الدكتور عبد الكبير بلاوشو – كلية العلوم- جامعة محمد الخامس الرباط
إن الحديث عن ﺇنزال تفاصيل أية منظومة للإصلاح الجامعي يبدأ بإنجاز تحول ديمقراطي في تدبير الشأن الجامعي و تكريس مبدأ استقلالية صناعة القرار الأكاديمي و تفعيل أجهزة ونظم المتابعة والمراقبة والمحاسبة بما يفيد تكريس مفهوم الحكامة الجيدة في تدبير المنظومة الإدارية والمالية والوظيفية للمؤسسات وللجامعات. ما يصدق على مضمون الإصلاح يصدق على أطره المرجعية و المنهجية و التطبيقية، وعلى آليات تنزيله ووسائله وأيضا على رؤسائه و عمدائه و يصدق على العقليات الوزارية التي أخفقت في منهجية إعمال و ترجمة مضامين خطاب الإصلاحات المتتالية بما في ذالك توجهات الميثاق الوطني والخطة الإستعجالية والرؤية الإستراتيجية ومحتوى المشاريع التي حملت عناوين ومحاور متعددة من قبيل إدماج الجامعة في المحيط السوسيواقتصادي وسؤال النموذج التنموي وتحديات العولمة بأبعادها ومفهوم الحكامة الجيدة في تدبير المنظومات وتوطين التكنولوجيا وتفعيل الإنتاج العلمي والجودة في الأداء المهني…..إلخ من مجموعة عناوين فضفاضة ثبث زيفها بعد استحسان الجلوس على كراسي المسؤولية في إطار الإستوزار والإستئناس بالشطط والإستئساد وتجاوز المساطر والنصوص دون خجل أو استحياء أمام غياب المساءلة والمحاسبة وتقديم الحصيلة والوقوف عند حدود الإنجاز والإخفاق في مشاريع ما سمي بتنمية المؤسسات والجامعات والتي على أساسها تم إسناد المسؤوليات لتسييرها وتدبيرها إلى حدود سقف الثماني سنوات.
لقد أضحى هناك مدخل لتحمل المسؤولية يتجلى في مبدأ الترشيح والاختيار و تقديم مشاريع لتنمية الجامعات والمؤسسات وبالتالي فالمشاريع المقدمة هي تعاقدات ينبغي الوقوف عند حدود الوفاء و الالتزام بمقتضياتها. للأسف الشديد معظم رؤساء الجامعات لا يمتلكون تصورا دقيقا في مشاريعهم عما ينبغي أن تكون عليه الأمور ﺇننا أمام مشاريع تمت صياغتها من طرف مكاتب الخبرة و الاستشارة حتى أضحت بعضها متشابهة ﺇلى حد الاستنساخ, ليبقى الأهم هو الولوج إلى موقع المسؤولية وإفراغ المكبوت النفسي على كرسي خشبي مع ما يحمله المنصب من امتيازات وقناعات راسخة بأن المسلك يغني المسؤول عن السؤال وعن التكليف و يبقى التقييم و التقويم معلقان ﺇلى أجل مسمى هو بالضرورة أجل الإصلاح و التصحيح والإعلان عن استحقاق جديد. لهذا لابد من الإصرار على تطوير الذات و ﺇعطاء معنى لكل استحقاق يتعلق بتقديم الترشيحات لتحمل مسؤولية إدارة المؤسسات والجامعات لأن طموحاتنا و تطلعاتنا أصبحت تسقط يوميا بشكل عبثي و بأيادي غير مسؤولة. كنا نتمنى أمام كل إستحقاق أن ينفتح الوضع الجامعي على مستجدات و تصحيح مسارات وتقويم انحرافات و توسيع المشترك في اتجاه تكريس مبدأ التدبير بالتشارك و ترسيخ مفهوم الوضوح و الشفافية في التسيير والحكامة الرشيدة. قد نقبل بخفض أسهم الاقتصاد في البورصة مع ظهور فيروس كورونا