إن الـتــــعـارف أولا ،و التـفـاهـم ثـانـيـا، ثم التـعـاون والـتــعـايش ثالـثـا بين الأمـم المختـلـفـة ، هـو سـنــة كـونـيـة ، ومما تـتــوقـف عـلـيـه الإنسانــيـة ، و تـحـتـاجـــه حـاجـــة مـــاســة ، وقـد نـبـه الـقـرآن الكريم إلى ضـرورة التـــعـارف للـتــعــايـش ، وشرع التسامح ، والـرحـمة بيـن البشريــة جـمـعــاء – شـعـوبا و قبـائـل – ، قــال تـعـالى :”يــا أيـهــا النــاس إنا خلقــناكم من ذكـر و أنـثـى ، وجـعـلـناكم شعـوبا و قـبـائـل لـتـعـارفـوا ، إن أكرمكم عـنـد الله أتـقــاكم ، إن الله عـليم خبــيــر” الحجـرات الآيــة 13
و وأمـر بـالـبـر و الـعــدل مـع المخالفـيـن في الـدين ، فـقـــال فـي مـوضع آخـر ” لا يـنـهــاكم الله عـن الــذيـن لم يـقـاتلـوكم في الـديـن ولم يخرجـوكم من ديـــاركم أن تـبـروهـم وتقسطـوا إليهـم إن الله يحـب المقسطـيـن ” الممتحنة ، الآية 8 .
ونـبـه أن جــعـل البشـريــة أمـما ، ولـكل أمـة أو قـوم شـرعــة ومنـهــاجــا، فـقــال تــعـالى :” لكل جـعـلنا منكم شرعــة ومـنـهـاجـا ، و لــو شـاء الله لجــعـلكم أمـة واحـدة ، و لكن ليبلوكم فيها آتــاكم ، فاستبقـوا الخـيرات ، إلى الله مرجـعكم جميـعا ، فينبئكم بما كنتم فيه تخـتـلفـون ” المائدة الآية 48
و هـنـاك الكثيـر مـن نــصوص الـوحـي القرآنـيــة الـتي جــاءت تـنـبـه و تــرشـد إلى هــذا الــتــنـوع البـشـري الـذي أكـرمـه اللـه ، و ربــط بيـن أنـواعـه –شعوبا و قبائل – بمجـمـوعــة من الـقــواسم الإنسانـيـة المشتركــة ، الـشأن فيــها أن تجـمـع أكـثر مـما تـفرق ، و جـــاءت السنة النبـويـة لتــؤكــد و تبين مـا جـــاء فـي الـقـرآن ، وبــعـضـها جـــاء يـــؤسـس لمــبادئ إنسـانـيـة سامـــية انـطـلاقـا من مجـتمع المـدينـة مـن خـلال :”وثــيــقــة الـمـديــنــة” ، لمجـتمع كـان في بـدايـتـه متـنـوع الأعـراق و الأجـــنـاس و الــديــانــات و الاعـتــقـادات ، في السنـوات الأولـى من سـنـوات التشريـع ، فـفي خـطبـته صلى الله عليه و سلم فـي وسـط أيـام التـشريـق أنه قـال :” يَــا أَيُّـهـَا الـنَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّـكُمْ وَاحِـدٌ وَإِنَّ أَبَـاكُمْ وَاحِـدٌ ، أَلَا لَا فَـضْلَ لِعَـرَبِيٍّ عَلَى أَعْـجـَمِيٍّ ، وَلَا لِعَـجـَمِيٍّ عَلَى عَـرَبِـيٍّ ، وَلَا لِأَحْـمـَرَ عَلَى أَسْـوَدَ ، وَلَا أَسْـوَدَ عَلَى أَحْـمـَرَ إِلَّا بِالتَّقْـوَى ، أَبَـلَّـغــْتُ ؟ قَـالُـوا : بَـلَّـغَ رَسُـولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَـلَـيْهِ وَسَـلَـّمَ “. .
