بقلم الخبير في تطوير المجالات الترابية
السامي أشرف
مدير المشروع العام لإلغاء العمالات والأقاليم
14 غشت 2022
لقد ظل هذا السؤال يشغل بال كل مواطن ومواطنة رغم الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف ببلادنا حاليا وباقي دول المعمور وانشغالاته الأولى وهي توفير القوت اليومي لعائلته او البحث عن عمل او عن المشاركة في مشروع يوفر له دخلا كريما رغم كل المبادرات الحالية: انطلاقة، فرصة…إلخ.
المواطن يعلم جيدا ماهي الجماعة، فهي التي تصادق له على وثائقه الرسمية، عقود الازدياد شواهد إدارية، رخص بناء إلخ… وهي التي تقوم بتنظيف الأزقة وجمع الأزبال وغير ذلك من الخدمات اليومية التي يلمسها المواطن أو في بعض الأحيان يتذمر (أي يشتكي) من انعدامها أو من نقصها.
لكن السؤال والإشكالية المطروحة بمقالنا التالي هل تقدم الجهة للمواطن خدمة معينة أم هي فقط إدارة فباعتقاده لا يرى فائدة منها سوى بعض المواطنين كالمثقفين أو الإعلاميين أو أطر وموظفي القطاع العام وبعض أطر ومستخدمي القطاع الخاص الذين يعلمون بأن الجهة مثلا تقوم ببناء الطرق الإقليمية والمشاركة في تمويل خزان للماء الصالح للشرب أو محطة للتزويد بالكهرباء وغير ذلك من المشاريع الإقليمية.
ليس كل ما ذكر أعلاه هو الفعلي وهو الذي يجب أن يتحقق ويخدم المواطن في نهاية المطاف ويحقق له انتظاراته من الفاعلين (المنتخبين) الجهويين الذين انتخبهم وافرزتهم له صناديق الانتخابات الأخيرة.
فالجهة حسب الفصل 143 من دستور يوليوز 2011 هي أعلى وحدة ترابية (مجال محلي و/أو ترابي) ضمن التقطيع الإداري اللامركزي للمملكة المغربية الذي اعتمدته لتسيير وتدبير الشأن الإداري والاقتصادي والاجتماعي لكافة أفراد الشعب المغربي الذي صوت على الدستور بالاجماع سنة 2011. (مقالنا حول صدارة ومكانة الجهة على الرابط التالي:
فالجهة لا يلمس المواطن أي خدمة يومية بمكن أن تقدمها له كالجماعة التي مثلت له خلال سنوات عديدة شعار “تقريب الإدارة من المواطن” والذي أصبح بالفعل مبدأ إداري مترسخ في الآونة الأخيرة. أما الجهة فلا يلمس المواطن نوع الخدمات التي تقدمها له أو تلبي انتظراته لماذا؟
فالجواب عن هاته الإشكالية لا يكمن في نقذ الجهة بل على العكس يكمن في تكوين وخلق نقذ إيجابي ووعي على التجاذب (أي الاختلاف الحاد) الإداري بين مركز القرار وهي العاصمة الإدارية للمملكة “الرباط” والمراكز الجهوية لتدبير الشأن العام المحلي للمواطن وهي بكل بساطة الجهات.
فجلالة الملك محمد السادس نصره الله قد أشار في أحد خطبه الملكية إلى ضرورة وإلزامية عدم الرجوع “للرباط” من أجل حل مشكل من المشاكل المطروحة سواء على المنتخبين أو مسؤولي تدبير الشأن العام المحلي. فقد وضعنا في حديثنا للمواطن مفهوم وكلمة “المركز” لكي يعي ويفهم بأن المقصود به هو المفهوم الشائع والمعروف لديه بـ”الرباط”.
فالتجاذب والتباين الإداري هو الذي يحجب على المواطن ان يرى الخدمة اليومية التي تقدمها له الجهة والتي يصادف في بعض الأحيان إن كان يقطن بالمدينة ان يرى مقرها والمقصود بالمدينة (عاصمة الجهة) وليس باقي مدن المملكة (1).
