مجلس النواب، 10 أبريل 2020
السيدات والسادة النواب
السيد وزير الدولة
السيدات والسادة
طبقا لمقتضيات الفصل الخامس والستين من الدستور، نفتتح الدورة الثانية من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية العاشرة في ظروف جد استثنائية بكل ما تعني الكلمة من معنًى. و نفتتح هذه الدورة في سياق وظرْفٍ وطني وعالمي وإنساني غير مسبوق. سياقٌ كونيٌ جدُّ استثنائيٍّ تَجْثُمُ عَليه جائحة كورونا، التي هي بصدد إحداثِ واحدٍ من أكبر التحولاتِ في التاريخ البشرِي، وقد تحَوِّلُ مجرى هذا التاريخ، وتُشكلُ مرحلةً فاصلةً في العلاقات الدولية وفي التنظيمات الاجتماعية، وفي الثقافةِ، وفي التَّمَثُّلاَتِ والقِيَمِ. ولكن الأساسي اليوم هو تنظيم مواجهة هذه الجائحة التي تتسبب في كوارثَ وأزماتٍ صحيةٍ، ربما غير مسبوقة، من حيث عدمُ قدرةِ الدولِ، والمنظمات والعلماء، على احتوائها وكَبْحِ جِمَاحِها. لن يَعْنِيَ ذلك بالتأكيد الاستسلام، ولكنه يعني، على العكس من ذلك، ضَرُورَةُ تنظيم المواجهة والتصدي، ليس فقط لأصل هذا الشَرِّ، ولكن لتداعياته الصحية والاجتماعية والاقتصادية التي لن تكون سهلة إذ ستنهك الميزانيات العمومية وترفع الإنفاق العمومي وترهن مستقبل العالم.
و لنا أن نسجل باعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتزاز أن بلادنا سارت على هذا النَّحْوِ من المقاومة. ففي مواجهة هذه الجائحة وتداعياتها، تبرزُ مرة أخرى فَرَادَةُ النموذج المغربي بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، الذي يقود مرة أخرى، في سياق الأزمة، معركةَ المغرب ضد الوباء بسلاح الإرادة القوية في الاحتواء، وبالعزيمة الجماعية الصلبة في التصدي، وبالتبصر والحكمة، مما يَسَّرَ تعبئةً وطنيةً مجتمعيةً على مختلف الواجهات في المواجهة المصيرية من أجل تجاوز هذه الظروف الصعبة.
وتعتبر الإجراءات الاستباقية التي أمر جلالة الملك باتخاذها سواء في ما يتعلق بإقرار حالة الطوارئ الصحية في البلاد درءً لتفشي الوباء، أو توفير المستلزمات الطبية، أو توفير المستلزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية الضرورية المواكِبة لحالة الطوارئ الصحية، واللازمة لاحتواء الظروف الاقتصادية الخاصة التي يمر منها الاقتصاد الوطني، -تعتبر- تجسيدا لمنطق المسؤولية التاريخية في اللحظات العصيبة.
وفي هذا الظرف الدقيق القاسي، كانت لرؤية جلالة الملك ولتوجيهاته السامية الفضلُ في هندسةِ خُطَطِ المواجهة التي ستمكن بلادنا، بحول الله، من اجتياز هذه المرحلة بأقل الخسائر، وفي إشاعة بذور التفاؤل والأمل في مستقبل أفضل و في درء اليأس.
وإن من الإجراءاتِ المُواكِبة التي تستحق التنويه والتثمين، أمرُ جلالة الملك بإحداث صندوق في شكل حساب خصوصي لمواجهة جائحة كورونا. وقد أثبت حجم المساهمات في هذا الحساب و الحماس الوطني الإرادي لدعمه من جانب المؤسسات والأشخاص والرأسمال الوطني، مرة أخرى، عن المعدن الخالص للشعب المغربي، وعن مدى استبطان المغاربة لقيم التضامن والتكافل والتضحية، ورهانهم الجمْعي، على التجاوز الجماعي لقساوة الظرف.
ومن جهة أخرى، أثبتت الإجراءات التي اتخذتها السلطات العمومية من حكومة ومؤسسات عمومية، بتعليمات ملكية، وانخرطت فيها المؤسسات المالية الوطنية وهيئات الضمان، من أجل الحفاظ على مداخيل مختلف الفئات المتضررة من حالة الطوارئ الصحية، تجدر قيم التضامن والتكافل وإعمال منطق المسؤولية من جانب الدولة المغربية بقيادة جلالة الملك بعدم التخلي عن أي كان من أبناء هذا الوطن في الظروف العصيبة. وفي ذلك، لا تتجسد فقط روح الدستور في بعده التضامني وفي ما يتعلق بتحمل التكاليف الناجمة عن أعباء الآفات والكوارث، بل تتجسدـ، وبتلقائية، أيضا، قيم العيش الجماعي في الظروف الصعبة والحرجة.
وتجسد الإجراءات المتخذة على مختلف الأصعدة وأعمال التكافل معنى الدولة الحاضنة لجميع أبنائها والراعية لأحوالهم.
