يجسد إحياء الذكرى السابعة والستين لمظاهرة المشور، التي اندلعت يومي 14 و15 غشت من سنة 1953، وقوفا عند إحدى المحطات التاريخية المهمة في مسار الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال وواحدة من ذكريات وأمجاد مدينة مراكش.
وإن تخليد مظاهرة المشور بمراكش ليس إلا اعترافا بما تميز به أبناء هذه الربوع من شهامة وإباء واستماتة في التعلق بالمقدسات والتفاني في الدفاع عنها، في مشهد مثل لأروع صور الوطنية في مواجهة مؤامرة الاستعمار الهادفة لتنصيب صنيعته ابن عرفة، والتصدي لتطاوله على المقدسات الدينية والوطنية.
وانطلاقا من هذه المقومات الأصيلة، كانت حاضرة مراكش بما احتشد فيها من المناضلين الأوفياء، مقيمين ووافدين، يقظة ومتنبهة لما كان الاستعمار يخطط له ويدبره من مؤامرات فصل السلطان عن شعبه، بعدما أيقن أن إخماد جذوة الوطنية لن يتأتى له أمام الترابط المتين بين عرش أبي وشعب وفي، إلا بنفي أب الوطنية ورمز المقاومة جلالة المغفور له محمد الخامس، والشروع في تدبير “سيناريو” تنصيب صنيعة تأتمر بأوامر سلطات الحماية.
وما أن علم الوطنيون بما تبيته هذه السلطات الاستعمارية وعملاؤها، وتناهى إلى علمهم أن ابن عرفة سيتم تنصيبه يوم الجمعة 14 غشت 1953 بمسجد الكتبية، حتى هبوا لمواجهة هذه المؤامرة الدنيئة منظمين صفوفهم في تجمعات تحضيرية سرية بالدور والمساجد للقيام بكل ما يجب لإحباطها.
ولم يتسن للمستعمر أن ينصب دميته بعد تفجير قنبلة محلية الصنع أمام باب مسجد الكتبية أثناء الخطبة، مما خلق جوا من الهلع والارتباك، كما عرف مسجد المواسين انتفاضة عارمة للمواطنين الذين جسدوا مواقفهم الثابتة تمسكا بالشرعية وتعلقا ببطل التحرير ورمز سيادة الوطن.
وظل المقاومون والوطنيون في حالة تأهب واستنفار وتحفز لمواصلة نضالهم لإفشال المؤامرة التي تمادى المستعمر وأعوانه في سعيهم لتنفيذها، حيث أعد المقاومون العدة ووقفوا بالمرصاد لهذه المحاولة من جديد، وتجمهروا وافدين من كل جهات المدينة أمام مسجد الكتبية، حيث كان من المنتظر أن يمر الموكب قادما من قصر الباشا في اتجاه القصر الملكي بالقصبة.
كما انتشر بعضهم بالأزقة والأحياء المجاورة وساحة جامع الفناء لحشد المزيد من الدعم للمظاهرة، ولما علموا بأن الموكب قد غير مساره وسيتوجه مباشرة إلى القصر الملكي تفاديا للحشود المتظاهرة حتى سارعوا في الذهاب، غاضبين مستنكرين، إلى ساحة المشور لمنع موكب صنيعة الاستعمار من دخول باب القصر.
وما هي إلا لحظات حتى تحولت ساحة المشور مسرحا لتجمهر وطني حاشد ضد المشروع الاستعماري تعالت فيه هتافات المواطنين المنددة بالمؤامرة وشعاراتهم المؤكدة على التعلق برمز البلاد جلالة المغفور له محمد الخامس، مما أرغم سلطات الاستعمار في ذلك اليوم على العدول عن مخططها وشن حملة شعواء لتفرقة المتظاهرين والتنكيل بالوطنيين، حيث اندلعت مواجهة كبرى سقط خلالها شهداء وشهيدات وأصيب بجروح بالغة عدد من مؤطري المظاهرات والمشاركين فيها.
وفي يوم السبت 15 غشت 1953 المشهود، هبت حشود الوطنيين والمواطنين إلى المشور بالقصر الملكي بمراكش للتعبير عن غضبهم، حيث واجه المتظاهرون دورية من البوليس الاستعماري كانت تجوب المكان، فتدخل أفراد الدورية لتفريق الجموع وإبعادها عن باب المشور.
واستخدمت القوات الاستعمارية في تدخلها الغاشم القنابل المسيلة للدموع، غير أن المتظاهرين أحاطوا بقوات الاحتلال واشتبكوا معها بشجاعة نادرة وبحماسة متقدة. وقد عرفت هذه الانتفاضة مشاركة واسعة لفئات وشرائح المجتمع المغربي ومنها المرأة المغربية.
وجن جنون المستعمر وأعوانه وهم يتقهقرون أمام جموح وغليان المتظاهرين ليشرع، انتقاما لجبروته الذي مرغ في التراب، في حملة اعتقالات شملت كل من له صلة بالعمل الوطني وارتباط بالمظاهرة وتقديمهم إلى محاكمات صورية.
ولعل أبلغ شهادة عن مظاهرة المشور قول جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه مخاطبا الأعضاء المنتخبين بمراكش سنة 1978 بساحة المشور، حيث قال عنها رحمة الله عليه “إننا لن ننسى أن جماعة من الخدام الأوفياء والوطنيين الأحرار بهذه المدينة نصبت نفسها في هذه الساحة للدفاع عن القصر وساکنه…”.
المصدر: فاس نيوز ميديا