الخرافة الحديثة ومصادر التصديق.
محسن الأكرمين.
قد لا نمتلك وعيا شقيا مادامت الخرافة حاضرة ويتم تقاسمها جيلا بعد جيل بكل أريحية وقبول. لن نتخلص من الخرافة البائدة بتمام التجفيف، وهي لازالت تستوطن العقول والأفعال الفردية والجماعية. لن يتم رفض الخرافة وهي لازالت تجدد هيكلها وبنيتها الداخلية بالموازاة مع تطور الوعي والعلم. الخرافة أوالوهم أو الأساطير تسميات متفاوتة الدقة والفهم، وقد توقع للدلالة الواحدة في غياب الوعي والتفكير العلمي. الخرافة تتشكل وتتلون وأعداد الأبعاد اللامتناهية، تستغل الدين بالتشويه، وتتبنى القضايا الاجتماعية بالركوب على ألواح أمواج بحر التيار المدمر، تدخل السياسة وتفسدها، والاقتصاد فتوزعه بالتبعية والريع.
فرغم حضور ثورة التنوير والنسبية، فقد بقيت الخرافة تحافظ على بنيتها التنظيمية وفق مبدأ الخطأ والصواب، و تقاس بنفس درجات التصنيف والغلبة، بقيت الخرافة تطور آليات اشتغالها وفق منظومة الكذب والاستخفاف من حلم المستقبل والتغيّر، بقيت الخرافة تنال المتابعة والمشاهدة وتحيي الأساطير القديمة كأنها الوجبة الدسمة لتصحيح مسارات الحاضر وصناعة الإلهاء، بقيت الخرافة تستحوذ على العقول الكفيفة وتخلط الأوراق بالبعثرة، وبدون ترقيم يميز بين التصور الديني السليم وما لحق به من توابع تاريخ الحشو ومختصرات المختصرات، بقيت الخرافة تستمد سلطتها من إخفاقات الحاضر ومن انتكاسات رؤية المستقبل.
لن نمتلك وعيا شقيا محررا، ونحن نضيف مشاهد الإلهاءات كوصفة نارية تزيد من وقود الخرافة المتقدمة. هنا نؤكد أن الإلهاءات مثل المفرقعات التي تحدث أصواتا و قد لا تقتل أحدا، ولكنها تترك فوضى مثيرة للشفقة لا تنتهي، و قد لا نقدر عندها تجاوز أحكام الكذب نحو صدق الأفعال. هنا قد يصبح الجميع يستغلون بعضهم البعض لنيل ما يريدون من مزايا وريع (التدويخ) السياسي والاجتماعي والاقتصادي بلا رقيب محاسبة ولا مساءلة. هنا قد يلعب تهويل الإلهاء ذاك الموزع الكاذب لثقافة الماضي القريبة من الخرافة والبعيدة من صنف الأسطورة.
قد تتكون لدينا قناعات مغلوطة لمسارات التغيير، و لما حتى بناء الحلول بدل الإطناب في الوصف. قد يكون الوقوف عند خط (التغيّر) منطلق الخطوة الأولى للإصلاح. لكنا قد نتعمد في معالجتنا لموضوع الخرافة بألا يكون التنقيص من قصص الخرافة الماضية ردما كليا، بل نتقبل المعالجة على الأساس إعادة بناء الأساس ونفض ما علق من غبار الخرافة على الحقيقة النيرة.
من سوء الخرافة أثرا على عموم المستهلكين، هي الخرافة السياسة الانتهازية والتي نشبهها مثل الثعبان الذي يلتهم ذيله وإلى الأبد طيلة الاستحقاقات الانتخابية المتكررة بالتباعد الزمني فقط. إنها الحقيقة الأغرب من خيال الخرافة ومحكيات الأساطير واللسع من نفس الجحر مرات عديدة. إنها علاقة التوافق والتضاد في نفس الوقت بين الخرافة والاستحقاق الصادق.
إن الجدال بين الخرافة واللاخرافة بقيمة الوعي والعلم، لن نجد له جوابا شافيا عند سؤالين: هل الخرافة تعارض الوعي/ العلم؟ هل الوعي/ العلم يعارض الخرافة؟ فحين نفكك تقديم وتأخير (الخرافة والوعي/العلم) نسقط لزاما في (تقليد فلسفي مسموم/ كتاب الأسطورة الذهبية). الآن، نقر بالصدق أن التغيّر من الخرافة نحو الوعي/ العلم، هو نوع من التنازل الذي يصنف الخرافة ضمن الممنوعات الاستهلاكية، إنها حقا العلاقة التقاطعية في التوأمة غير المتطابقة بين الوعي والخرافة والعلم والتنوير، إنها مناورات فعل الإزاحة غير المكتمل بين الوعي و دفع الخرافة نحو الهاوية.