وفي واجهة المعركة الطبية ضد الوباء، تتم تعبئة جميع الإمكانيات البشرية والتقنية والتجهيزات الأساسية للتصدي للوباء. وفي الصف الأمامي للمواجهة، بالطبع، توجد الأطر الطبية وشبه الطبية، المدنية والعسكرية، من أطباء وممرضين وموظفي الوقاية المدنية الذين يستحقون منا كل الثناء والتقدير على التضحيات الجسام والجهود التي يقومون بها درءً للوباء، ومن أجل علاج المصابين. فإلى هؤلاء كل التحية والتقدير.
وفي الصف الأمامي أيضا، القوات المسلحة الملكية التي تقف حاميةً لحدود الوطن، وتقف اليوم أيضا، في الصف الأمامي لإسناد قوات الأمن الوطني في الحفاظ على قواعد السلامة وتطبيق مقتضيات قانون حالة الطوارئ الصحية. فإلى هذه القوات، بقيادة قائدها الأعلى جلالة الملك محمد السادس كل التحية والتقدير.
وفي الصف الأمامي أيضا يقف رجال ونساء السلطة والأمن الوطني والدرك الملكي والقوات المساعدة الذين يضحون من أجل صيانة الأمن وتنفيذ مقتضيات قانون الطوارئ في إطار احترام الإجراءات الضرورية وكفالة اِنْسِيابِيَّةِ الحياة وفق ما يقتضيه الظرف. فإليهم جميعا كل الثناء والتقدير.
وفي صفوف المواجهة الخلفية يقف أيضا رجال ونساء التعليم الذين يسهرون على استمرارية العملية التعليمية باستعمال تقنيات التواصل الحديثة، فيما يواصل رجال ونساء الإعلام تأمين تدفق الأخبار. فإلى هؤلاء كل التحية والتقدير.
ومن جهة أخرى، ينبغي أن نُقَدِّرَ ونُثْنِي على دور كل من يحرص على تأمين استمرار تموين الأسواق وتزويدها بما يلزم من مستلزمات الحياة في هذا الظرف الاستثنائي ومنهم بالطبع التجار والفلاحون في البادية المغربية. وفي هذا الظرف الاستثنائي لا يفوتني أن أشيد عاليا بالجهود المضنية التي يبذلها النساء والرجال العاملون في مجال النظافة الذين يشتغلون في ظروف وسياقات صعبة ويتحملون أعباء مكلفة في ظرف صعب.
ومن جهة أخرى ينبغي أن نقدر عاليا جهود بعض الصناعات الوطنية التي تمكنت في ظرف قياسي من أن تطور وتبتكر أجهزة ومنتوجات ما أحوج بلادنا والعالم إليها من قبيل أجهزة التنفس الاصطناعي الطبية والكمامات وغيرها من مستلزمات مواجهة الوباء. فإلى الخبرات والمهارات الوطنية، وإلى الرأسمال الوطني كل التقدير.
الزميلات والزملاء،
على الرغم من السياق الصعب، تستمر المؤسسات في أداء أَدْوَارِها وممارسة اختصاصاتها، بالوثيرة التي تتطلبها المرحلة. وفي هذا الصدد يواصل مجلسنا أداء مهامه والاضطلاع بواجباته الدستورية. فقد كان من الطبيعي التجاوب بالسرعة الضرورية مع الدعوة إلى اجتماع لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة يوم الثلاثاء 23 مارس 2020 التي صادقت بالإجماع على مشروع مرسوم بقانون يتعلق بِسَنِّ أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية، والذي يندرج في إطار التدابير الوقائية الاستعجالية اللازمة، وذلك إعمالا لمقتضيات الدستور، وفي إطار الاحترام الدقيق والتام لأحكامه ولمقتضيات النظام الداخلي.
وقبل ذلك كانت لجنة المالية والتنمية الاقتصادية قد عقدت اجتماعاً خصص لتقديم مشروع مرسوم بإحداث الحساب المُرْصَد لأمور خصوصية تحت اسم الصندُوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا covid 19، والذي أحدث بتوجيهات وتعليمات جلالة الملك محمد السادس لمواجهة تداعيات وانعكاسات هذه الجائحة صحيا واجتماعيا واقتصاديا وماليا. وعقدت نفس اجتماعا آخر يوم 7 ابريل خصص لعرض مرسوم بقانون يتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية والذي تقتضيه الظرفية الخاصة التي تجتازها بلادنا وذلك بناء على منطوق الفصل 81 من الدستور.
وتأتي هذه المبادرات التشريعية تنفيذاً لأحكام الدستور ومقتضيات النظام الداخلي واحتراما للمساطر ذات الصلة.
وفي نفس السياق، كانت لجنة القطاعات الاجتماعية قد اجتمعت بحضور السيد وزير الصحة الذي قدم عرضا حول الإجراءات الصحية الاحترازية والتدابير التي كانت قد اِتُّخِذَتِ لمواجهة الوباء.
