في “تمغربيت”؛ نجد هذه المقولة: “بخير الحمد لله”.. هل هذه المقولة تعكس فعلا ما تشهد به؟
الدكتور عبدالله شنفار
⚜️💎💎💎💎💎⚜️
بعض المؤشرات التي لا تساعد لاعتمادها كمعايير في دراسة مستويات الفقر في المجتمع المغربي.
” في “تمغربيت”؛ نجد هذه المقولة: “بخير الحمد لله”، ولما يريد أن يتفاخر متباهيا شيئا ما؛ يضيف لها: “والشكر لله على فضله ونعمه”.
هذه المقولة التي هي عبارة عن جواب لسؤال ضمني: (كيف حالك مع ظروف الحياة؟) والتي تتردد آلاف المرات في اليوم على لسان المغاربة. إما من خلال الحوار في اللقاء في الازقة والشوارع وبالمنازل أو عبر الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي.
جواب قد يحمل على أنه فعلا الدنيا بخير صحة وسلامة وعافية ماديا ومعنويا؛ لكن في الكثير من الاحيان قد يحيل إلى مقولة:” الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه”. والتي يستفاد من معناها على أنه رغم تفاقم الوضع بكل تجلياته؛ فهو يقول: الحمد لله في كل الأحوال والأهوال. وهذا حمدُُ ناقص؛ لأن قول الانسان: ” لا يحمد على مكروه سواه” هو تعبير يدل عل عدم القناعة والرضى.
وفي مقارنة ذلك؛ فهو يشبه الإيمان المغشوش؛ فقد سمعت احدهم وهو يصف مذهولا ومشدوها، ولسان حاله يقول:” والله لقد ازداد إيماني لما شاهدت المغنية الأمريكية جينيفر جراوت ترتل القرآن؛ بل ازداد رصيد إيماني أكثر لما سمعت أنها قد أسلمت ودخلت الاسلام!..
فقراءة بسيطة في هذا القول؛ نستخلص منه أنه يمكن ان يغلط الباحث حول نسبة ودرجة التدين لدى الافراد ومستوى الايمان لديهم في مجتمع ما.
وهنا لا نقصد في هذا الاتجاه معنى الآية في سورة البقرة: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾؛
ولا حتى ما جاء قي سورة الحشر: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾؛
ولا الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي الأحوص أن أباه أتى النبي ﷺ وهو أشعث سيئ الهيئة فقال له رسول الله ﷺ: أما لك مال؟ قال: من كل المال قد آتاني الله، فقال: فإن الله إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن تُرى عليه.” أخرجه أحمد والنسائي.
ومعناه مثل ما دلّ عليه الحديث، لكن إذا لبس الإنسان البِذْلَة من باب كَسْر النفس وكَسْر التَّكَبُّر؛ فلا بأس في ذلك.
وفي احيان أخرى تجد من يفضل أن يقول: “الحمد لله على كل حال”؛ إذا ما حل به ما يكره؛ ومع ذلك يداري إحساسه ومعاناته. وهو تعبير ضمني على أن الاوضاع ليست على ما يرام.
قمت بدراسة الفقر من خلال مقاربة مؤشر اللباس لاتخاذه كمعيار لقياس الفقر؛ غير أن النتائج التي وصلت إليها كانت خاطئة ومغلوطة شكلا ومضمونا. لماذا؟
هناك مقولة بتمغربيت تقول: ” دوز على عدوك جيعان ولا دوز عليه عريان”؛ وتعني أن تظهر أمام الناس؛ وخاصة العدو الافتراضي، L’ennemi potentiel لان المغاربة دائما يسكنهم هاجس المؤامرة القادر على التشفي فيه، بلباس أنيق ورفيع؛ ولا يهم أن تكون جائعا. أو “جوعي في كرشي، وعنايتي في راسي”. فالاعتناء بالمظهر أهم بكثير من الباطن الذي لا يعلمه إلا هو.
فإذا انطلقنا من اللباس أو الهندام؛ لا يمكن البناء عليه لاستخلاص أن فلان فقير أو في حالة هشاشة. وهذا يناقض المقولة:” لباسك يرفعك قبل جلوسك وحديثك أو علمك يرفعك بعد جلوسك.” ويناقض كذلك لسان حال “تمغربيت” المنتقد لحاله البائس والمحبط: “يا المزوق من الخارج آش اخبارك من الداخل”؛ وهو مثال مغربي معروف يمكن إسقاطه على حال المواطنات والمواطنين المغاربة في حالة هشاشة وحالة فقر.