و قـد أكـد علمـاء تـاريـخ الأديــان ، أن حــيـاة الشـعـوب و القـبائـل ، لا تـخـلـو من تــقــاطـعـات ديــنـية و إنـسـانـيـة مشتركــة بيـنـهــا ، يمكن أن تـسـاهـم فـي جــمع الـنـاس حـولـهــا ، ويـمكن أن تـنـبـنـي عـلـيـهـا عـلاقـاتــهم الاجـتـمـاعـيـة الـضـروريـــة .
و ذكــروا منـها : أصول الأديـــان ، الـتي لا يخــتــلف فيهـا ديــن عن ديــن، أو شريـــعــة عـن شريــعــة، كإخـلاص العـبـادة لله -تعالى- والإِيمان بكـتـبـه ورسلــه وملائكته واليـوم الآخــر، والتـحلي بمكـارم الأخــلاق ، كالصدق والعـــفــاف، و غـيـرهـا من المـبــادئ و القـيـم .
وأن الإسلام لـم يـلـغ أو يــنسـخ القـواسـم المـشـتـركـــة ، فـلـقــد كـان و لا زال و سـيـبقـى دائـما ، يـدعـو النـاس إلى التمسك بتلك الـقـواسم المشتركـــة الـتـي تـسـاهـم فـي بــناء العـلاقـات بينهم ، حـتى يـتـمكـنـوا مـن عـيـش حـيـاة سعـيـدة متــكامـلة مـتــآلـفـة ،تمكنـهم مـجـتمـعـيـن ، مـن درأ كـل المـفاسـد و الـجـوائــح الـعـامـــة .
و تـحــدثــنا كـتـب السـيـرة ، أن المسلمـين أبـــانــوا طــيلـة تــاريـخــهـم، عـن حـسن مـعـاملتـهم لغـيرهـم بالبـلاد الإسلاميـة و خـارجـها ، و أسـعـدوا البشريـة عـمومـا ، وامـتــدت مـعـاملتـهم الحسنة لـغـير المسلمين قـرونـا عــديــدة ، فكانت محــضـنـا آمــنـا للــديــانـات و الثــقـافــات ، ولا تــزال إلى الـيـوم ، مـعـتـبـرة فـي اعـتــمـادهــا القـواسم الإنسانــيـة المشتركـة ، الـتـي يـجـب الحــفـاظ عليـها كـحـق إنساني ، منـهـا حــق ممـارسـة الـشـعـائـر الـدينــيـة ، كـل بما يـديـن و يـعـتـقـد ، و هــو ضـروري من الضروريــات الخـمـس ، مـما جــاء التـنـصيص بـالحــفاظ عـليـه فـي سـائــر الأديـــان ، فـكان قـاسما قـويـــــا مـن الـقــواسم الإنسـانـيـة الـمشـتركـــة ، أظــهــر نـجـاعـتـه فـي جـائـحـة كـورونـا” كـوفيد 19″. .
و إن تـــاريخ المسلميـن بالأنـــدلس ، و كــذا فـي فــتـرة حكـمـهم لجـزيـرة صيـقـلـيـا و جــنـوب إيـطــالـيــا، و أوربـــا الشـرقـيـة ، و بـجــهـات أخــرى ، لخــيـر شـاهــد على هــذا ، فلقـد وصـلتــنــا مصادر كـثـيـرة ، تحكي عـن الـتـــنـوع الإنسانـي الفـسيـفـسائـي بـتــعــدد نحـلـه و مــذاهـبـه الـذي عـرفـتـه هــذه البـيــئـات ، و كـلـهم كــان يتمـتع بالحـيـاة الكريمة في ظــل مـراعــاة الـقـواسم الشـرعيـة والإنسانية المشتركــــة ، ولـعـل فـي مـقـدمـتــها إيــمـان المسلمين بـنـوة أنبــيـاء اللـه مـوسى و عــيسـى ، و حـق الحـفـاظ على الـديـن ، بالممـارسـة الــتـطـبيـقـيـة بكـل حـريــة.