وأود أن أثني على مساهمة كافة الفرق والمجموعة النيابية في هذين الاجتماعين وعلى الالتفاف الجماعي لمكونات المجلس حول هدف التصدي للوباء وإيجاد وسائل درء مخاطره، وعلى التعاون والتفاهم الذي ساد بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ولا يفوتني بالمناسبة أن أثني على انخراط كافة أعضاء المجلس في الجهود الوطنية لمواجهة الجائحة، وخاصة من خلال المساهمة المالية في الصندوق المُحْدَثِ لِهَذَا الغَرَضِ، وكذا بالعمل الميداني الذي يقوم به أعضاء المجلس في الدوائر الانتخابية. و نفس الثناء أعبر عنه لموظفات وموظفي المجلس والشُّركاء الاجتماعيين بالمجلس على مساهماتهم المالية وانخراطهم في المبادرات المواطنة.
الزميلات والزملاء
في هذا الظرف الدقيق، نحن مطالبون بمزيد من اليقظة والحزم، من أجل ربح معركة القضاء على الجائحة وتمنيع بلادنا، والاستمرار في التعبئة من أجل الالتزام بالإجراءات التي تأمر بها السُّلُطاتُ العموميةُ في مجالات السلامةِ والنظافةِ واحترام تعليمات البقاء في المنازل، والتحلي بروح العيش الجماعي والتكافل والتضامن.
وليس هذا بعزيز ولا بغريب على الشعب المغربي الذي أَبَانَ مَرَّةً أُخْرَى عن وعي رَاقٍ، وعن شيمٍ مُتَأصلةٍ فيه، وعن تماسكٍ ولُحْمَةٍ قويين، تُغَذِّيهِمَا قيادةٌ وإرادةٌ ملكيةٌ تجسدها قيادة جلالة الملك بحكمةٍ لمعركةِ التصدي للوباء وتخطي المرحلة بأقل الخسائر.
وبالتأكيد، فإن هذا السياق سيفرض نفسه على الدورة التشريعية التي نفتتحها اليوم، والتي علينا أن نجعل أشغالها، من حيث التنظيم والترتيبات والحضور، وأيضا من حيث المحتوى، ملائمة للسياق والظروف الاستثنائية مع الحرص على الاحترام الدقيق لمقتضيات الدستور وأحكام النظام الداخلي.
وقد كان حرص جميع مكونات المجلس على أن تواصل المؤسسة اشتغالها في الواجهات الرقابية والتشريعية وفي مجال تقييم السياسات العمومية إعمالا للدستور ولتكون جزء من كافة المؤسسات في مواجهة الوباء وتداعياته بتقديم الاقتراحات والحلول وبالإسناد السياسي والمؤسساتي لباقي السلطات. و إن في ذلك رسالة من أجل اليقظة والاشتغال بكل الطرق الممكنة مع الحفاظ على متطلبات السلامة الصحية.
وبالموازاة مع ما يتعين على مجلسنا القيام به من مواكبة وتحفيز للإجراءات العمومية التي تنفذ في مواجهة الجائحة وانعكاساتها المتنوعة، وجعل ذلك في صلب اختصاصاتنا ومهامنا، سيكون علينا مواصلة تنفيذ برنامجنا في مجال الرقابة والتشريع بدراسة مشاريع ومقترحات القوانين المعروضة علينا وخاصة منها ما أحيل علينا خلال الفترة ما بين الدورتين وما سيحال خلال الدورة، وبالتحديد ما يرتبط بسياق مواجهة الوباء وتداعياته.
إننا، السيدات والسادة، في معركة جماعية واحدة، والهدف المشترك اليوم، والمهمة الأساسية الآنية اليوم، هي مواجهة الجائحة وتداعياتها، ما يعني وضع الاختلاف جانبا وتأجيل التدافع السياسي المشروع، وتأجيل التقييم. هذا ما نسير فيه اليوم وما عبرت عنه مختلف ومكونات المجلس وتنخرط فيه، تجسيدا للوحدة الوطنية في هذه المعركة المصيرية.
إن الهدف اليوم، والمهمة المركزية اليوم، هو مزيد من الالتفاف وراء جلالة الملك حفظه الله، وتوجيه رسائل إلى الرأي العام، إلى الأطقم الطبية، المدنية والعسكرية، إلى السلطات العمومية والأمن الوطني، إلى أطفالنا، إلى شبابنا، بأن المرحلة هي لليقظة والانضباط والتضامن، والبقاء في بيوتنا، لأن
عدونا، عدو البشرية، شرس ومواجهته تتطلب التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية واحترام قرارات وإجراءات السلطات العمومية التي تتوخى حماية المجتمع والحد من انتشار الوباء واحتواء عواقبه.
في الختام نتضرع إلى الله تعالى بأن يرحم من وافتهم المنية جراء الوباء و يلهم ذويهم الصبر والسلوان وبأن يعيننا في مواجهة الجائحة وتداعياتها، ويحفظ بلادنا من كل مكروه لتواصل نماءها بإرادة أقوى وعزم أصلب وتصميم أوثق، بقيادة صاحب الجلالة حفظه الله.
شكرا على إصغائكم.
عن موقع : فاس نيوز ميديا