قمت باستبعاد هذا المؤشر؛ وحاولت تجريب مؤشر آخر لعله يساعدني على استنتاج معيار للتطبيق، ومادة للقياس؛ وهو جهاز الهاتف المحمول. فوجدت أن أبناء الفقراء والفقراء والأسر في وضعية صعبة؛ يتوفرون على هواتف ذكية أكثر تطورا وآخر صيحة في السوق من تلك التي يتوفر عليها الذي قام بصنعها.
فالفرنسي أو الياباني أو الكوري أو الهندي وحتى الأمريكي؛ لا ينتقل إلى الجيل الموالي؛ من الهواتف؛ إلا بعد استنفاد وتجاوز حالة التحيين لمختلف التطبيقات بالهاتف-
Les mise à jour des logicielle et pour les applications intégrés
في حين المغربي الذي في الغالب يشتري هاتفا أو سيارة تتوفر وتدعم كل الخيارات- toutes
options
لا يستخدم حتى 25 ٪ منها؛ تجده ينتقل إلى آخر ما وجد في السوق. ويصر على أن تكون السيارة تحتوي كل الخيارات الممكنة؛ بل يضيف إليها خيارات اخرى مثل مكبرات الصوت؛ حيث يمر بالشارع وهو يطلق الموسيقى الصاخبة يزعج بها الناس ويقلق راحتهم وهم نيام.
ومرة أخرى أجد نفسي عائدا خاوي اليدين صفرا؛ حيث استنتجت إلى أي حد وصل ضعف المناعة لدى الأشخاص ومستوى امتصاص الوعي والقيم من لدن الشركات المتخصصة في صنع الاشهار وتشجيع وتنميط سلوك الاستهلاك لدى الافراد والجماعات.
في تمغربيت نجد أيضا مقولة أخرى تكتنف الكثير من الغموض وهي لمًا نسمع: ( جزار ومعشي باللفت). وتعني أنه على الرغم من أنه جزار يبيع اللحم؛ فوجبة عشاءه مجرد تناول خضر اللفت الاقل ثمنا في السوق. فالمعنى هنا قد يحيل الى مجرد تميز الاشخاص بخصال الشح وليس الفقر؛ لكن الذي لا يعرف انه يحترف مهنة الجزارة وصادف وباغته مثلا رجل احصاء ليجري معه استجوابا، وهو يتناول هذه الوجبة قد يخاله فقيرا.
وحتى مضمون مبلغ استهلاك فاتورة الماء والكهرباء والتوفر على التلفاز والصحون المقعرة وحالة تجهيز الصالون المخصص للضيوف داخل المنازل؛ والذي يمنع استعماله منعا كليا من طرف الاطفال وافراد الاسرة والذي يبقى حكرا على الضيوف والزوار؛ لا تعطي الصورة الحقيقة حول الحالة الاجتماعية للناس.
فكثيرا ما تجد معدل الاستهلاك الفردي لدى الفقير اكثر تبذيرا واسرافا في استهلاك مادتي الماء والكهرباء منه عند الغني.
وقس على ذلك بعض المفاهيم السائدة في المجتمعات الكسولة التي لا تعير أهمية لدور العمل في الحياة والرقي وتحسين الاوضاع الاجتماعية؛ كأن نجد مقولة: (ما يخدم غير الحمار) مع ان الحمار يضرب به المثل في الصبر وهندسة الطرق والممرات في الجبال والتحمل في نقل البضايع وجر المحراث في الحرث وغيرها من الاعمال النبيلة في مساعدة الانسان.
لذلك أحيانا تجد في “الموقف” اي مكان عرض اليد العاملة؛ اناس قليلون جدا؛ في حين تشتكي المقاولات والشركات من غياب اليد العاملة في مجالات البناء والفلاحة ومختلف المجالات التي تتطلب شيئا من الجهد البدني الموزع على الطاقة.
كذلك لما نختزل جهد الانسان الذي يعمل؛ في التعاسة لما نقول: ( اخدم يا التاعس من سعد الناعس). فمثل هذا القول يشجع على الكسل والخمول. في حين أن الامم والشعوب التي آمنت بدور العمل في التقدم؛ قد ارتقت به الى مستوى القداسة وجعلته مقدسا. ونعرف ان تقديس العمل جاء كرد فعل ضد تسلط الكنيسة في العصور الوسطى باوروبا؛ حيث أضافوا مبدأ تقديس العمل لضرب مقدسات الكنيسة.