ويـشـهــد لهــذا التـعـايـش الـيـوم ، وجــود طـوائــف من الـنصارى و الـيـهــود وغـيرهـم من النحـل بيـن المسلميـن في أمــاكن شـتى ، كما يـتـواجــد المسلمون اليــوم عـند غـيرهـم، إمـا بالأصـالـــة ، أو الانــتـماء ، بــدول كـثـيرة في تــعــايـش لائــق ، ساهـم في إنـجـاحــه و ترسيخــه ، قـواسم إنسانـية مشتركـة ، ساهــمـت في تــعـــارف كـل أولا ، ثـم الـتـعــاون ثــانـيـا.
لـقـد أكــدت الـتـجـارب الإنـسانـيـة ، أن الــتــعـــارف والـتــعـاون المـفـضـيـيـن إلـى التـعــايـش بين بني الإنسان ، -الشـعـوب و الـقـبـائـل- ، لا غـنى عـنه ،كما نبـه إلـيـه القرآن ، وأن فـيه فـوائــد كــثـيــرة ، منـهـــا :
– انتـشار المبـادئ والأخـلاق الأكـثـر إقـناعـا وجـاذبيـة،كالمساواة والحريــة والـعـدالـة والـصدق والأمـانــة والـوفـاء .
– استـــفـادة كـل طـائـفـة من خـبرات وتجــارب و أعـراف الطـائـفـة الأخـرى ، في كـل مناحـي الحـياة : سياسـية ،و اقـتـصاديــة ،و اجــتـماعـيــة ، وإعـلاميــة .
– تنمية وتـعـزيـز الـقـوا سم المشتركـة بين الطـوائــف جمـيــعا، لأن مركـبا واحــدا يجـمـعــنـا ، وأي خـلل فـيه ، سيـدفع الجـميع ثمـنـه غـالـيـا .
– ازدهـــار العـلـوم والفـنـون المخـتـلـفـة بـتــبـادل الـتجــارب و الـمــعـارف ، وإثـــراء بعـضها للبعـض الآخــر .
– تكامل الموارد الاقتـصاديــة ، بـتـبـادل السلع والخــدمــات ، بشكل مـنصف ، يكـفـل للكل العــيش الكريم لجـمـيـع الـطـوائــف – شـعـوبا و قـبـائـل – .
وهــنــا لابـد أن أنبـه ، و مـن خـلال الأحــداث الـتـاريـخـيـة ، أنــه قـد مرت حــقـب طـويلــة على الجــنس البشري، على هــذا الكـوكـب الأرضي ، تـراوحــت الـعـلاقـــة فـيـهـا بين بـنـي الإنسان ،بيـن التــعــارف و التـــفــاهم والتــعــاون ثم التـــعــايـش ،وبـين النـفــور و التـجــاهـل ، والخـلاف والنزاع والشـقــاق ، و الـتـعـالـي و الاستـقــواء و الظـلم .
وكـانت نـتــائـج – الحالـة – الأولــــى : المبنية على التـعــارف والـتـفــاهـم ، و التكامـل و التـعـــاون و التـعـــايـش ، إيجــابية على الجـمـيع .
أمــا الثـانـيـة : فكانت سلـبـية بكـل المقـاييس ، و تـأتــي جـائـحـة فـيـروز كـورنـا19 المستجــد فـي وقـتـنـا الـحـاضـر ، لـتـكـشـف لنـا نـجـــاعــة الأولـى ، المبنـيـة على التــعـارف و الـتـفـاهـم و التـعـايـش، و أنـــها الأصــل و اللــبــاب الـذي نبــه إليـه الـقــرآن، كما أنــهـا السـنـة الكـونـيـة الطـبـيـعـية الصحـيحـة ، الـتـي أزاحـت الحـواجـز، وقـصرت المسافـات ، و قـربـت المـتـــبـاعــدات، حــيـث تـجــنـد ت فيــهـا البشـريـــة – شـعـوبا و قـبائــل – ، بجـميع الأعـراق و الأجــنـاس و الـديـانـات ، وكـانـت في صـف واحـــد ، مـتـراصـة في خــنـدق واحــد، لمواجـهــة عــدو واحــــد ، يــهـدد الإنسانــيــة جــمـعـاء ، عـمـدتـهـم مجـموعــة مـن القــواسم المشتـركــة أهـمـهـا : الـوازع الـديـني ، والأخــوة الإنـسانــيـة ، و مشـتـركـات إنـسانــيــة أخــرى .
