محمد منفلوطي
في زمن الشدائد، تظهر طينة الكبار ومعدنهم الخالص، ذلك ما أبان عنه ملك البلاد الذي وقف وقفة رجل واحد بكل حزم وصرامة لمواجهة هذا الوباء العالمي، من خلال اعطاء تعليماته السامية لكافة السلطات الحكومية لاستنفار أجهزتها والعمل جنبا إلى جنب مع باقي الشرائح الاجتماعية، بمعنى أن الدولة دارت خدمتها ودارت لي عليها، والبقية على الآخرين.
الدولة دارت لي عليها والبقية على الشعب، هكذا وصفها أحد الأصدقاء من أطباء القطاع الخاص، ونحن نتبادل أطراف الحديث فيما بيننا حين انفجر قائلا غاضبا مأنّبا: ” نحن في سفينة واحدة، إما ننجو او نغرق جميعا، الدولة دارت لي عليها والبقية على الشعب باش يجمع راسو ويدخل دارو، باركا من الاستهثار باراكا من الزيارات العائلية، باركا من نشر العدوى بين الأسر والأقارب، اتقوا الله في أولادكم وآبائكم وامهاتكم وكل عزيز عليكم”، هكذا واصل هذا الإطار الطبي كلامه بحرقة شديدة، منبها إلى خطورة الوضع لاسيما بعض ارتفاع تسجيل الحالات في صفوف المخالطين، مشددا في الوقت ذاته على الوضع الصحي بالمغرب لا يتحمل المزيد من الحالات المرضية بهذا الفيروس القاتل، معززا موقفه هذا كون العديد من الدول العظمى والتي كانت تعتبر رائدة في القطاع الصحي وقفت عاجزة أمام تفشي حالات العدوى بين شعوبها على الرغم من الامكانيات الطبية الهائلة التي تتوفر عليها، إلا أنها رفعت الراية البيضاء واستسلمت للوضع.
الحديث المطول مع هذا الرجل الوطني الذي أبان عن حسه الانساني الذي تعهّد من خلاله بوضع كل امكانياته وتجربته الطبية في خدمة المرضى لمواجهة هذه الجائحة، قال أنه يحبذ العمل في صمت وبعيدا عن الأنظار واضعا مصلحة البلاد والعباد ضمن أولوياته لأنه يقدر حجم الاكراهات وحجم المخاقال : “أضع مجموعة من النصائح ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي والانساني والصحي، أولها ضرورة الابتعاد الأسري والالتزام بالحجر الصحي، مستغربا بالقول ” كيف يمكن لشخص يدعي انه يحب أسرته ويهتم بوضعها الصحي أن يخرج لقضاء مآربه، ويقوم بجولات وزيارات لأسر وعائلات أخرى، ألا يظن هذا أن بفعلته هاته قادر ان يساهم في نقل العدوى وايذاء الناس دون أن علمه”، داعيا في الوقت ذاته إلى تثبيت حالة الطوارئ الصحية التي أعلنت عنها السلطات، وتنزيلها تنزيلا صحيحا، بدل التحايل عليها والبحث عن مبررات واهية للخروج والتجول والجلوس أمام المنازل وبالأحياء وأمام العمارات السكنية.
الحديث معه كان شيقا ومفيدا مع هذا الإطار الطبي، حين قدّم مجموعة من النصائح تهم قاطني السكن الاجتماعي، الذي يعتبر بؤرة لتفشي هذا الوباء، بفعل ارتفاع منسوب الاختلاط بين الجيران واشتراكهم في استعمال الدرج والأبواب وأزرار المصابيح والمصاعد وغيرها، داعيا إياهم إلى رفع درجة اليقظة بحدة عالية من قبيل، تكليف شخص واحد يقوم بأعمال الصيانة والتعقيم وضبط الخروج والدخول وقضاء المآرب مقابل مبلغ مالي في إطار مساعدة اجتماعية تفرض على كل واحد قاطن بهذا السكن الاجتماعي كأسلوب ناجع لضمان التحكم في هذا الوباء وعدم المساعدة في انتشاره.
