لماذا لجوء المغرب إلى التمويلات الخارجية ؟
ولماذا الآن بالضبط ؟
د. ادريس الازمي الادريسي
اقتصادي – نائب برلماني
نشر يومه الأربعاء 8 أبريل 2020 بالجريدة الرسمية المرسوم بقانون رقم 2.20.320 الصادر في 13 من شعبان 1441 (7 أبريل 2020) المتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية ليأذن للحكومة بتجاوز سقف الاقتراضات الخارجية المنصوص عليه في المادة 43 من قانون المالية رقم 70.19 للسنة المالية 2020.
وقد كثرت التساؤلات والتعليقات بخصوص رفع سقف التمويلات الخارجية واللجوء إلى الاقتراض الخارجي وفي هذا الوقت بالذات.
ومن ضمن هذه الأسئلة، برز سؤال لماذا لم يعمتد المغرب على التمويل الداخلي وعلى سندات الخزينة وغيرها للاستجابة لحاجياته التمويلية عوض اللجوء إلى الاستدانة الخارجية ورفع سقف التمويلات الخارجية وتجاوز السقف الذي حدده الترخيص البرلماني في المادة 43 المشار إليها أعلاه في 31 ميار درهم ؟ ثم لماذا اختار المغرب اللجوء الآن إلى هذه التمويلات في هذه الظرفية الحرجة ولم ينتظر حتى تتضح الأمور أكثر؟
وبغض النظر عن النقاش القانوني المتعلق باللجوء إلى المرسوم بقانون في إطار الفصل 81 من الدستور وعدم اللجوء إلى قانون المالية المعدل، فالذي يهمنا هنا هو الجواب على السؤالين السابقين : لماذا اللجوء إلى التمويلات الخارجية ؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات ؟
وللإجابة على النقاش المتعلق بإعطاء الأولوية للتمويل الداخلي عوض اللجوء إلى التمويلات الخارجية، يجب – أولا وقبل كل شيء – أن نحرر محل النزاع وأن نحدد ونعرف بالضبط ما هي الحاجة الحقيقية والمستجدة التي يسعى المرسوم بقانون أن يجيب عليها ويأذن للحكومة بمعالجتها في أقرب وقت وعلى وجه الاستعجال.
هل الأمر يتعلق بالحاجة إلى تمويل داخلي وبالعملة الوطنية لتمويل حاجيات الخزينة؟ أم أن الأمر يتعلق بالحاجة إلى تمويلات خارجية بالعملة الصعبة، ارتباطا بظروف الحجر الصحي المفروض وطنيا ودوليا وآثارها السلبية الثابتة على الاقتصاد الوطني وعلى احتياطي المغرب من العملة الصعبة بالخصوص؟
وهنا لا بد من التوضيح أنه وفيما يتعلق باللجوء إلى التمويل الداخلي فالمشكل غير مطروح أصلا بالنسبة للحكومة، باعتبار أن المادة 44 من قانون المالية رقم 70.19 للسنة المالية 2020 تأذن لها في التمويل عبر إصدار اقتراضات داخلية واللجوء إلى كل أداة مالية أخرى لمواجهة جميع تكاليف الخزينة خلال السنة المالية 2020 ودون سقف أصلا.
لكن في المقابل، هل بلدنا في حاجة فقط إلى تمويل حاجيات الخزينة وبالدرهم فقط، والمرتبطة اختصارا بالعجز الداخلي الذي هو عجز الميزانية وهو الفرق الحاصل بين مواردها ونفقاتها، أم أن هناك حاجيات أخرى لا يمكن الاستجابة لها إلا من خلال التمويل الخارجي والعملة الصعبة، وهي الحاجة المرتبطة بعجز ثان هو العجز الخارجي وهو عجز الحساب الجاري لميزان الأداءات، وهو نتيجة الفرق بين الصادرات والواردات من السلع والخدمات والتحويلات من وإلى المغرب.