والجهة حجبت عن المواطن لسنين عديدة منذ بداية العمل بالقانون رقم 47.96 الذي كان عددها فيه آنذاك 16 إلى حين تقليصها لـ12 جهة بموجب(2) القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات والذي يمكن أن نطلق عليه ميثاق الجهات أو مدونة الجهات. فالإشكالية التي يجب أن تطرح على المواطن هي ماذا تقدم له الجهة وفي نفس الوقت تقسيم هاته الإشكالية أو المشكلة الأساسية إلى نصفين (والتي كما سبق التحدث عليه في مقالنا “أنها الأولية الثانية للمواطن”) النصف الثاني هو لماذا لم ينجح “الرباط” في حجب الجهة رغم كل التجاذب والتباين الإداري الذي مازال مستمرا ومستفحلا لغاية اليوم من خلال ضرورة موافقة وزارة الداخلية على الميزانية السنوية للجهة مثلا وعلى باقي ميزانيات مجالس العمالات ومجالس الأقاليم ومجالس الجماعات كما هو الحال في المادة 202 و 208 من القانون التنظيمي للجهات (رغم أن مؤتمر 1984 بمراكش الذي كان تحت شعار نجاح التعايش والانسجام بين اللامركزية واللاتمركز (3).
الجواب عن هذا القسم الثاني هو نجاح المنتخبين: رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس العمالات ومجالس الأقاليم في تشكيل جبهة ديموقراطية للدفاع عن الإدارة اللامركزية رغم قلة الكفاءات والأطر الإدارية ذات الخبرات والتجارب العملية في تسيير الشأن المحلي للمواطن. لكن يبقى السؤال الذي يبقى عند عامة المغاربة غير مفهوم إلا لدى البعض: ماهو الشأن المحلي للمواطن؟
إنه بكل بساطة: نظافة الأزقة وجمع الأزبال وإنارة الشوارع وخدمة التطهير السائل (المياه العادمة) وتوفير الماء الصالح للشرب وتعميم الكهرباء. وكل هاته الخدمات تقوم بها الجماعة لكن في إطار اتفاقيات وعقود خاصة مع الشركات (ليديك بالدارالبيضاء مثلا وأمانديس بطنجة) ومكاتب القطاع العام (كالمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب مثلا: محطة تحلية مياه البحر بالعيون أو محطة معالجة مياه سد واد المخازن بالقصر الكبير…). وغير ذلك من الخدمات اليومية التي تقدم للمواطن لذلك فهذا الأخير يهتم بقوته اليومي وصراعه مع أداء أقساط ديونه سواء شراء منزل أو أداء الكراء مطلع كل شهر أو أداء أقساط مدارس أبنائه وغير ذلك من التزاماته اليومية التي أصبحت معيشه اليومي ووصلت لحد ملازمته في نومه وأثناء ساعات العمل و إلى أن يتوفى و تكمل زوجته أو أبنائه مسيرته وهي استكمال أداء الديون.
(1) عواصم الجهات هي المقرات الإدارية (إدارة) مجلس جهة وهي حاليا: طنجة-العيون-وجدة-فاس-الرباط-الدارالبيضاء-مراكش-الراشيدية-أكادير-الداخلة-كلميم.
(2) القانون التنظيمي (يرمز له بـ: ق.ت) وهو القانون الذي تضعه لجنة عامة يرأسها وزير وتشتغل عليه انطلاقا من الدستور وليس كالمرسوم أو القرار الوزاري الذي يكون عبارة عن مشروع قانون ويعرضه وزير ما على البرلمان لدراسته والتصويت عليه ونشره بالجريدة الرسمية فيما بعد.
(3) اللامركزية هي مثلا مجلس الجماعة واللاتمركز هي الإدارات التي تمثل الوزارات بالأقاليم كالقيادة أو مديرية التجهيز والنقل… إلخ.
وهنا وتوقفا عند هاته النقطة: يجب على المواطن أن يدير بصره إلى الجهة اليسرى ويرى بأن الشأن المحلي هو قوته اليومي والمعيش اليومي كذلك وأن يكمل دورة تفكيره وانشغالاته وهمومه فهي على اليمين واليسار بذل أن يشتكي ويقول: لماذا هناك حفر كثيرة بهاته الزنقة ولماذا تراكمت الأزبال ولماذا لم تمر شاحنة جمع الأزبال اليوم ولماذا تقوم تلك الجمعية بجمع الأزبال أو أبناء الحي أو الدوار أو القرية بحفر الطريق بنفسهم.
كل هاته الأسئلة إجابتها هي: إن الجهة حجبت عن أنظار المواطن والمواطن لم يكمل دورة تفكيره من هموم أقساط الدين إلى الشأن المحلي. فعندما تفتقر الجماعة لميزانية أداء أجور عمال النظافة وجمع الأزبال مثلا ويرفض صندوق التجهيز الجماعي (4) الموافقة على إعطاءها دين أو قرض لكثرة ديونها وعدم تمكنها من أدائها: تتجه الجماعة لطلب مساعدة الجهة من خلال طلب خلق شركة للتنمية الجهوية (5) أو تشكيل مجموعة الجماعات الترابية (6) يوكل إليها تسيير خدمة جمع الأزبال مثلا أو النقل الحضري أو المشاركة والمساهمة في ربط قرية ما بالماء الصالح للشرب أو الكهرباء (فهي مرافق) أو بناء طريق لتسهيل مرور حركة السيارات والعربات.