و في إطـار الـوازع الـديـني ،لاحـظــنـا مجـمـوعـة مـن الـدول الـغـربـيـة ، حاولت التـــقـريب بيـن دور الـعـبـادات لتوحـيد قراراتها لمواجـهة الجائحة ، وأبــان مجـموعـــة مـن الـعــقـــلاء و الأوصـيـاء – و بــدعم ساساتــهم و كـبرائــهم -، من أتـــبـاع هــذه الــديــانــات الإبـراهــيمية الــثـلاث : اليــهــود و النـصـارى والمسـلمـيـن ، المخـلصين لـديـنـهم ومـبادئــهم وأوطــانــهم ، عـن قـنـاعـتـهم ضـرورة تــعـزيــر و تـوظـيـف المشـترك الـديـني ، والأخـلاقي بيـن الأديـان الـثـلاثـة : كالإيمان بخـالــق لهـذا الـكون و كائـنـاتـه ، وإيـمانـهم بالحساب والـجـزاء ، و الجــنة و الـنار ، و القـيــم الإنسانيـة المشتركـة ، مثـل : الكرامة الإنسانية ، و المساواة ، و الـعـدالـة و الحـريـة ، و غـيرهــا من المـبـادئ و القـيـم الإنـسانـية الساميـة الــتي شكـلـت لـهـم أرضية صلـبة ، أمـكـنـهـم الـوقــوف عـليـها جـمـيـعـا ، وحــاولــوا تـنزيــلــهــا و تـجسـيـدهــا في واقــعــهـم ، وكــانــوا فـي صـدارة الخــطــوط الأمـاميــة الأولـى فـي مـحاربــة هــذا الــداء ، انطـلاقـا من مسـؤوليـتهم الـديـنيـة و الأدبـيـة ، و أمــكـنـهم مـن خـلال هــذا تــقــديم الــدرس لأتـبـاعـهم و تـوجــيـهــهم ، مـعـتـقــديـن و عـن قــنــاعــة ويــقــيـن ، بــأن لا حـل لمواجـهـة هـذه الجـائـحة إلا بالـتـقـارب والتـعـاون و التـعـايـش بيـن النـاس أجمـعـيـن – شـعـوبـا و قـبـائل – ، سـعــيا منـهم جـمـيـعـا ، انـقـاد الإنـسانـيـة مـن أدى عــدو واحــد .
ولـقــد سـاهـم كـل منـهم ، في التـحـسـيس بـأهـمـيـة الحــيـاة البشريـــة ، و ضـرورة الحــفــاظ على النفـس مـن الـتــهلـكـة ، كـضـرورة من الضروريــات الخـمس الــتي نـــادت بـحـمايـتـهـا والـحـفـاظ عـلـيـها جـمـيـع الأديـان ، ونــبـهــوا إلـى وجــوب اتـخــاذ الأسـبـاب المنـجـيـة مـن عــدوى وبــاء كــورونا ، فسمحـت أغـلـب الـدول الـغـربـيـة للمسلمـين بالآذان بالـشارع الــعـام ، بـعـد أن كـان ممـنوعـا ، و مكـنتـهم مـن الكـنـائـس لـرفـع الآذان والـدعــاء بمـكـبـرات الـصـوت ، ونــادوا جـمـيـعـا بالحـجـر الصحـي ، وألـزمـوا الـنــاس بـالمكـوث بالبـيــوت ، و الـتـزام النــظــافــة ، و الاستــعـانــة بالصـلـوات و الأدعـيـة ،و أمــروا جـمـيــعـا بــإغـلاق دور الــعـبـادة كــالكـنـائـس و المسـاجــد و الـبــيـع ، والاكـتــفــاء بــإقــامــة الصـلـوات والشـعــائـر كـلــها في البــيــوت ، وأكـدوا فـي تـصـريحاتهم لأتـبـاعـهم إيـــقــاف تنـظـيـم تجــمـعــات مجــمـوعــة مـن الـشـعــائــر والـمـواســم الـديــنـيـة مـثـل : عـيـد الـفــصــح ، أو مـا يسمـى بــعـيـد القــيـامــة عـنـد الـمـسـيحـييـن ، ومـوسـم لــيـلـة الـهـيـلـولـة عــنـد الـيـهــود ، وسـنـة عـمـرة رمـضان و غـيرهـا من المـمارسات الـدينـية الجماعـيـة .