فيما يخص الشباب الذين يحبذون الخروج طول النهار والتسكع بالشوارع، اقترح عليهم البحث عن أساليب وقائية بسيطة وغير مكلفة من قبيل الانخراط في عمليات التعقيم لمنازلهم واحيائهم باستعمال الماء وجافيل، وابتكار طرق تقي الناس من شبح العدوى، بالإظافة إلى تقديم الخدمات للشيوخ والنساء الحوامل وقضاء مآربهم بدلا عنهم، بذلك نكون أمام بيئة نقية تقل فيها نسبة تفشي الفيروس في الهواء.
الدولة دارت لي عليها، من خلال اتخاذ حزمة من الاجراءات والتدابير الاستباقية كاغلاق الحدود واعلان حالة الطوارئ الصحية، ومحاصرة المدن وتقييد حركة المرور والتنقل، وخلق مبادرات اجتماعية من قبيل دعم الأسر الفقيرة ودعم الاقتصاد الوطني، والافراج عن عدد كبير من السجناء وتكريس ثقافة التكافل والتعاون من خلال خلق صندوق للدعم ضد الجائحة، والعمل على تأمين الزمن المدرسي عن طريق التعليم عن بعد…الدولة دارت لي عليها، البقية على الشعب، لاسيما وان نسبة كبيرة استجابت لهذه التعليمات والتوصيات والقرارات، وفئة أخرى ركبت موجة الاستهثار واللامبالاة معرضة شريحة كبيرة من المجتمع لشبح العدوى والموت المجاني.
رجاء أيها الشباب، أيها الرجال، أيها المغاربة الأحرار، التزموا بيوتكم ، واجتنبوا الاختلاط، وضعوا الكمامات الواقية، واحرصوا على تجنيب أقاربكم وأسركم من شبح الوباء القاتل، تعاملوا بحزم مع البلاغات التي تصدرها الجهات الوصية على القطاع الصحي، خذوا حذركم وضعوا نصب أعينكم أن الوضع الصحي ببلادنا لا يستطيع مجابهة هذا الوباء إلى ابعد تقدير لا قدر الله، نظرا لمحدوديته، على الرغم من المجهودات المبذولة من قبل الأطر الطبية والتمريضية التي تجندت منذ الوهلة الأولى.
رجاء أيها الشباب، أيها الرجال، أيها المغاربة الشرفاء، الوطن في حاجة إليكم وإلى تضامنكم وانخراطكم الجدي في انجاح محطة الحجر الصحي لأنها هي السبيل الوحيد لمجابهة هذا الوباء الفتاك، اعملوا على زرع بذور الأمل للخروج من تداعيات هذه الجائحة التي أثرت على وضعنا الاقتصادي والاجتماعي والصحي، ساهموا بالفعل في بناء مغرب حديث ما بعد كورونا، من خلال الالتزام بالبيوت وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، واعلموا ان كل دولة تعافت في وقت مبكر، ستقوم لها قيامة اقتصادية غير مسبوقة، حيث ستشرع في تشغيل معاملها ومصانعها ويدها العاملة، وستقوم بتصدير منتوجاتها للدول المتضررة وحتى التي لازالت تجابه هذا الفيروس.
إذا كان العالم قد أحصى شرها المستطير ، فإن لهذه الجائحة العالمية في الوقت ذاته حسنات على الرغم من حجم ضحاياها ومساوئها كأكبر خطر يهدد البشرية في زمن العولمة، فهي لامحالة ستعيد رسم خارطة جديدة لعالم ما بعد الكورونا، كما أنها أبانت عن ضعف البشرية وهوانها، وجشعها وحب الذات، وأماطت اللثام عن واقع العلاقات المبنية على المصالح الضيقة، وفضحت مروجي الاشاعات والفضائح ومروعي الآمنين، وأبانت عن الدور الريادي للرجال في زمن الشدائد، وطمست آثارالتافهين وخلصت العباد من قفشاتهم المُضحكة.
اتقوا الله في وطنكم واتقوا الله في أنفسكم وفي بني جلدتكم وعودوا إلى رشدكم، والزموا بيوتكم، وأحفظوا أرواح أناس من شبح العدوى قد تُسألون عنها عند بارئكم.
عن موقع : فاس نيوز ميديا