لكن لا يجوز و لا يستساغ خفض أسهم الإنسان داخل جامعة أو مؤسسة هي أصلا للتربية و للتكوين وبناء الإنسان. اليوم يحق لنا طرح الأسئلة و الاطلاع عن الحصيلة و المحصلة والوقوف عند المسؤوليات والالتزامات. إن فتح باب الترشيحات لتحمل مسؤولية تسيير وتدبير الجامعات والمؤسسات هو استحقاق تاريخي نتمنى الارتقاء به ﺇلى قفزة نوعية في العلاقة و في الأداء و في المردودية و التدبير و الفعالية والمساءلة بما يليق بالثقافة الجامعية. هذه المعاني و المفاهيم لا نجد لها صدى و لا تأثير على مستوى العلاقات الوظيفية حيث أضحت الجامعة مستهدفة ليس كفضاء فقط و ﺇنما كموقف و كإجراء و كوظيفة و كدور و كمعنى )من هنا تأتي الجامعة كمؤسسة عمومية و الفاعلين بها كمستخدمين ومنشطين(، أمام ﺇجماع حول ميثاق هو اليوم حبيس الرفوف مع تعطيل مقصود لآلياته. فالمسألة لا تتعلق بثقة نوايا و ﺇنما القضية مرتبطة بطبيعة المسؤولية الجامعية، بالخطوات الدقيقة و المحسوبة و الإجراءات و الالتزامات الصحيحة و السليمة، لم يعد هناك متسع من الضياع في الطاقات و في الزمان و العبث بالفضاء والسماح للإنتساب الإيديولوجي أن يحل محل الكفاءة العلمية والقيمة الأخلاقية في التسييرالإداري والمالي للمؤسسات وللجامعات.
سيكولوجيا نحن في حاجة ﺇلى ﺇحداث قطيعة مع الغموض و مع الأساليب التقليدية، و عمليا نحن في حاجة ﺇلى خلق مسلك وازن على مستوى الحوار و التواصل و التدبير، و نحن في حاجة ﺇلى خلق موجبات جديدة و اجتراح أدوات و القطع مع الأساليب العاجزة، و العقليات التقليدية في التفكير والتسيير والتدبير والتي أصبحت متجاوزة بمعيار الكفاءة و الجودة في الأداء و القيادة الصالحة. اليوم يحق لنا أن نساءل رؤساء الجامعات عن الدور الذي لعبوه و ما هي نسبة مساهماتهم في بناء فعل التغيير الجامعي من زاوية المشاريع التي التزموا بها، و بوزن الراتب الشهري الذي يتقاضونه و من جانب المسؤولية التاريخية التي يتحملونها. فأين هو مضمون الميثاق و مصداقية الميثاق في شقه المتعلق بالتقييم المنتظر و التقييم الذاتي و الاستطلاع الدوري لآراء الفاعلين. الغريب أننا وجدنا أنفسنا بين خيارين لا تطابق بينهما خيار الميثاق الوطني و خيار المشروع الرئاسي لتطوير الجامعة لينضاف إلى ذالك خيار ثالث يتجلى في أطروحة الباشلور والتي أرادها أهل التصفيق والتضييق مطية لضمان استمرارية استنزافهم للمؤسسات والجامعات دون حسيب أو رقيب.
عشنا تجارب متعددة للإصلاح شكل فيها الرأي و التعبير دافع ﺇقصاء لصاحبه، و كان نقد الإجراءات و القرارات غير الصائبة عملا نشازا يتطير منه المسؤولون دون أن يكلف أحدهم نفسه عناء توضيح دوافعه هذا ما دفعنا ﺇلى التراجع خطوات إلى الوراء، وضع لا يعرف أثره وتداعياته ﺇلا الضالعون في التعامل مع الحرف و الكلمة و الرأي و الموقف كأدوات أساسية في القراءة من أجل بناء الفعل الحقيقي للإصلاح و ليس الهدم باسم الإصلاح.