هنا سيرى المغاربة، الجهة. وهنا ستتمكن الجهة من النجاح في تقوية جبهة الدفاع عن الديموقراطية المحلية والتقليل فعليا من حدة التجاذب والتباين والاختلاف الإداري القائم بينها وبين “الرباط”. فهناك من سيواجه هاته الإشكالية العملية (والتي هي عبارة عن مثال نضربه للأخذ به كآلية وإجراء الذي يعتبر من بين الإجراءات المعمول بها حاليا في تسيير الشأن العام المحلي للجماعات والجهات من طرف المنتخبين) وانتقادها بشدة لاذعة وسيجيب قانونيا بالدفاع التالي:
-إن المادة 234 من قانون الجهات أشارت لصندوق التضامن بين الجهات لتحويل انتظارات وتطلعات المغاربة بالجهات التي يقطنون بها لمشاريع عامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية…إلخ.
-إن المادة 235 تحدد بأن وزير الداخلية هو السلطة المكلفة بإعطاء الموارد المالية اللازمة لميزانية التجهيز بالميزانية العامة لجهة ما، حسب الشروط المفروضة بالمرسوم رقم: 2.17.677 لـ20/11/2017 الذي يحدد معايير توزيع مداخيل صندوق التضامن بين الجهات.
لذلك سيختم جوابه بأن على رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الأقاليم ومجالس العمالات التحلي بالديبلوماسية المعهودة فيهم للتخفيف من حدة التجاذب والتباين الإداري المترسخ منذ عدة سنوات.
(4) بنك تابع للدولة مخصص فقط لا غير لإعطاء قروض وديون للجماعات الترابية في حالة احتياجها لتمويلات من أجل مشاريع اقتصادية واجتماعية بالجماعة أو الإقليم أو الجهة ويتم منح القرض بواسطة عقد وبه أقساط تؤدى كل سنة للصندوق من مداخيل ميزانية الجماعة مثلا.
(5) قراءة المادة 145 إلى 147 من قانون الجهات والمادة 122 الى 124 من ق.ت رقم 112.14 للعمالات والمواد 130 الى 132 من ق.ت: 113.14 للجماعات
(6) المادة 154 إلى 161 من نفس القانون: والمواد من 141 الى 148 من ق.ت: 113.14 للجماعات والمواد 132 الى 140 من ق.ت: 112.14 للعمالات بالنسبة لمجموعة الجماعات الترابية وكلها بنفس المبدأ وتخضع لنفس الإجراءات لتأسيسها بحيث يشترط أن تكون الجهة هي التي تترأس تلكم الأشخاص المعنويين الخاضعين للقانون العام بخلاف الأشخاص المعنويين الخاضعين للقانون الخاص وهي الشركات المجهولة المعروفة لدى المغاربة بـS.A.
والجواب على هذا الانتقاد بغاية البساطة وهو تذكير المنتقد بالفصل 141 من الدستور “الذي يعلو ولا يعلى عليه لكونه أسمى قانون بالبلاد” من خلال إلزام الدولة من خلال وزاراتها وإداراتها “أنه عند نقل كل اختصاص للدولة إلى الجهة يجب أن يواكبه تحويل الموارد المالية اللازمة لميزانية الجهة وهو ما يوجد بالمرسوم رقم: 2.17.282 لـ09/06/2017 والذي يجبر الدولة على ذلك. وقد وقع هذا المرسوم كل من السيد رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني ووزير الداخلية الحالي السيد ع. لفتيت والسيد وزير المالية السابق م. بوسعيد والمرسوم منشور بالجريدة الرسمية عدد 6578 لـ15/06/2017).
