مقال رأي – لا تزال الأمثال الشعبية تلخص مجمل الحكمة والخبرة والتجربة الإنسانية في حياة الشعوب، وهي تعد من المختصر المفيد الذي تتوارثه الأجيال فيما بينها، إذ بواسطتها يتمكن الجيل اللاحق من الاستفادة من الجيل السابق، واستمرار بناء وعطاء اللاحقين على تراكم السابقين خاصة ما قد يعتبر منها حسب هذه الأمثال والأقوام من الحكمة الإنسانية وثوابتها المبدئية والمرجعية الملخصة للرأي العام والقاطعة لكل خلاف وجدال، المؤسسة لكثير من القرارات والاختيارات التي يقبل بها العوام والنخبة على حد سواء، فهي بمثابة السنة المتوافق حولها عادة عرفا ومعتقدا وسلوكا وهي لا تحابي أحدا من العالمين، من أخذ بحرف منها اعتبر وانتفع، ومن تركه ترك طريق الهدى والصواب للخوض في الغريب واللايقين؟.
صحيح، أن الأمثال الشعبية مثل الأشعار تخوض في كل شيء، وبوجهة نظر مبدعيها أفراد كانوا أو جماعات، أياما عابرة أو حقبا خالدة كانت أو دولا قطرية أو مللا أممية، فهي قد تكون مع الشيء.. السلوك.. الظاهرة.. أو ضده في نفس الوقت، مما يجعل المتلقي المعاصر خاصة في حيرة من أمره، وربما سعة من أمره يختار من أمثال قومه حسب حاله وموقفه، فالأمثال على كل حال ببلاغتها وإيجازها ودقة تشبيهها وجودة كتابتها وسهولة حفظها وشيوع استدعائها ترديدها والاحتكام إليها، هي تعابير قومية في المعتقدات والعادات والسلوك وغيرها من أوجه الحياة وأساليبها، لها قوة داخلية على تحريك النفوس والتأثير على السلوك، وإن كانت الأمثال الشعبية العربية لها مرجعية تراثية عقائدية قد تمتح منها، وبالتالي تكون لها موجها إضافيا للقبول والأخذ بها أو رفضها والتخلي عنها أو حتى تصويبها والاستعاضة عنها؟.
والماء كغيره من المجالات حظي بالكثير من الأمثال الشعبية المغربية يمكن تصنيفها حسب أهمية الماء.. مصادر الماء.. استعمالات الماء.. سلوك الماء.. تسبيل الماء.. توزيع الماء.. أخطار الماء.. إلى غير ذلك:
- فعن أهمية الماء، يقول المثل:
“الماء ويا الماء.. الماء نعمة.. وإلى خطاك الماء.. راك تعمى”.
“الماء أفضل نعمة.. وإلى ما كاين ماء.. ما تكون نعمة”.
” الماء والأمان والشر ما كاين”.
- وعن طلب الماء من رب السماء:
يقول المثل:” الله يعطينا قد النفع”، يعني من الأمطار و التساقطات.
- وفي الماء والعبادة:
يقول المثل: “الماء بلا شراء.. والقبلة بلا كراء.. وترك الصلاة علاش؟”.
” اللي بغا الماء.. يقصد الجامع”
” إلى حضر الماء كيترفع التيمم”.
” اللي بغا يدفع البلاء.. ينوض يتوضى للصلاة”
” اللي بغا الوضوء الدايم.. يسخن الماء في الصمايم”
“ثلاثة غير كبان الماء في الرملة: اللي ما عندو ما يتكال.. واللي ما عندو ما يتقال.. واللي ما ينوضو لا مؤذن ولا هلال”.
- وفي الماء والفلاحة:
” الحرث بلا ماء فيه الندامة”
أو “الشتاء بحسابو.. والربيع بعذابو”
- وفي العطش:
” حرك الماء يبان العكشان”
أو ” العطشان ما يرفد كربة”
- وفي التعاون:
” حيت كثروا ليدين.. تخلط الماء بالطين”
” قطرة قطرة.. تا يحمل الواد”
” قطرة إلى خرجت من البحر تا تموت”
- وفي خبرة الحياة العامة:
يقول المثل: “صفي تشرب”
ويقول آخر: ” زيد الماء.. زيد الدقيق”
” الماء طـــاب.. والسكر ما تصاب”
“الماكلة بلا ماء.. من قلة الفهامة”
“الخبز والماء.. البشرى هي إيدامو”
” الماء والنار.. ولا امرأة الولد في الدار”
- وفي التوجيهات المرتبطة بالحياة:
يقول المثل: “اللي بغى يشرب.. يقصد راس العين”.
” اللي بغا الكراب في الصمايم.. يصاحبو في الليالي”
“الخيل تعرف مولاه.. والماء يعرف مجراه”
” الدجاجة في الماء.. وعينها في السماء”
” جغمة من البحر.. ولا جميل الواد”
“ماك داك يا حوت.. شربو ولا موت”
” ما تزوج المرأة ديال الواد.. ولا تصاحب مخزن”
” اللي سبقك بالسقا.. سبقو بالنقا”
” الحوت في البحر عوام.. والنساء بلا ما يعومو”
“ما تقلب الماء إن تلقى الماء.. وبعد الماء إن تدوق الماء”
- في التوعية وضرب الأمثال:
” الساقية ما كتجريش قدام الواد”
” العود هازو الماء.. ويسحابو راكب”
” الماء والشطابة حتى لقاع البحر”
” الأذن صماء.. والأخرى فيها الماء”.
“قبل ما تخطب.. وجد الماء والحطب”
” إلى ولى الربيب حبيب.. البحر يولي حليب”
” عمر الماء ما يروب.. وعمر ليهودي ما يتوب”
” عمرو ما حبى.. وملي حبى بك الكربة”، أو (قلب الميدة.. طاح في الواد)
” لا تيق في العكوز إلى طلات.. ولا في السماء إلى سحات”.
” دوز على الـــواد الهرهوري.. لا تدوز على الــواد السكوتي”.
- في العدالة الاجتماعية:
” الشتاء خيط من السماء.. والزليق والو”؟
” إلى كان راس العين قطران.. ما تكون الساقية نقط”
” خلي الماء لجارك.. ولا حول باب دارك”
” رشان الماء عداوة.. واللي رشنا بالماء نرشوه بالدم”
” الليي جابو الماء.. داه الماء” أو على قول المثل العربي: ” فسر الماء بعد الجهد بالماء”؟.
وطبعا، لكل مثل معنى وحكاية، ومتى يقال ولمن يقال، وفيها المقبول والمرفوض وهذا موضوع آخر ، وكلها ثقافة شعبية تنتج عن الابداع الجماعي وتحفظ ذاكرة المعتقدات والعادات والسلوكات حية متقدة، كثيرا ما تسعفنا في تثمين الأشياء أو ذمها وتيسر التعايش بين الناس بما تجعل لهم من أرضية مشتركة للصواب والخطأ، كثيرا ما يستدعونها ويحتكمون إليها ويقبلون بأحكامها التي تغنيهم عن غيرها من الفلسفات والسفسطات والأهواء المتضاربة والأمزجة، فهل سنستثمر نحن شيئا من ذلك من أجل تثمين ثروتنا المائية كما ينبغي ونجتهد في حسن تعبئتها وتدبير مواردها وترشيد استهلاكها وتجويد خدماتها، خاصة في هذا الوقت الذي تعاني فيه من الندرة والاستنزاف وسوء التوزيع وضعف الحكامة وارتفاع التكلفة.. نرجو ذلك؟.
بقلم : الحبيب عكي لفاس نيوز ميديا