هل يمكن تثبيت ديمقراطية مغربية بدون أحزاب سياسية؟ سؤال قد يستشف منه أنه استنكاري ولا يستدعي إلى إجابة موحدة حتما، قد يبدو السؤال من جيل النقاشات القديمة التي تم تجاوزها قطعا. قد يوصف السؤال بأنه من جيل (السريالية) فما فوق الواقعية لاستحضار اللاوعي والخيال في تصور أفق المستقبل. قد يظهر السؤال استفزازا متنوعا للحديث عن الأحزاب السياسية، والعلاقة الفوقية بين الدولة والديمقراطية. قد يصيب شر الإجابة عن هذا السؤال شكل أحزاب مغربية بعينها، دون إغفال نسيج الدولة الموضعي، وفعل تثبيت الديمقراطية بما لها وما عليها من حديث مطول.
أجوبة سؤال:هل يمكن الاستغناء عن الأحزاب السياسية لبناء الديمقراطية؟ تنوعت بين الأجوبة المعلقة بعلامة تعجب واستفهام، وأجوبة ضابطة بمعيار التحديد (نعم/ لا). حتما كان مجموع الأجوبة التي حصلنا عليها (152) في مدة (72 ساعة)، منها بصورة مكشوفة و أخرى على مستوى الخاص، وقد توزعت حصيلة الأجوبة حسب التوجهات التالية:
لا يمكن إقامة ديمقراطية بدون أحزاب سياسية: العدد (47) بنسبة :(30.92% )
يمكن إقامة ديمقراطية بدون أحزاب سياسية: العدد (62)بنسبة : (40.78% )
أجوبة متنوعة ومختلفة الرأي، وتطرح بدائل أخرى: العدد (43) بنسبة: (28.28% )
هل يمكن تثبيت ديمقراطية مغربية بدون أحزاب سياسية؟ كانت حصيلة الإجابات صادمة (نعم)، واحتلت ما يفوق الثلث(⅓) من العينة الضابطة المستجوبة بنسبة (40.78% )، هنا نقف أن الثقة في الفعل والفاعل السياسي والأحزاب بدا متحللا وشده الانهيار وقصور الوظيفة. هنا نقف أن عجائن السياسة أضحت غير محفزة للانخراط، وبات النضال والتحزب بالمبادئ والإيديولوجيات يتراجع أمام زحف سياسة الوصوليين والنفعيين والملتصقين بالكراسي. هنا يمكن أن نقول بأن المواطن قد سئم من الخطابات الفضفاضة، ومن كذبة تسويف التنمية العادلة. هنا نقف أن العلاقة بين (المواطن/ المنتخب ) باتت في انفصام تام وبالتراجع الانكماشي، ولا يتم تدوير الخطاب السياسي واللقاءات إلا عند مواعيد الاستحقاقات الوطنية.
فيما كانت تلك الإجابات التي تربط عمل الأحزاب بالديمقراطية قد حصلت على معدل الربع تقريبا بنسبة (30.92% ). والغريب في الأمر أن جل الإجابات (لا) أتت معللة بصيغ مطالبة الأحزاب السياسية بالتغيير لنخبها والانتقال من (الاستبداد التنافسي) نحو (الاستبداد المتطور: القوة الديمقراطية البنائية). وكانت جل التعليقات تطالب بتغيير الأحزاب لخطاباتها وبرامجها (المتشابهة حد الاستنساخ)، والتي لا تقدر على تطبيقها في أرض واقع مغلف بالأزمات التراكمية، وكذا مطالبة الأحزاب السياسية بتحقيق الديمقراطية الداخلية أولا، بدل الخشونة والتدافع غير الصحي (الإقصاء للنخب والكفاءات)، وتغيير الأحزاب لأقطاب اشتغالها بالاندماج (الكلي) أو تشكيل كثل وأقطاب قوية بدل التشرذم الذي لا يخدم اللعبة السياسية ولا الديمقراطية بتاتا.