أما عمق الإشكالية/المشكل الذي سنطرحه على المواطن والرأي العام والذي هو الواقع الذي كان يجب أن يتم الوصول إليه وهو جعل الجهة إدارة لتسيير الشأن المحلي اليومي للمواطن بتحويل الجهة لإدارة محلية فعليا وواجهة للخدمات من خلال مكاتب إدارية مقربة من المغاربة. ولا يوجد
تعارض في طرح المشروع التالي مع أسس الديموقراطية المحلية والتي من بينها التسيير الحر للشأن العام المحلي والاستقلال الإداري والمالي سواء للجماعات أو العمالات والأقاليم. أو الانتقال بالجهوية المتقدمة إلى الجهوية كشكل من أشكال اللامركزية المعمول بها حاليا في إيطاليا أو مملكة إنجلترا. فمشروع الوكالات الجهوية لتنمية المجالات الترابية (التي ستوسع وتدمج الوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع الحالية والتي فقط ستحل محلها دون إجراء أي تغيير مادي أو إداري بل ستقلص بـ1/10 أي العُشر من المعدل الوطني الحالي للبطالة. وهي تشكل الشطر الثاني من المرحلة الأولى للمشروع العام لإلغاء العمالات والأقاليم. فالوكالات المحدثة بهذا الشطر هي إدارات تابعة مباشرة لرئيس مجلس الجهة الذي يعين مديرا لها والتي ستنطلق بمديريها وأطرها الحاليين) والتي أشار إليها المشروع العام لإلغاء العمالات والأقاليم المعلن عنه بالصحف الوطنية والمنابر الإعلامية الالكترونية وعبر راديو MFM بتاريخ 02/02/2022 (7) واضعا آليات تدبير وتسيير فعالة وواقعية ولا تتطلب ميزانية انطلاق أو تنفيذ مرحلة من مراحله وشطريه الأول والثاني وستمكن تلك الآليات: رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات من تحويل تسيير مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبنية التحتية من مشكل التمويل إلى مبدأ التنفيذ المدعوم.
فبالرجوع للفرق بين التسيير العمومي والتدبير العمومي فالأول هو الآليات وطرق إدارة الجهة مثلا للشأن المحلي للمواطن وهي مستخدمة ومتبعة من طرف رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس العمالات ورؤساء مجالس الأقاليم وفي الأخير رؤساء مجالس الجماعات. أما الثاني فهو الآليات وطرق الإدارة التي يتبعا السادة عمال وولاة الولايات والعمالات التي يشرفون عليها. فالولاية تراقب إداريا أعمال الجهة والعمال يراقبون أعمال رؤساء مجالس العمالات أو رؤساء مجالس الأقاليم وهو ما يسمى بالمراقبة الإدارية والمراقبة القضائية تقوم بها المحاكم الإدارية بعد صعوبة الاتفاق بين رئيس مجلس الجهة مثلا ووالي صاحب الجلالة. وبالتالي يبقى القضاء الإداري هو صاحب الكلمة الأخيرة في النزاع الإداري بين اللامركزية واللاتمركز. أما إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية فهو مشكل مستبعد من مقالنا التالي.
(7) اضغط على الرابط التالي بصفحة البحث على الانترنيت: حذف العمالات والأقاليم
فالولاية والتي يرأسها الوالي ومن خلفها العمالة والتي يرأسها العامل يسيرون يوميا شؤون الجهة والعمالة والمقصود بشؤون الجهة الشأن المحلي للمواطن بجهة من جهات المملكة من خلال السهر على النظام العام والأمن وغير ذلك من الاختصاصات المشار إليها في المادة 110 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات وهذه أيضا مفارقة مدهشة نستبعدها في مقالنا بكون تلك الاختصاصات جاءت بالقانون التنظيمي للجماعات وليس بالقانون التنظيمي للعمالات والأقاليم أو بالقانون التنظيمي للجهات.
ويبقى لرؤساء مجالس الجهات وأعضاء المجلس “المنتخبين” ومعهم رؤساء اللجان الدائمة المكونة بالمجلس إعداد برنامج التنمية الجهوية والبحث عن اتفاقيات شراكة وتعاون أو الإعلان عن صفقات عمومية لبناء مشروع أو مشاريع اقتصادية واجتماعية… إلخ، وتتبعها مع الشركة المكلفة بإنجازها (وهذا على سبيل المثال ومن بين المشاريع: دار المواطن-سوق اسبوعي-مجمع تجاري-مدرسة-موسم ثقافي أو فلكلور…إلخ).
أما تقديم خدمة يومية للمواطن فذلك من اختصاص الجماعة أو العمالة كتسليم هاته الأخيرة جوازات السفر (رخص الصيد أو القنص) (رخص البناء المسلمة من طرف رئيس مجلس الجماعة أو نائبه) أو بعث الجوازات للقائد/رئيس الملحقة الإدارية (بالمدينة) أو القيادة (بالقرية). وهنا يأتي التساؤل التالي كم تكلف العمالات ميزانية الدولة للقيام بهاته الخدمات الإدارية العادية؟ الجواب بالطبع ملايير الدراهم سنويا. وهو ما عالجه المشروع العام لإلغاء العمالات والأقاليم والذي لازال لحد اليوم في مرحلة عرضه على أنظار عاهل البلاد.