إن الواقع وما يحمله من تناقضات كفيل بأن يشكل لنا اليوم أداة للقياس من أجل ﺇعادة صياغة الفهم و الممارسة والاختيار. واقع أنتج لنا أسلوبا لا يمكن أن يكون هو الأفضل بالنسبة للثقافة الديمقراطية التي تجعل من الحوار الفكري هو الأساس، علما أن الديمقراطية لا تكتمل ﺇذا غابت ثقافتها و انعدمت مقوماتها في مضمون العلاقات داخل أجهزة اتخاذ القرار الجامعي وبناء الفعل الأكاديمي. الشيء الذي جعلنا نجاري فيه الواقع الجامعي و نجري من ورائه عوض مواجهته و السعي ﺇلى توجيهه و فحص ظاهره و باطنه بأنامل ذوي الاختصاص. و أن هذا الواقع اليوم يرويه الصوت و تشهد عليه الصورة وما الخطة الاستعجالية إلا جوابا عن أزمة هذا المشهد.
هذه التجربة أثبتت أيضا أننا عندما نتكلم عن رئيس جامعة فإننا نتكلم عن شخص يسعى فقط ﺇلى بناء علاقات و ارتباطات تؤهله عمليا ﺇلى فرض وجوده و حضوره ضمن شبكات من اللوبيات الأكاديمية و بالتالي تصريف مواقفه وإنجاز مصالحه. في الوقت الذي ينبغي أن يكون فيه الرئيس أو العميد مسؤولا و ملتزما أخلاقيا و مبدئيا ووظيفيا في إطار مشروع المؤسسة أو الجامعة تحت عنوان تنميتها و ﺇدماجها و تفعيلها و تحريكها وهو الذي يتحمل مسؤولية ترجمة الخطاب الإصلاحي ﺇلى فعل وممارسة ﺇصلاحية تفترض وجود رغبة أكيدة لديه و قناعة و ﺇرادة حقيقية في الإصلاح. وأن أي مشروع لتنمية المؤسسة أو الجامعة ينبغي أن يوازيه خطاب يجيب عن أسئلة الأزمة و عن تحديات التحول و عن البديل الإجرائي و عن آليات التنفيذ و أدوات العمل و القابلية للتطبيق و تأهيل الفضاء و عن ترشيد الموارد و الوقوف عند النسبة المرتقبة لنجاح التجربة. كما أن مشروع المؤسسة أو الجامعة ليس مشروعا عبثيا أو مزاجيا وﺇنما هو ﺇطار مخطط و هدف استراتيجي ورؤية و رسالة واضحة، والتزام و تعاقد، وهو أيضا موضوع للتقييم وللمتابعة من طرف الرأي العام. والمشروع بهذا المعنى ينبغي أن يحمل عناوين متعددة و لا ينبغي حشره بمفاهيم شخصية تطلعية أو مفاهيم سياسية ضيقة وبهندسة وزارية مسبقة.
اليوم نحن أمام بعض الرؤساء همهم الوحيد ضبط العلاقات انطلاقا من موقع السلطة و التفوق و القوة و ليس من موقع الحوار و التواصل و التفاهم و التشارك و الاقناع. في هذا الصدد نقول لأصحاب وصناع القرار في مواقعهم ليس من المنطق في شيء أن يكون هناك رئيسا للجامعة لا يمتلك تصورا أو مخططا أو وجهة نظر و لا يمتلك أدوات و ليس له سقفا أو رغبة في تقديم حصيلة عمله. لهذا فإن رئيس جامعة أو عميد مؤسسة يجب أن يكون صرحا فكريا وهرما معرفيا كبيرا في الحجم و التقدير، له رصيد و مخزون و تجربة في التدبير الإداري للمؤسسات التربوية، له ما يكفي من الحنكة على مستوى ﺇدارة الحوار و التواصل و القبول بالآخر والتدبير بالتشارك ….ﺇلخ. في الختام و ليس آخيرا فإننا نعيش حالة رفض حقيقية وواضحة و معلنة لطريقة التسيير و التدبير في معظم الجامعات، حالة نتبناها استنادا ﺇلى شعورنا بالانتماء ﺇلى الجامعة لتبقى هناك مجموعة من الأسئلة المطروحة و القضايا العالقة التي تحتاج إلى إجابات واضحة و صريحة أمام ما يفرزه الواقع من عبث و ارتجال. الأسئلة كثيرة و متعددة بتعداد الأخطاء المرتكبة والمصطنعة أحيانا و التي ترقى إلى مستوى صياغة و تأليف ديوان أسئلة الإصلاح الجامعي.