والواقع أن المغرب يحتاج اليوم وأكثر من أي وقت مضى، كما احتاج البارحة وسيحتاج غدا، إلى أن يتوفر على احتياطي ملائم من العملة الصعبة لتمويل وارداته من السلع والخدمات واقتناء كل ما يحتاجه من الأمور الأساسية من مواد التجهيز والمواد الغذائية والطاقية وغيرهما ومن المعدات والتجهيزات الطبية والأدوية مما نستورده من الخارج ويؤدى مقابله بالعملة الصعبة.
وهنا يظهر جليا أن الأمر لا يتعلق نهائيا بتوفير التمويل الداخلي فهذا له إذنه دون سقف وآلياته ومجالات تعبئته وصرفه، لكن الأمر أعمق من هذا ويرتبط أساسا بتوفير العملة الصعبة اللازمة لتمويل وارداتنا من السلع والخدمات ولتمويل عجز الحساب الجاري لميزان الاداءات وكذا للحفاظ على الثقة في اقتصادنا الوطني.
ويتبين ذلك جليا من خلال لجوء المغرب في السابع من أبريل 2020 إلى استخدام خط الوقاية والسيولة لصندوق النقد الدولي بسحب مبلغ يعادل ما يقارب 3 مليار دولار قابلة للسداد على مدى 5 سنوات مع فترة سماح لمدة 3 سنوات، كما جاء ذلك في البيان المشترك لوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة وبنك المغرب.
كما علينا أن ندرك أن مخزون المغرب من العملة الصعبة سيتأثر كثيرا بفعل هذه الجائحة، باعتبار أن أغلب مصادر العملة الصعبة ستتأثر حتما بفعل الإجراءات والاحتياطات المتخذة وطنيا ودوليا للوقاية والحد من انتشار وباء “كورونا”.
وهنا لا بد من التذكير أن مصادر المغرب من العملة الصعبة معروفة ومحصورة وستتأثر لا محالة سلبا في هذه الظرفية – كلها وفي نفس الوقت وربما بشكل لم يشهده المغرب من قبل – فبلادنا تعتمد في توفير العملة الصعبة على خمس مصادر أساسية وهي :
- صادرات المغرب من السلع والخدمات: وهذه الصادرات ستتراجع بشكل كبير بحكم توقف النشاط في أغلب إن لم نقل كل القطاعات المصدرة، ولا سيما المهن الجديدة للمغرب.
- عائدات السياحة: وقد توقف قطاع السياحة نهائيا بفعل حالة الطوارئ الصحية التي فرضت إغلاق كل المؤسسات السياحية والفنادق والمطاعم وتوقيف النقل الجوي الداخلي والدولي.
- تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج: وهم شأنهم شأن باقي مواطني بلدان إقامتهم يعيشون ظرفية اقتصادية ومالية صعبة بحكم توقف الحركة الاقتصادية والتجارية ببلدان الإقامة.
- تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة: وستتراجع وستتوقف حتما هذه الاستثمارات بحكم أن المستثمرين الأجانب يعيشون نفس الإجراءات الاحترازية ويشعرون بنفس التخوفات وقرارات الاستثمار متوقفة الآن.
- التمويلات الخارجية.
إذن، وبتفحصنا لهذه المصادر – واحدا واحدا – ندرك جيدا ودونما حاجة إلى استدلال أكبر، أن المصادر الأربع الأولى قد نضبت وتوقفت أو ستنضب وتتوقف بفعل الإجراءات الاحترازية الصارمة التي اتخذتها بلادنا ومختلف بلدان المعمور ولاسيما شركاؤنا الأساسيون، ولم يبق إلا مصدر واحد ووحيد وهو التمويلات الخارجية.
لذا، فالمرسوم بقانون جاء ليسمح للحكومة برفع سقف التمويلات الخارجية بصفة استعجالية واستثنائية ليتيح لها المجال للجوء إلى المؤسسات والأسوق المالية الدولية للحصول على التمويلات الخارجية وبالتالي توفير العملة الصعبة اللازمة لاقتناء السلع والخدمات ولاسيما المواد الأساسية والمعدات والتجهيزات الطبية والأدوية والمواد الغذائية والطاقية وغيرها.