عـلى أن هــذه المواسم ، تـعــتــبـر من أكـبـر المواسم الـديـنـيـة المـقـدسة في الـديـانـات الإبـراهـيـمـيـة الثـلاث ، و لـكـن رغــم أهـميـتـها فـي نـفـوس المؤمـنـين بـها و قـداسـتـهـا ، فـلـقـد غـلـبـت المصلـحة الـعـامـة ، و ضـرورة الـحــفـــاظ عـلى الـنـفــس الإنسانـيــة ، حـــتى لا تـتــعـرض إلــى الـعـدوى ثم الــهــلاك ، وهــذه مـن القـواسم الــتـي تشـترك فـيــها الإنـسانـيـة جـــمعــاء ، مما جـاء الـتـنصـيص عـليه في كـتـب الـوحـي المعتبـرة ، وهـي تـعـكس لــنـا رحـمـة خــالــق الـعــبـاد ، بـعـبـاده جـمــيـعــا .
وقـد كـان هــذا حـافــزا و مـشـجـعـا للـسـادة الأطــبـاء بمخــتـلـف أديـانـهم و تـوجــهـاتــهم الفكريـة و العـقـديــة ، لـتـقـديم الإسـعـافـات الأولـيـة الضـروريـة ، و الخــدمـات الطـبـيــة لإنــقـاد الأرواح البشـريــة ، و هـــو مشهـد عـجــيب ، لـعـل الإنسـانيـة بمخـتــلـف تـوجــهـاتـهـا لم تشهـده من قـبـل ، و لم تــعـشـه كمـا عــاشــه مـن أدرك جـائـحــة كــورونـا”كـوفيد 19″ فـي زمـانــــنـا .
كـما كـشـفـت جـائـحـة كـورونا”كـوفـيد 19″ ، أن المسلمـيـن –أيـنما كانـوا – و انـطـلاقـا مـن إيمـانـهم بمجـموعــة من القـيم الإنـسانيـة المشتـركــة،هـم جـاهــزون للـتـعـاطـي إيـجـابـيــا ، و التـعـاون مع أي قــوم يــعــاملونــهم باحــتـرام، واسـتــعـدادهـم وضـع قـدراتــهم وإمكانـيـاتــهم في خــدمــة الإنسانـيـة .
