أوجه هذا السؤال إلى كل الجهات التي هي مُؤتمنة على حماية القانون من الخرق والتجاوز، والجهات التي تضررت من الواقعة التي سأعرض لها في هذا المقال، وكذا الجهات التي تدافع عن حقوق الغير، متى ما مُست حقوق هذا الغير، وإلى كل من يتوق إلى العيش في دولة الحق والقانون.
أعتقد أن صيغة العنوان تُفصح بوضوح عن الموضوع؛ وهو، في الواقع، موضوع الساعة في شبكات التواصل الاجتماعي وفي المنابر الإعلامية، أو على الأقل، في البعض منها. وهو يشكل فضيحة بامتياز أو فضيحة بـ”جلاجل” بلغة إخواننا المصريين.
شخصيا، لست من هواة نشر أو ترويج الفضائح الشخصية؛ لكن حينما يتعلق الأمر بفضيحة تتعلق بخرق القانون – وليس أي خرق؛ فهو خرق مرتكب من قبل رجل القانون ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان- يصبح السكوت تواطؤا أو جبنا أو لامبالاة… وفي كل الحلات، يصبح السكوت مدانا.
والخرق المقصود، هنا، قد عمَّر طويلا (أربع وعشرين سنة بالتمام والكمال). والقدر الإلهي وحده، هو الذي وضع له حدا، من جهة؛ وكشفه للعموم، من جهة أخرى. فلولا وفاة السيدة جميلة، ما كنا لنعلم شيئا عن هذا الخرق الأخرق للقانون؛ وممن؟ من رجل قانون ووزير دولة مكلف بحقوق الإنسان.
فأية حقوق الإنسان، يمكن أن يدافع عنها من حرم كاتبته من أبسط حقوقها؛ وهو التسجيل في الضمان الاجتماعي؟ مما يعني حرمانها من حقها في التمتع بالتغطية الصحية والاجتماعية. وبأي وجه سيقف في المحافل الدولية التي تُعنى بحقوق الإنسان ليتحدث عن وضعية هذه الحقوق في بلادنا، خاصة وأن فضيحته قد وصلت إلى الصحافة الدولية؟
وسوف نسلم بأن الأستاذ مصطفى الرميد كان كريما مع كاتبته، ونعتبر المبالغ المالية التي صرح بها والدها- في تلك الشهادة التي سويت على عجل وتم التوقيع عليها خارج أوقات العمل (يوم السبت) في المقاطعة التي يرأسها زميل له في الحزب – نعتبرها صحيحة. لكن، هل هذا يُعفي السيد المحامي من تطبيق القانون؟
رغم أنني لست رجل قانون، فإني أعتقد أن لا شيء يمكن أن يعفيه من ذلك، مهما كانت المبالغ التي قدمت للمرحومة. فالقانون شيء والمعاملة الخاصة شيء آخر. ويكفي أن نعرف أن هناك قطاعات تقدم مبالغ هامة (بعشرات الملايين) لمستخدميها عند نهاية الخدمة؛ لكن ذلك لا يحول بينهم وبين حقهم في التغطية الاجتماعية (تقاعد وغيره). لذلك، أرى أن شطحات الرميد ومن يساعده في محاولة التغطية على فضيحته، بمن في ذلك لجنة الشفافية لحزب العدالة والتنمية، لن تفيده في شيء إذا كان للقانون “رب يحميه”.
أما محاولة إرجاع المسؤولية إلى المرحومة بادعاء أنها رفضت التسجيل في الضمان الاجتماعي، رغم إلحاحه عليها مرارا من أجل القيام بذلك، حسب ما جاء في “الشهادة” المشار إليها أعلاه، لهي فكرة أبلد من البلادة. ولن يصدق ذلك إلا المداويخ ومن يلف لفهم.
ثم، هل حرمان مؤسسة وطنية (الضمان الاجتماعي) من مدخول مالي يخوله لها القانون، لا يستحق المتابعة؟ فهل ستتحرك هذه المؤسسة لحماية حقها القانوني الذي تتم محولات الالتفاف عليه بأساليب ملتوية؟ وممن؟ من رجل قانون. هل يعقل أن يكون مكتب محامي مشهور يشتغل في “النوار”؟ وهل يمكن تصور مكتب محاماة في العاصمة الاقتصادية للمغرب لا ينتمي إلى القطاع المهيكل؟ (لا أدري أين يوجد مكتب زميله في الحكومة وفي الحزب، السيد وزير التشغيل، محمد أمكراز؛ لكن يبدو أنه سار على نهجه حسبما ما يروج في شبكات التواصل الاجتماعي؛ فهو، أيضا، لم يصرح بكاتبتيه إلى الضمان الاجتماعي) وهل من يشتغل بمثل هذه العقلية يمكن أن يُؤتمن على المصلحة العامة؟
وعلى كل حال، فعندما نخرق نحن العامة القانون عن جهل، يقال لنا: “لا يعذر أحد بجهل القانون”؛ وبالتالي، تتبع المساطر وتصدر الأحكام، وتحرص الجهات المعنية على تنفيذ مقتضيات هذه الأحكام طبقا للقانون.
فكيف سيتم التعامل قانونيا وسياسيا مع النازلة التي بين أيدينا، والحال أن بطلها ليس رجلا من العامة مثلنا؛ بل رجل قانون ووزير العدل والحريات سابقا ووزير الدولة وحقوق الإنسان حاليا؟
يبدو أن السيد مصطفى الرميد يستنجد بكل قشة، مهما كانت هشة، بهدف جمع ما يكفي من القشور للتغطية على فضيحته المدوية؛ وبالتالي، ليفلت من حكم القانون. لكنه، حتى وإن تمكن من الإفلات من حكم القانون لأسباب قد تغيب عنا، نحن العامة، لن يفلت أبدا من حكم التاريخ. فهو ليس رجلا عاديا حتى ينسى الناس، أو على الأقل الرأي العام الحقوقي، فضيحته بسرعة وبسهولة؛ خاصة وأنه هو المحامي والوزير الذي لا يترك فرصة تمر، مهما قل شأنها، دون أن يركب عليها ويجعلها مناسبة للظهور بمظهر المدافع الشرس عن حقوق الإنسان.
إن فضيحة السيد الرميد فيها إساءة للمغرب ولمؤسساته الدستورية. فهي تنال من هيبة الدولة وحرمتها؛ كما تنال من مصداقية بلادنا ومؤسساتها لدى المنظمات الدولية، خاصة وأن هذه الفضيحة قد وصلت إلى الصحافة الدولية.
فهل ستتحرك المؤسسات الموكول إليها حماية القانون وحماية سمعة البلاد ومؤسساتها الدستورية؟؟؟
عن موقع: فاس نيوز ميديا