهم، وبعضهم صعد إلى سطح منزله، وبعضهم هرع إلى الشارع العام، وهم يكبرون ويهللون بشكل جماعي، وفي حماس عاطفي غير منضبط.
وهذا السلوك الجماعي الغريب، يدل حسب الظاهر على صحوة الضمير، وفطرية التدين، والرغبة الأكيدة في الرجوع إلى الله عز وجل، لأنه ملجأ كل مضطر، ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ [النمل:62] لكن الإقدام على هذا الفعل الغريب، وفي الليل، وفي هذا الظرف الحساس والحرج، وبهذا الشكل الجماعي، شبه المنظم، يدعو إلى الريبة والقلق والتساؤل.
فهل وراء هذا التحرك الغريب تنظيم سري ؟
ما الغاية من ترويع الناس وجعلهم غير آمنين ؟
هل التضرع لرفع الداء يكون بالسعي لنشر الوباء ؟
إن استغلال مشاعر العامة، وحسن نياتهم، وفطرية تدينهم، وحماسهم، في هذا الظرف العصيب، يؤدي إلى مفسدتين محققتين:
الأولى: إحداث الفوضى في المجتمع الآمن.
الثانية: الإسهام في نشر فيروس كورونا الرهيب بين أفراد المجتمع والسعي إلى خراب العمران.
يتعين على أفراد الأمة المغربية بجميع عقلائها وحكمائها ومفكريها، أن يعوا جيداً خطورة هذا السلوك الغريب، الذي قد ينتشر انتشار فيروس كورونا نفسه، والذي لا أساس له في شريعتنا الإسلامية السمحة. بل الخير كل الخير هو الانخراط الجماعي في الحكامة الصحية التي تنهجا الدولة المغربية بمختلف مؤسساتها، بجدية وعزم واستباق، والقاضية بالمكوث في البيوت إلى حين ارتفاع هذا البلاء، في القريب العاجل إن شاء الله تعالى.
نعتقد جازمين موقنين، أن ذكر الله عز وجل مطلوب في كل وقت وحين، وفي جميع الأحوال ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[آل عمران:91 ] كما تشتد الحاجة إلى الذكر أكثر في هذا الظرف الحرج بالذات، وذلك لتحقيق الطمأنينة والثقة في النفس ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد :28 ] ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة:152].
إن الذكر باللسان ما هو إلا نتيجة للفكر والوجدان، والتأمل في آيات الله المشاهدة، وأعظم آية ما يصيب كوكب الأرض اليوم، وما تتكبده البشرية في جميع أقطار العالم من خسائر في الأرواح، مما تواترت أخباره، وظهرت آثاره ومفاسده، وللذكر آداب شرعية، وقواعد مرعية، يجب استحضارها، والتقيد بها، ليس هذا مكان بسطها.
إن المطلوب منا في هذه المرحلة الحرجة أن نتوجه بصدق وإخلاص، بالدعاء والتضرع إلى خالقنا، ومصورنا عز وجل، ليرفع عنا هذا البلاء. ذلك أن الدعاء أسمى مقامات العبودية، وهو الذي يجعل العبد قريبا من خالقه عز وجل ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة:186] إن من أخص خصائص الدعاء أظهار الانكسار والاعتراف بأن كل ما يقع في الكون لا يخرج عن مشيئة الله وقدرته عز وجل.
وفي هذا الظرف الأليم، الذي تمر به البشرية قاطبة، فإننا مدعوون إلى التضامن الجماعي، والتوبة النصوح، وعبادة الله عز وجل، والتضرع إليه بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى بأن يرفع عنا هذا البلاء.
أما تحويل الذكر إلى ما يشبه مظاهرات وحَراك شعبي بعيد كل البعد عن أخلاقيات الذكر الباعث على السكينة والاطمئنان، فليس من الذكر في شيء. بل الدين يمجه ويمقته أشد المقت.
حذر ثم حذار من تسميم الأجواء، بوباء فكري، وسلوك غير حضاري، ولنساهم جميعا في الحد من خطورة فيروس كورونا اللعين، وذلك بالتضامن المجتمعي، والوعي الديني الرشيد.
على المسلم الفطن الذكيِّ، في مثل هذه الظروف الاستثنائية، أن ينضبط لقواعد السلامة الصحية، وأن يشتغل بذكر الله عز وجل، وأعظم ذكر، وأحسن حديث، هو تلاوة القرآن الكريم ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر:23] والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.
* أ.د. عبد القادر بطار، أستاذ العقيدة والفكر الإسلامي في جامعة محمد الأول بوجدة.
عن موقع : فاس نيوز ميديا