ومع انه يوجد في قيمنا الاسلامية مبدأ يشير الى انه “حتى الدين عبادة”. الا اننا نجد خلالا في تصريف وتنزيل القيم الاسلامية على ارض الواقع.
ومن السلوكات السائدة في المجتمع المغربي التي لا تساعد الباحث في رسم صورة واضحة وحقيقية حول مستويات الفقر، لما يعترضه عنصرا آخر سائدا لدى الافراد والجماعات ويتجلى في الطابع الاحترازي والتحفظي في الشخصية المغربية. فرجل الاحصاء الذي يعتمد فقط على جمع المعلومات من خلال سؤال جواب؛ وحتى وان تضمنت الاسئلة نوعا من الذكاء الانحرافي لتفادي هامش الخطأ؛ فإن تحليل ومعالجة المعطيات بناءً على موشرات الاجوبة واعتمادها كمعيار لتحديد نسبة الفقر في المجتمع المغربي؛ تبقى مغلوطة في آخر المطاف؛ لماذا؟ لان الشخص المستجوب لا يصرح ولا يقول الحقيقة. فكثيرا من الناس المغاربة من يتذرع بقلة ذات اليد ويدعي العدمية في امتلاك الشيء ويدفع بأنه لا يتوفر ولا يتوفر لديه شيئا، في ظل غياب تحفيظ العقارات والاراضي والتصريح بالممتلكات وبالضريبة على الدخل والسلع وغيرها… واعفاء الفلاحة من الرسوم؛ ظنًا منه حتى يستفيد من المزيد من الاعانات التي تقدمها الدولة في شكل دعم، او التخلص من أداء التزامات تضامنية او اجبارية تجاه المجتمع.
والعكس صحيح، فقد تجد من يصرح من اجل التباهي على الآخرين ومصاريف الابهة من خلال ” لغْرامَة” وتنظيم الولائم الفاخرة ولو باللجوء الى الاقتراض؛ في الافراح والمناسبات وغيرها… على الرغم من انه فقير او يعيش وضعية مزرية؛ فيحمل ذلك على أنه غني.
وأحيانا قد يحيل سلوك مصاريف البذخ الى مغالطة المجتمع الدولي حول الصورة الحقيقة عن المجتمع المغربي. من خلال حفلات افراح اسطورية شاهدها المغاربة والعالم؛ او ركوب شخص ضعيف او متوسط الحال آخر صيحات موديلات السيارات التي انتجتها كبريات الشركات العالمية نواحي الفقيه بن صالح وخريبكة ووادي زم وفي شمال المملكة وجنوبها وبالدار البيضاء وكبريات المدن المغربية.
المغربي دائما يستحضر مفهوم ” الحكرة” و”تحكارت” وتعني الظلم والتهميش؛ وإن كان ليس هناك شيء يمكن تهميشه أو يوصف بالهامشي أو الثانوي؛ لأن الهامش ليس إلا ما أريد له ان يهمش في زمن أو مكان ما من قبل شخص أو أشخاص ما.
وباستحضار التاريخ نجد أن تهميش بعض المناطق نظرا لقلة إنتاجها كما هو الشأن بالنسبة لناحية سوس والنواحي الشرقية للبلاد، أدى إلى إحساسها بنوع من الاستقلال الذاتي، وكثيرا ما صعب المأمورية في إعادة فرض النظام والسلطة الإدارية عليها بعد نسيانها لمدة طويلة.
نفس الصورة وإن اختلفت بعض الشيء، حيث عدم الاهتمام بالعالم القروي حتى حدود السنوات الاخيرة،(من خلال كهربته ومده بقنوات الماء الشروب والطرق ومجال الصحة والتعليم وغيرها…) وعدم تطويره من خلال هذه الوسائل في إطار خطة تنموية تعطيه الأولوية، أدى إلى الإحساس بالعزلة للحيز الأكبر من البلاد، و”بالاحساس بنوع من الاستقلال الذاتي”، فبقي محافظا على نفس أسسه التقليدية (في الجنوب الشرقي بورززات والرشيدية وزاكورة وطاطا؛ حيث لازالت طرق توزيع الماء وتوظيف وسائل عتيقة في الانتاج الفلاحي، وفي اللباس، وطرق التفكير والتعامل مع الإدارة بمفهومها التقليدي المخزني، والسلوك الانتخابي وذوبان الفرد داخل الجماعة، واستعمال الأواني الطينية، والإيمان بالأشباح والسحر… وما إلى ذلك).
