جميل جدا أن يكون هناك يوم عالمي للاحتفال بالمرأة كجرعة تذكير بمخلوق يعيش عادة على الهامش تحت سطوة ذكورية لن يُقطعَ دابُرها حتى يلج الجمل في سم الخياط ، ربما يستغرب –القارىء الكريم – من وصفها (بالمخلوق)، ولكن استغرابه لن يدوم طويلا إذا علم أن هذا ما تمارسه العقلية الذكورية من خروقات في حق المرأة (مؤكدة بالإحصاءات محليا ودوليا لا تخفى على متتبع) تعني لديه أنه “مخلوق” جاء من الفضاء ، في حين أنها إنسان له كيانه المستقل وحقوقه الشرعية والقانونية ودوره كنواة للأسرة برمتها والتي هي نواة المجتمع أجمع.
جميل جدا أن يكون هناك يوم يذكر بحقوق المرأة (لعل الذكرى تنفع المؤمنين) فيلاحظون وجودها طفلة مقبولة أسريا بين الذكور متساوية في حقوقها بينهم حتى في فرحة الاستهلال بولادتها فلا يزال الذكوريون يعيشون بعقلية (ولد ولا بنت) فإن قيل بنت (ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب.)
جميل جدا أن نحتفل بالمرأة للتذكير بحقوقها كفتاة لها الحق في تقرير مصيرها في مشروع الزواج –مثلا – بعقل وحكمة واستشارة للأبوين الصالحين فلا يفرض عليها زوج لمطمع ، ولا تجبر على قبول آخر لمأرب بعيدا عن ارتياحها ورغبتها الفطرية في الحياة .
جميل جدا أن نجعل يوم المرأة العالمي تذكيرا بضرورة القضاء على العنف ضدها من زوج متهور عديم الإحساس لا يراعي أصول العشرة بالمعروف ولا يملك من إحساس المسؤولية ما يجعله ينجز ما يتوجب عليه في بيته ولا يجد في قلبه من العاطفة ما يجعله زوجا يملك دفئا لحياة زوجية مبنية على المحبة والود والرحمة .
جميل جدا أن يكون يوم المرأة هذا عالميا للتذكير بحقوقها كموظفة وعاملة وما يستوجبه ذلك من ضرورة احترام لإنسانيتها وتقدير لظروفها المستجدة دون تكريس للعقلية الذكورية المتسلطة وعقلية كهذه مهيمنة بالفعل على المشهد الإداري لم تستطع قوانين الأرض في كل دول العالم ان تحد منها حدا تنعدم معها أرقام التجاوزات في مجال حقوق المرأة حتى في أمريكا والغرب.
جميل جدا أن يكون لهذا اليوم أثر في تجاوز جريمة التحرش في الشوارع والإدارات والأماكن العمومية ، صحيح أن القوانين أصبحت اكثر صرامة في الحد من هذه الجريمة لكن لا يزال هناك فراغ بين النصوص في تطبيق هذه القوانين مرده إلى صعوبة إثبات الواقعة وإن كانت الهواتف الذكية لها دور كبير في التوثيق اليوم .
جميل جدا أن يكون هذا اليوم لتذكير المرأة نفسها بضرورة رفع سقف مطالبها لتفعيل القوانين وتنزيل مضمون الدستور في هذا الاتجاه والقيام بكل ما يلزم لتقوية المطالب ومؤازرتها من خلال مؤسسات المجتمع المدني كقوة اقتراحية فاعلة ومؤثرة فلا يمكن لعمل فردي أن يخطو في هذا الاتجاه بين أدغال العقلية الذكورية ، وما يوجد من الجمعيات والمنظمات والتكتلات النسائية لا يكفي وفي الوقت نفسه لا يمتلك رؤى موحدة ببرنامج حد أدنى لتجاوز الخلافات بين اليمين واليسار ومكونات المجتمع المدني النسوية فهذه الخلافات تقوض العمل النسوي والنسائي على السواء وتشل حركة المرأة نحو تحصيل حقوقها كاملة من خلال المنظومة القانونية وتفعيلها .
جميل جدا أن يكون هناك يوم عالمي للمرأة ..والأجمل أن يظل راسخا بكل الفعاليات الممكنة في العقل الذكوري خصوصا ليذكره أن الشرائع السماوية والقوانين الأرضية والحكماء والفلاسفة والمناطقة أجمعون يجعلون المرأة في مصاف الرجل في الأحكام (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) والنساء شقائق الرجال في الأحكام، فالمرأة تحارب بالطائرات والدبابات وتسوق السفن والمكوكات الفضائية وتعمل في محطات الفضاء بعقلية كمبيوترية فريدة وجهد بدني هائل وطبيبة ومحامية ومديرة ووزيرة ومستشارة ورئيسة أركان ووزيرة دفاع وحاكمة بلد ..ألم تكن بلقيس ملكة على شعب اليمن وهم أحكم اهل الأرض حتى قال نبينا صلى اله عليه وسلم عنهم: (الحكمة يمانية)وحتى فاوضها سليمان عليه السلام ووجدها امرأة من الفطنة والحنكة والحكمة في نهاية . فما بال قومنا يرونها أقل كفاءة في العمل ..راتبها الأقل في المصانع والمعامل ولا بواكي لها وتعويضاتها الإدارية الأقل بين الذكور في الإدارات ولا بواكي لها وحقوقها في الإرث لا تزال مهضومة بالعقلية الذكورية إلى اليوم ولا بواكي لها … فمتى ينضج العقل الذكوري ليرى المرأة كما يجب ان يراها… أليست هي الأم والأخت والزوجة ؟
أ: خديجة العمري
كاتبة رأي