ومن الملاحظات التي لم نكن نتوقعها قوة وحجم الفئة الصامتة والتي ترى الخراب في الأحزاب بعينها، و تقر بنكوص الفعل الديمقراطي بعد حركة وأد (20 فبراير) وتراخي (تحديث النظام السياسي) فيما بعد. قوة يمكن أن نعلن بأنها غير صامتة بالمرة، لأنها تحمل رأيا مغايرا ينظر لعمل الأحزاب بالنقد والتجريح والابتعاد، ويؤسس لحلم في المستقبل يروم إلى بناء فعل ديمقراطي يخلو من الفساد ( تفعيل المساءلة السياسية والمالية)، ومن ارتباط المال بالسياسة والتشريع (زواج المال والسلطة)، ووقف بطاقة (الحصانة) أمام سوء التدبير والتسيير.
فإذا كانت النسبة دالة (28.28% ) بالقوة المستفزة، وقد تصبح محيرة إذا ما أضفنا إليها نسبة من يرى إمكانية إقامة ديمقراطية بدون أحزاب سياسية (40.78% ). فالقضية بالجمع تصبح مقلقة، وتستدعي نفض غبار التقادم عن الأحزاب السياسية المغربية، وتستدعي توجها جديدا يدون لتاريخ أحزاب قوية (ما بعد كورونا) إن تمكنت الدولة من دفعها نحو التحديث والتطوير، وذلك عبر إصلاحات هيكلية (داخلية وخارجية) تؤدي إلى تأسيس ديمقراطية حقيقية . فالأمر قد يستدعي مناظرة وطنية شفافة تبين انتظارات المواطنين من الأحزاب ومن صلاحية تعبيد (تبعية المسار) بتنقيط الديمقراطية بالإيجاب، وتحديث المؤسسات التشريعية شكلا ومضمونا. تستدعي كذلك خلق مساحة البعد بين الدولة وشأن الأحزاب السياسية. تستدعي تجنب إرهاق الأحزاب السياسية (بالتدمير) واستهلاكها مرحليا ثم (توضع في الدرج) أو تصبح في نهاية الأمر طيعة تمارس (استبداد الأغلبية) التمثيلية. فالفئة الصامتة (الرافضة للعبة السياسية) لا نعرف بتاتا فيما تفكر !!! ولا نقدر توقع ردة فعلها !!! ولا قدرتها على التعبئة الجماهيرية بالتحريك!!!
من التخوفات المميتة أن تكون انتخابات (2021) تعمل على متوالية سياسة ( تبعية المسار) بدون تغيير ولا تحديث هياكل اللعبة. من المطالب التي وردت في التعليقات الإبقاء على رؤية التغيير السياسي السلمي في ظل وضع ترتيبات للسياسة المغربية (ما بعد كورونا) بشكل أكثر فعالية، تقدر على احتواء الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وإيجاد حلول إجرائية بالواقعية والبساطة والنفعية للشعب عموما حتى في عمق المملكة.
ليست الديمقراطية العادلة تنحصر في مقولة (الشعب يريد)، بل حقا الديمقراطية يمثلها احتكام الجميع للفصول الدستورية. فالديمقراطية المؤسساتية تريد من ينتفض على كل الأحزاب السياسية التي تتبنى الشعبوية (الشعب يريد) لصالحها بالبراغماتية !!! من تم أتت بعض التساؤلات ضمن الإجابات وهي تتركز حول: هل المغرب يطمح إلى التفرد في بناء ديمقراطية دستورية متينة؟ هل ستعيش الأحزاب السياسية المغربية متغيرات داخلية قبل الذهاب بالناخب إلى صناديق الاقتراع؟ هل ستعيش الأحزاب السياسية صراعات داخلية في إنشاء لوائح الصقور (الشيوخ/الشباب/ النساء)؟ هل يوجد توافق مستقبلي بين أحزاب للاندماج الكلي أو الجزئي؟ هل سنشهد توافقات هجينة بين أحزاب سياسية كانت فيما مضى تشكل تنافر البعد والاقصاء؟ هل الانتخابات (2021) كفيلة بضمان السلم الاجتماعي مستقبلا، وجر الفئات الصامتة للتعبير العلني ؟ هل تقدر تلك الانتخابات من امتصاص الغضب الذي زادت من حدته الأزمة الوبائية (كوفيد 19)؟.
عن موقع: فاس نيوز ميديا