هذه الأسس التقليدية كثيرا ما شكلت عائقا في وجه الدولة؛ إما بمناسبة التقطيع الجماعي والترابي أو بمناسبة شق الطرق أو إقامة وحدات إنتاجية واستثمارية، حيث تناقض ذلك مع الموروث التقليدي. وهذا ما يؤدي إلى غياب ثقافة الاجماع، و بالتالي التنضيد الاجتماعي المتنافر.
هنا نتساءل؛ لماذا تهمش في زمن ما بعض المتطلبات أو المناطق أو المواضيع من طرف الدولة؟ والجواب يكمن في أن التهميش وإعطاء الأولوية لهذه بدل تلك، يبقى نظريا مرتبطا بالسياسات والخيارات والبدائل التنموية والسياسة العامة والعمومية والقطاعية في الدولة؛ وأحيانا أخرى تخضع لمزاجية الاشخاص كوضع استثنائي شاد وغير مقبول.
حاولت جاهدا استحضار نظرية أو قانون الاحتمالات وهي النظرية التي تدرس احتمال الحوادث العشوائية بالنسبة لعلماء الرياضيات، حيث ان الاحتمالات المحصورة في أعداد في المجال ما بين 0 و1 تحدد احتمال حدوث أو عدم حصول حدث معين عشوائي؛ أي غير مؤكد؛ فتبين لي أن هامش الخطأ والغلط كبير جدا؛ ومن الصعب اختزاله في مجرد أرقام تحدد نسبة الفقر وفق ما رصده مؤشر الفقر متعدد الأبعاد، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والذي حدد نسب الفقر بالمغرب في مجالات متعددة، كالصحة والتعليم ومستوى المعيشة، مقدرا نسبة المغاربة الذين يعانون من الحرمان الشديد بـ45.7 في المائة؛ كما توقع نفس التقرير أن 13.2 في المائة من المغاربة معرضون للفقر متعدد الأبعاد، فيما 25.6 في المائة منهم يعانون من الفقر المرتبط بالصحة، و42.1 في المائة يعانون من فقر في التعليم، فيما 32.3 في المائة يعانون من الفقر المرتبط بمستوى المعيشة و8 ملايين مغربي تحت عتبة الفقر والهشاشة.
وحتى استحضار آليات التحليل القائم على المغالطات المنطقية أو الترابط الذي يحيل إلى أنه عندما تكون نتيجة الحجة لا تنبع بالضرورة من المعطيات، أو بمعنى آخر؛ فالنتيجة قد تكون صحيحة أو غير صحيحة، ولكن مع ذلك تكون الحجة التي بنيت عليها غير سليمة؛ وذلك لعدم وجود ترابط منطقي وتمفصلات بين المعطيات والنتيجة. لا يساعد في الوصول إلى استنتاج حقيقة حالة ونسبة الفقر في المغرب؛ في ظل سيادة الجشع وغياب قيم وسلوك الورع.
فهي رؤية طرح مقبولة على مستوى التحليل والبناء من وجهة نظر المتواليات الحسابية والهندسية والرياضيات والفكر الاقتصادي والمحاسباتي؛ ولكنها مغلوطة على مستوى الواقع والتحليل السوسيولوجي والبسيكولوجي.
فالتحول الاجتماعي وحضور القيم التقليدية وتواجد الدولة والتطور السريع الذي يعرفه العالم تبقى شيئا نسبيا، فإما أن يكون لها حضورا أو غيابا في المخيال الاجتماعي للفرد والجماعات. لكن حينما يتعلق الأمر بالجهل والأمية والفقر والتهميش والمراهنة على مجتمع تقليدي في نمط عيشه وسلوكه، فهنا مشروعية الدولة في تطوير وتنمية المجتمع تبقى موضع تساؤل؟
فيما يخص الفقر: “لعل أخطر اتهام يمكن أن يوجه هنا ضد المغرب الكبير هو أنه كان دائما بلدا غنيا وسكانه فقراء، فلا يمكن أن يكون الفقر فيه حينئذ إلا عرضيا لا هيكليا، وبالتالي، يجب اعتباره ناتجا على الأخص عن سوء التدبير وسخف المؤسسات العامة والغلو الإقطاعي في الاستغلال، لا عن انعدام حقيقي لمادة الرفاه في البلاد وقحالة جوهرية في مصادر الإنتاج المادي وعناصر التنمية” على حد تعبير الأستاذ عبد الله إبراهيم في كتابه صمود وسط الإعصار، محاولة لتفسير تاريخ المغرب الكبير.