أما الولايات والجهات كما حددنا الفرق بينها فدورهم حجب ولا يلمسه المواطن في تسيير شأنه المحلي اليومي والذي كذلك وضحناه وبأنه هو الجهة اليسرى التي يدير المواطن لها انشغالاته بعد صراعه مع القوت اليومي أو التزاماته.
إذن السؤال، ألم يحن الوقت بعد لإطلاق حوار وطني عام لإصلاح اللامركزية المعتمدة على ثلاث وحدات ترابية (الجماعات ومجالس العمالات ومجالس الأقاليم والجهات) (وهي نفس اللامركزية التي اعتمدتها فرنسا منذ منتصف الخمسينات وتليها في السبعينات اسبانيا والبرتغال باستثناء إيطاليا التي ألغت العمالات منذ سنة 2015) توازيها استمرارا بمقالنا: ثلاث وحدات لامتمركزة (القيادات والدوائر – الباشويات والعمالات/الأقاليم والولايات) التي تم إرسائها منذ سنة 1969 بالمغرب وعرفت بعد التعديلات سنة 1993 و 1996 وسنة 2000 وأخيرا سنة 2015 بدخول تنفيذ قانون الجهات الذي جاء على ضوء تقرير اللجنة الاستشارية الملكية المكلفة بالجهوية المتقدمة. ونسرد مقطعا مهما من هذا التقرير وهو التالي:
“الكتاب الأول تحت عنوان التصور العام” من “التقرير المرفوع لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله”: الصفحة11 الفقرة: س: ومع الاحتفاظ في الظروف الراهنة بمجالس العمالات والأقاليم يقترح في المستقبل إجراء تقييم شمولي لمنظومة الجماعات الترابية لتجنب الإزدواجية العضوية للمجالس المنتخبة لتطوير التجمع البيني للجماعات” “وذلك استجابة لضرورة إلغاء أسباب التداخل والتنازع بين المجالس المنتخبة المتراكبة في مجال ترابي واحد وللحاجة إلى تعضيد المشاريع والوسائل لدى الجماعات في إطار تنظيمها البيني الديناميكي”.
وفي الأخير، فنقيض الإشكالية والمشكلة أصبح أمرا واقعا وحاليا منذ سنة 1978 بالنسبة لرؤساء مجالس الجماعات وفي السنوات اللاحقة لرؤساء مجالس العمالات والأقاليم ورؤساء مجالس الجهات عند دخول حيز التنفيذ القانون التنظيمي للجهات سنة 2016. فرؤساء الجهات أصبحوا هم من يقومون بتحضير الميزانية والسهر على تنفيذها (المادة 197 بخصوص تحضير الميزانية السنوية أو تلك الممتدة على 3 سنوات من طرف رئيس الجهة والمادة 105 بخصوص تكليفه بإعدادها والمادة 101 بتنفيذ الميزانية بعد عرضها بالمجلس خلال أحد دوراته الثلاث والتصويت عليها (8). كما يقوم رئيس الجهة بإعداد برنامج التنمية الجهوية الممتد على 6 سنوات والتصميم الجهوي لإعداد التراب الممتد على 25 سنة طبقا لنفس المادة 101 بخصوص التنفيذ والمادة 105 بخصوص الإعداد). ونفس المهام والمسؤوليات أعلاه أوكلها القانون التنظيمي للعمالات والأقاليم والقانون التنظيمي للجماعات لرؤساء مجالسها. ويقومون أيضا بطبيعة الحال بتوزيع الأوليات حسب القوانين المعمول بها (9) وكما يعرف لدى الممارسين أو بصفة عامة ما يطلق عليهم بدوائر تسيير و/أو تدبير الشأن المحلي بالفاعلين الترابيين وفي النقاش حول الميزانية بالآمرين بالصرف وهي سلطة
تنظيمية خولها وأعطتها لهم القوانين التنظيمية التي أشرنا إليها كترسيخ للديموقراطية المحلية رغم ما يلاحظ من مشاكل وتعثرات ترجع بطبيعة الحال للخلفيات والمرجعيات المتعددة والمتداخلة.
وخلاصة القول إن النقاش الوطني يجب أن يطرح ويفتح حول الإدارة الترابية أو (المحلية وهو الاسم المعروفة به لدى المغاربة) حول الآليات الجديدة والفعالة والممكنة لتحديث التسيير والتدبير بالنسبة لكل من اللامركزية واللاتمركز.
عن موقع: فاس نيوز ميديا