ولقــد أبــانـت الشخـصية المسلمة –عموما – بالـديــار الــغـربـيـة على الخـصوص ، عـن تـفــانيـها و تضحـياتـها فـي تـقــديم خــدمـاتـها إلى جـانـب إخـوانهم الآخـرين ، مضحـيــة بكـل مـا أوتـــيـت من طــاقــات و كــفـاءات ، و في إطـار من المسؤولـيـة ، و قـنـاعـتـهم بوحـدة المصير الـذي ينتظـرهم جميـعا، وانطـلاقـا مـن إحـساسـهم و إيمـانهـم العـميـق بمبـدئهم الـراسخ أنــه رغـم الاخــتـلافـات العـرقـية و الجـنسية ، و الـديـنـية الـتي بينـهم ، أن ثـمة قـواسم إنسانيــة مشتركــة تـجـمعـهم ، لا يمكن تجــاهـلـهـا أو القـفـز عـليـها، يــأتـي فـي مـقـدمــتـها و طـلـيـعـتها : الأخـــوة الإنـسـانيـة ، هـذه الأخـوة النـوعـيـة ، التي تتمـيز برابـطـة قـوية، و هـي وحـدة المصـدر ،و الأبـوة قـال تعـالى :” يـا أيـها الناس اتـقـوا ربكم الـذي خـلقـكم من نفـس واحـدة و خـلق منها زوجـها ، و بـث منهما رجـالا كـثـيـرا و نساء ، ..” سورة النساء الآية /1.
و جـاء التـأكـيـده في الخـطبة –أعلاه – أن الرسول صلى الله عليه و سلم قـال :” يا أيها الـناس ، ألا إن ربـكم واحـد ، و إن أباكم واحـد ، ألا لا فـضل لعـربي على عـجمي إلا بالتـقـوى ، و لا لعـجـمي على عـربي إلا بالتـقـوى ، و لا لأحـمر على أسـود ، و لا أسـود على أحـمر إلا بالتـقـوى … ” . و هـذه كلها تحـيي في الإنـسان شـعـورا خـاصا .
و لـذا ذهـب بعـضهم إلـى أن الأخـوة الإنسانية ، مفـهـوم إنسانـي اجـتماعـي ، يـرتبـط بالـعـلاقـة بين أفـراد البشـر ، تلـك العـلاقـة التي يكـون قـوامها الاحـتـرام والإحـسان و الرحمة بيـن أفـرادها .
فـالـتـآخـي الإنسانـي ، هــو رأس المـال اللامـادي المشـترك للـعـنصر البـشري، و هــو مـما يـنـبـغـي الحــفــاظ عـليـه ،وتـعـهـده بالـتذكـير به كـل وقـت وحـين .
ولأهـميـة مـشتـرك الأخـوة الإنسـانيـة، يلزم إدراجـه و ترتيـبـه إلــى جـانب الضـروريـات الخـمـس المقـررة عند الجميع ، و التحسيس بـه و تـوظـيفـه ، ليس في الأزمــات فـقــط ، و إنــما على مـدى و مـا بقـــيـت الحــيـاة .
و مـا أحـوج الإنـسانـية – جـمـعـاء- الـيـوم ، بــعـد تـجـربـة جـائحـة كـورونا” كـوفيد 19″ ، إلـى مـراجـعـة الأنـا والـذات ، واسـتـخـلاص الـدروس و العـبـرمما وقـع ، والاستـعـداد لمـا هـو آت .
و حـتى نتـفـادى أكـثر، مثـل هـذه الابتـلاءات و المصـائب الإنـسانـية ، التي يـكـون السـبب في حـدوثـها – في الغـالب الأعـم – الإنسان نفـسه ، يلـزم الإلـمام والإحـاطـة ، بـهــذا الـنـوع من الـفــقــه الإنساني المشتـرك ، و بالـقـدر اللازم و الكافـي ، ، وكـذا الإلـمام بالـقـواسم الإنسانيـة المشتركــة ، التي كـانت غـائـبة عـنـد كثـير مـن الناس ، وكـذا اسـتـيـعـابها الاستـيـعـاب الجـيـد ، واستحـضارهـا في قـراراتنا الـدوليـة، الفـرديـة و المشتـركة ، ومـراعـاتها في التخـطـيط لسياستنا الـدولية النظمية والتربوية و الاقتصادية و الاجـتماعية ، حـتى تصـبح سلـوكا و أخـلاقـا في حـياتنا الإنسـانية ، و تـكـون فـي الأخـيـر ، هـي ضـابـط الأمـن الـعـام .
الدكتور حميد لحمر أستاذ التعليم العالي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس
عن موقع: فاس نيوز ميديا