وهكذا عوض العمل على تنمية المجتمع اتخذ السلوك الإداري مسلكا آخر سلبيا في ضبط المجتمع وتطويعه، بإثارة النزاعات بين القبائل أحيانا لإضعافها وصرف أفرادها عن الاشتغال بأمور السلطة المركزية، فكان أن أدى ثمن هذه الأخطاء الكبرى الضعفاء والدراويش من أبناء المجتمع.
وبالتالي لا يمكن تصور ديمقراطية تقوم على انتخابات نزيهة تفرز على الأقل نخبة قادرة على اتخاذ القرار وصنع سياسات وبرامج في ظل مجتمع لازال يسوده الفقر والجهل والأمية ويقوم على بنيات عائلية وقبلية تقليدية أصبحت متجاوزة في ظل التطور الحاصل في العالم.
أما بخصوص الأمية والجهل: فقد حاولت الدولة التركيز على الحواضر أولا، ولسنا ندري هل كان ذلك بناء على خطة وبرامج أم مجرد ضغط التاريخ على العقليات، حيث امتداد الفكر الاستعماري وسيطرته على المسؤولين من خلال تبني بقصد أو عن غير قصد فكرة مغرب نافع ومغرب غير نافع. بحيث تم تهميش البادية والعالم القروي خاصة منه الغير متوفر على الاراضي الخصبة والمياه الوافرة او تواجد خيرات مثل المعادن، في الوقت الذي يبقى فيه المغرب كله نافعا لأبنائه بوجود علاقة جدلية في معادلة القرية المدينة من خلال الاعتماد المتبادل.
وقد جاءت محاولات إصلاحية محتشمة، في شكل “برنامج محو الأمية” إلا أنه برنامج فتح المجال للتهريج والسخرية أكثر مما كان برنامجا طموحا. فكل خطة تنموية أو مشروع تغيير لابد لكي يكتب له النجاح أن يدرس ديناميكية هذا الإنسان المراد تغييره، وخصائصه انطلاقا من وضعيته وسلوكه وتوجهاته وقيمه ومواقفه في محاولة السيطرة على عنف اليومي بما في ذلك عنف الطبيعة والمجتمع والإدارة التي يدخل في علاقة بها منذ الولادة، حيث يحتاج إلى شهادة التصريح بالولادة أو عقد الازدياد، فشهادة العزوبة، فالخطوبة حتى شهادة الوفاة، والأخذ بعين الاعتبار في كل استراتيجية تنموية المعطيات السوسيولوجية لهذا الكائن الذي يتميز بعدة خصوصيات مختلفة عن غيره.
وحتى طبيعة التضامن السائدة داخل المجتمع المغربي؛ سواء تعلق الامر بالتضامن ساعة الوفرة؛ أو التضامن وقت الشدة والندرة؛ حيث نجد الكثير من الاسر تعتمد في دخلها على مساعدة الأقارب من أفراد الاسرة؛ هو الآخر يزيد صورة أقل وضوحا عن حالة الفقر موضوع البحث والدراسة.
ونضرب مثلا ببطاقة نظام المساعدة الطبية RAMED او الاستفادة من منحة التعليم العالي او ولوج مؤسسة الحي الجامعي؛ التي تعتمد معايير الانتقاء والاستفادة فيها على موشرات الفقر والهشاشة والدخل السنوي لرب الاسرة وعدد أفراد العائلة والمسافة بين مقر السكن والمؤسسات التعليمية ومعيار الارامل والشيوخ والاسرة في وضعية صعبة حالة الإعاقة… وغيرها من الموشرات التي تبنى عليها المعايير؛ تبقى غير كافية لاستنتاج نسب الفقر والهشاشة بالمغرب.
الاستاذ عمر عزمان في مرافعة له من أجل معرفة جديدة للمجتمع المغربي من خلال المعرفة السوسيولوجية، اعتبر أن تتبع تطور الأحداث سطحيا يبقى غير كاف، وبالتالي يجب تحديد محتوى النسق ومنطق وظائفه وتفاعله من الداخل، ووسائل إنتاجه ومعطياته الجيوغرافية والسوسيو-اقتصادية ومجالات التقاطع، والتنازع والتعايش، أي تجاوز حدود الدغمائية.
وكذلك الاستاذ خالد الناصري من نفس النافذة أيضا يرى أن الجانب السوسيولوجي يختزن منطقا عميقا يجب البحث عنه.