وبخصوص السؤال الثاني : لماذا الآن ؟ فمن المعلوم أن عملية اقتناء أي نوع من السلع من السوق يقتضي وبالإضافة الى تحديد الطلب والاطلاع على العرض الموجود تحين الفرصة الملائمة واختيار التوقيت المناسب. كما أن اللجوء الى التمويلات الخارجية هي أيضا مسألة ثقة، ثقة في المقترِض من طرف المؤسسات والأسواق المالية الدولية، وثقة من المقترض في ظروف وشروط هذه الأسواق وهذه المؤسسات وعروضهما، ثم هي مسألة ملائمة واختيار للتوقيت المناسب بالنظر إلى الوضعية الداخلية للمقترض وكذا بالنظر إلى ظروف السوق الدولية وظروف الشركاء الماليين والمؤسسات المالية الدولية.
وهنا، فإن الوقت مناسب بالنسبة لبلدنا باعتبار أنه وبتاريخ 3 أبريل 2020، حافظت وكالة التنقيط العالمية ستاندرد آند بورز (S & P) على مستوى تنقيط المغرب وأكدت تصنيفه ضمن “درجة الاستثمار وبأفق مستقر” وذلك باعتبار الحجم المعتدل للدين والمستوى المتحكم فيه للعجزين الداخلي والخارجي وللاستقرار السياسي والاجتماعي، وهو ما يثبت رجاحة وفعالية الاصلاحات العميقة التي اتخذتها بلادنا للحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية ولمعالجة الفوارق الاجتماعية والمجالية ولتطوير وتنويع نسيجها الاقتصادي. وهذا أمر يجعل ثقة شركائنا كبيرة واستجابتهم سريعة وييسر عملية التمويل الخارجي من حيث السيولة ووفرة العرض ومن حيث الشروط المالية.
كما أنه ومن جهة المؤسسات والأسواق المالية الدولية ومن خلال استقراء الواقع الذي يعيشه العالم اليوم والتراجع غير المسبوق للتجارة والنمو العالميين والقرارات التي اتخذتها معظم المصارف المركزية بتخفيض سعر الفائدة والاحتياطات الإلزامية للأبناك وأثرها على توفير المزيد من السيولة، ثم إن المؤسسات المالية الدولية الثنائية والمتعددة الأطراف تقترح مجموعة من التسهيلات المالية المتاحة اليوم كجواب ودعم منها للدول لتجاوز آثار هذه الجائحة، كل هذا يجعل أن هذه المؤسسات والأسواق المالية تعرض اليوم أوفر السيولة وأحسن الشروط المالية للتمويلات الخارجية.
كما أنه وبالنظر لانعدام الرؤية المستقبلية الواضحة بخصوص تطور الاقتصاد العالمي وكذا حول تطور الحاجيات التمويلية لمختلف البلدان فإن الوقت مناسب جدا للبلدان التي تتوفر على إمكانية اللجوء في وقت مبكر إلى التمويلات الخارجية، حيث إن الأفق ينذر بأن تشهد هذه الأسواق والمؤسسات المالية ازدحاما في المستقبل المنظور باعتبار ما سينجم عن هذه الجائحة وآثارها من حاجيات تمويلية كبيرة سترفع مجموعة من الدول الى طلب التمويلات والمساعدات الخارجية، وهو ما سيكون له لا شك أثر سلبي على السوق لا من حيث وفرة العرض ولا من حيث السيولة ولا من حيث الشروط المالية للاقتراض.
وختاما، فإن الظروف تبدو مناسبة والشروط مواتية لا من حيث التنقيط الائتماني للمغرب ولا من حيث السيولة والشروط المالية المتاحة لحد الآن على المستوى الخارجي، وكذا بالنظر لثقة الشركاء في المغرب واستعدادهم للتجاوب مع طلبه على التمويلات الخارجية، وبالتالي فإن الابواب المفتوحة والمتاحة اليوم قد لا تتوفر غدا، مما وجب معه من باب الحيطة والحذر وحسن التدبير وفي أمر استراتيجي من مثل توفير العملة الصعبة للاقتصاد الوطني أن يتم التحرك الآن وليس غدا.