محسن الأكرمين.
ساءلني صديقي عبر الهاتف عن أثر نتائج “كورونا”. حينها أحسست أنه داهمني بسؤال يحمل متسع حديث مستفيض، ولن أقدر الإحاطة به، وبعمق البرهنة العلمية والتحليل السوسيولوجي ومقاصد العلوم الإنسانية . لكنه استدرك حديثه المفعم بالصدق، فقلص من مساحة السؤال، وحدده عن مكناس فقط. حينها سألته وما الجواب الذي تبتغيه عن مخلفات فيروس “كورونا” المرضية وضحاياه، أو عن انعكاسات”كورونا” الايجابية.
هنا حين توقف عن الكلام، وبدا لي من خلال الهاتف أنه يفكك بالفرك الفرق بين “كورونا” فيروس “كوفيد19″ القاتل، و”كورنا” التاريخ و بداية التغيير. حين فكر وقدر، سأل عن “كورونا” التاريخ معللا أن “كورونا ” الوباء الكل أصبح خبيرا فيها، ويمدنا بالأخبار الصادقة والرثة بدون تمييز ولا تمحيص. لم أمهله بالجواب ولا بخلق المثيرات، بل قلت “أوكي” بمكناس كنا نعيش (قبل كورونا) لحظات من “بلا بلا بلا”من كلام الطواحين الهوائية الفارغة، بمكناس كنا نعيش أزمة تراكمية للرياضة وتدني مستوياتها، كنا نعيش شد الحبل بين قناصي التموقعات ضمن الركوب على أزمة الرياضة، كنا نعيش مرات مطالب تطبيق القانون، ثم نعود إلى ذلك القانون الذي كتب بقلم الرصاص وبنفس الممحاة شطب عليه.
أحسست أن زفيرا حانقا آت من سماعة الهاتف. ورغم، عملت على إكمال الكلام بأجوبة تقايس مكناس ما قبل ” كورونا” وما بعد “كورونا”. أتممت حديثي عن التنمية بمكناس والتي كانت ولا تزال تعيش وضعية “قدي وعدي”، أتممت حديثي حين كنا ننادي بتنمية تحترم فيها الكرامة الإنسانية وتسبيق الأولويات الصحة الشغل والتعليم، وتنظيم البيئة الجمالية للمدينة. لكن صديقي استدرك بخطاب استنكاري، وما بال “كورونا” من هذا التخطيط؟. ابتسمت، وقلت العيب في غياب تخطيط استراتيجي بمكناس تحت قيادة حماية من الدولة، العيب في التدبير الذي يسوق البذخ والترف ومهرجانات “الكيلو” بصيغة الاستثناء، العيب في الساكنة التي ألفت عيش الفوضى واحتلال الملك العمومي، وتسريع تنمية الأنشطة غير المهيكلة. العيب ليس في حاضر من يدبر شأن المدينة، بل يجيئنا كذلك من مجالس سابقة مارس سياسة النعامة، وشد الحبل وبناء الفخاخ واحتلال المواقع.
بنقطة فاصلة، قال صديقي “أوكي” وماذا عن تاريخ بداية “كورونا”؟ حينها لم أبدء الحديث إلا بعد الترحم على الأرواح التي قضت نحبها جراء الوباء، لم أشأ الحديث إلا بطلب الشفاء لمن يوجد بمستشفى سيدي سعيد، لم أنشأ الحديث إلا بعد أن طلبت الأمن الصحي للساكنة والوطن والعالم بدعاء رباني مسترسل. بعدها كان جوابي طيعا فبعد أن كنا نتسابق على الكراسي الأمامية لتلك المهرجانات الهجينة بالمدينة، وتسويق صورة ابتسامة مع ممثل فنان، أو مسؤول. بتنا الآن، نتسابق وبكل تدافع على اقتناء كمامات تقينا بخاخ “كورونا”الخفي وعلى ورقة الخروج، باتت تلك الكمامات تكمم خوفا أفواه الطواحين الكبرى المقيتة. الآن، بمكناس بتنا ننظر للمستقبل “ما بعد زمن كورونا”، بتنا نعمل على تقويم مدينة وساكنة من خلف الماضي البعيد والقريب، لنفهم ما كان يحدث بالضبط من ضجيج اللغو، وتنمية لا تستوي بناء الأساسيات وتجديد ذكاء المدينة.
صديقي والله، لفتحت باب مواجع تنمية عادلة لم تتحقق ونأمل بعد المصالحة الكبرى بين الدولة والشعب التغيير الموضعي بمكناس، صديقي درس “كورونا” علمنا أن علم (مواهب) السياسة بالمغرب لا بد من وضع هندسة جديدة له (قلب الطرحة)، علمتنا “كورونا” أن رغبة الساكنة في الحياة تظل قوية، وتجاوز الخطر يتأسس على الالتزام “بالتباعد الاجتماعي” والحماية الصحية، علمتنا “كورونا” أننا صبيان في رياض التعلم، ولازلنا نتعلم بالتهجي كيف ندبر وباء داهنا عن غير غرة منا، علمتنا “كورونا” أن اختيارات البسيطة في التعليم والصحة والتشغيل والاعتماد على الخارج غير مجدية النفع في ظل سد الحدود وممارسة السيادة الوطنية (أن أكون أو لا أكون).
حين أحس صديقي بأني أطنبت في الحديث، ويمكن أن أصل إلى توزيع الورد والشكر على كل المتدخلين في أمر الحد من الجائحة بامتياز وذكر الصفات والألقاب، أقر بالتعليق الوازن على ضرورة وقفة، لن نقول عنها بالتأملية، بل بوقفة بناء الهيكلة والتغيير، وقفة لن تحتاج إلى لجنة تطوف جهات المملكة فالحاجيات والأولويات بينة ولن نكذب على الذئب باستجوابه، ونتهم بقتل يوسف.
أكد أن التخطيط المستقبلي “ما بعد كورونا” يجب أن يتناول زوايا طواف (مك –وناس) الأربعة، من حيث تحديد الأهداف المستقبلية وما نبتغيه من مكناس كمدينة ذكية، من حيث اعتبار التنمية عمليات منظمة ومستمرة، ولا تتأثر بالتلوين السياسي، من حيث الواقعية بضبط البيئة الداخلية للمدينة و تحديد إمكانياتها البشرية والمادية، وكذا استحضار عوامل البيئة الخارجية (الدعم المالي الجهوي والوطني)، ومن حيث الجرأة لدى صناع القرار بالإطاحة بكل من يمارس على المدينة السير بعكاكيز الإعاقة، ومن حيث وعي الساكنة وإقناعهم أن المدينة ملك للجميع تتطلب حكامة مسؤوليات.
عن موقع : فاس نيوز ميديا