سُمح للسكان في الصين لأول مرة منذ أشهر بمغادرة مدينة ووهان، التي بدأ منها فيروس كورونا قبل انتشاره عبر أنحاء العالم.
وأشادت السلطات بتلك اللحظة باعتبارها نجاحا لها، لكن سكان المدينة كان لهم تجربة مختلفة لما اعتبر أكبر إغلاق في تاريخ البشرية.
واستمر الإغلاق 76 يوما، ولكنه انتهى الآن. وأعيد فتح الطريق السريع، وبدأت رحلات الطيران، وخدمة القطارات في مغادرة المدينة مرة أخرى.
وأصبح بإمكان السكان، الذين لم يعودوا حاملين للفيروس، السفر إلى أنحاء الصين الأخرى.
وقال لي جيا شينجي، وهو سائق يعمل في توصيل السلع: “خلال الشهرين الماضيين، لم تكن ترى أحدا في الشوارع تقريبا”.
“لقد أحزنني هذا”
وقد تحملت ووهان أحد أكثر قيود الحجر الصحي وأقساها في العالم. في البداية كان يسمح للناس بالخروج لشراء الغذاء، ولكن مع حلول منتصف فبراير/شباط، لم يسمح لأحد بمغادرة مجمعه السكني.
وأصبح سائقو توصيل السلع شريان حياة حيوي.
ويقول جيا: “أحيانا نتلقى مكالمات هاتفية من زبون يطلب فيها المساعدة في إرسال أدوية إلى والده الكبير السن”.
ويخشى جيا، الذي يعمل في إحدى شركات التوصيل الكبرى في ووهان، من أن مثل هذا الطلب من الزبائن، قد لا يصل إلى العميل إذا أرسل بالطرق المعتادة.
ويقول جيا: “ركبت دراجتي النارية، وتوجهت إلى الصيدلية، وأخذت الدواء ووصلته إلى والد العميل”.
وهذه قصة تشير إلى تضامن الناس معا وقت الأزمة، وقد يطرب سماعها السلطات الصينية.
غضب من التكتم على النقد
لن يكون من الصعب عليك في ووهان أن تجد أصواتا لا تسمع عادة فيما يتداول.
وكان والده، جانغ ليفا، في الـ76 من عمره، وقد توفي بسبب فيروس كوفيد-19 في 1 فبراير/شباط، بعد أن أصيب بالعدوى وهو في مستشفى في ووهان لإجراء جراحة في ساقه المكسورة.
وقال جانغ: “أشعر بغضب شديد، وأعتقد أن أسر الضحايا الآخرين غاضبون أيضا”.
وفي الأيام الأولى لانتشار الفيروس، كتم مسؤولون أصوات أطباء أبدوا مخاوف من انتشار الفيروس.
لكن جانغ لا يزال غاضبا حتى اليوم، لأن السلطات مازالت تحاول فيما يبدو كتم الانتقادات الموجهة إليها.
ويقول جانغ إنه أبلغ، قبل أخذ رماد جثة أبيه بعد إحراقها، بأن مسؤولين سيصحبونه خلال تلك الإجراءات.
ويضيف: “إذا سمح لنا بالذهاب بدون أن يصحبونا، كان من الممكن أن يلتقي أفراد الأسرة، ويناقشوا الأمر معا، ويطلبوا تفسيرا رسميا”.
“كان لدينا أيضا مجموعة على تطبيق “وي تشات” خاصة بأسر الضحايا، لكن الشرطة فككتها، واستدعت منظم المجموعة”.
ورفض جانغ أخذ رماد جثة أبيه، وقال لهم سآخذه لوحدي في وقت آخر.
ويقول: “إن أخذ رماد أبي مسألة شخصية جدا، وعائلية، ولا أريد أن يكون معي أحد”.
لا لوم على حكومتنا
ويقول جيا السائق إنه لم يصب أحد من أفراد أسرته ولا من أصدقائه بالفيروس.
وهذه شهادة على فعالية الإغلاق، الذي أدى إلى تباطؤ معدل انتشار العدوى، بالرغم من الشكوك التي تحيط بدقة الأعداد الرسمية.
وخلال الأسابيع الماضية، خففت ببطء بعض القيود التي كانت مفروضة في ووهان، بالسماح لبعض الناس بالخروج من مجمعاتهم السكنية، وإعادة فتح بعض الأماكن.
والآن اتخذت الخطوة الأخيرة، وسمح لوسائل المواصلات في ووهان بالمغادرة وإعادة الروابط مع بقية مدن الصين.
وبالرغم من وجود أدلة على أن هناك طرقا أخرى لاحتواء انتشار الفيروس، غير الإغلاق القاسي، فإن جيا وجانغ كليهما يعتقد أن الصين تسير على المسار الصحيح.
ويقول جيا: “بصفة عامة، انتصرنا، ولكنا لا ينبغي أن نكون مغرورين”.
“يجب أن يستمر جميع السكان في حماية أنفسهم، بارتداء الكمامات، وتتبع درجات حرارتهم، ومواصلة استخدام التطبيق الصحي الذي يراقب حالتنا، وغسل أيدينا باستمرار، وتجنب التجمعات”.
ولا يزال هناك خطر من حدوث موجة أخرى من العدوى، إذا أخذنا في الاعتبار التوازن الذي يجب حدوثه بين احتواء الوباء وإعادة بدء الاقتصاد.
ويصر جانغ، الذي يلوم المسؤولين المحليين في وفاة والده، على أنه ليس لديه قدرة على المشاركة مع الحكومة المحلية في العمل.
ولكنه يقول أيضا إن الحكومات الأجنبية ليست بريئة من اللوم.
ويضيف: “لا يستطيع الغربيون لوم حكومتنا بسبب أعداد الوفيات الكبيرة لديها”.
“فهم لم يرغبوا في ارتداء كمامات منذ البداية، بسبب عاداتهم … إذ إن لديهم مجموعة معتقدات مختلفة، وأيديولوجية مختلفة عنا”.
عن موقع : فاس نيوز ميديا