الحصان المُجَنَّح.. (مقطع من رواية عندما يعود الرجال)

محسن الأكرمين

يجلس مناد العز مطلا على البحيرة الزرقاء،كان دائم التردد والتأمل من علو (الأنا)، كانت نظراته ثاقبة تماثل عدسة كاميرا ثابتة تلتقط صورا وبلا حيثيات مركبة. كان يُفرط في تفكير الشاعرية، وهو يتابع نهم حصان في شرب ماء بحيرة الظل (أَمَالُو). لحظتها لم يقدر أن يُرجعْهُ نحو تفكير الواقع، غير صهيل مُطول بعدما أن ارتوى عطش الحصان ماء. بات مناد يتلاعب بالمظاهر الآتية من خلفية البحيرة الخضراء. كان يستمتع بسمة بلعبة التخمين بين تثبيت المتحرك، وتحريك الثابت. حينها بات الحصان الأبيض يماثل (بيجاسوس) في أسطورة الحصان المجنح، وميلاده من لعنة الدم الأسود المتساقط أرضا بعد قطع رأس (ميدوزا ماتيس). توغلت نظرات الأحداث إلى الفضاء الداخلي لمعبد أثينا، وخطيئة الجنس الفاضح الذي اقترفته (ميدوزا) وعشيقها (بوصيدون). سقطت لعنة الإله على (ميدوزا) وباتت امرأة قبيحة بشعة المظهر، وربة الثعابين التي تحول كل من نظر عينيها إلى حجر جامد. تمثل مناد العز نفسه يلاعب الحصان المجنح في معاودة سيرة الترويض وقفزة الامتطاء على ظهره. تخيل مناد العز نفسه محلقا فوق ظهر الحصان المجنح يدور دورة حلزونية على البحيرة النيرة. كان صوت الصهيل غير المنقطع ناقوس خوف، والحصان المجنح يترنح من مضايقة ذبابة الخيل. أمسى صفاء ومتعة سفر مناد العز الفضائي يحمل الترنح والسقطة، فقد نغصت ذبابة الخيل الحصان المجنحة، وأثارت المطية فسقط الممتطي.

في مرمى سقوطه نحو الهاوية، حضرت وجوه من ماضيه، و أخرى من حاضره. حضروا جميعا وبلا مساحيق تجميل وهم معلقون بين السماء والأرض. أصبح مناد العز ذا قوة ويماثل صائد الفرص، وهو يقتنص أرواح شر الجن والجنيات. بات في الغابة يطارد الجنيات الحسناوات في تحركاتهن الغنج، بات يُشْعل دخان أبخرة التودد، وتعاقد السلم بين الأرض العلوية والسفلية. عاد فجأة إلى بداية المنطلق ومكان جلوسه بدون الحصان المجنح سليل نضج خطيئة رحم (ميدوزا) حين أنجبت بنتين لهما نفس قدرتها على تحويل كل من ينظر بعينيهما إلى حجر .

في جلسته العلوية المطلة على البحيرة الزرقاء، كان مناد العز يراهن على استنطاق الآلام الصامتة. كان يلاعب جبروت المكابرة بالكتمان، كان يتقشف في التفكير البدائي المدمر، ويوسع من دوائر المنطق المتحرك بين الرفض والتأييد. في دائرة البحيرة كانت أزلية حكايات الماضي السحري تلون أطرافها نورا مثل جمع مفرد شمعة مشتعلة نهارا.

تأتي تالا من بعيد، وتعود عدسة رؤية مناد العز متحركة، وتتابع حركات خطوات تمهل الصبايا الحسان. هي تالا الآتية لغطسة التعري. كان ثوب قميص صيفها أبيضا، وفي انعكاسه تبدو ألوان طيف شمس صيف وماء بحيرة رقراق.

تجيء تالا في خط مُتعرج، وهي تستكشف المكان رؤية، وبلا ظل جسد. تتعرى للسماء والماء، وكأنها تنفض عنها الآلام والآهات. كان مناد العز لا يُخفي مثيرات المتابعة، كان مترصدا بالنظر الفضولي لذاك الجسد المتعري. كان اختمار انفعالاته الذاتية تبحث عن قبلة من تلك الشفاه المرتجفة من شدة برودة مياه غطس التطهر. كان يريد ملامسة حرارة للأيدي المرتعشة.

لم تكن تالا من الغباء الاجتماعي، وهي لا تدري تموقع مناد العز جلوسا في العلو، بل كانت تلهو بمشاعره جيئة وذهابا. كانت تريده أن يعيش صدمة العاطفة المُتقدة، والبحث عن أوجه توحد الأجساد بمقدمات (إني أحبك…إني أحبك… لكن علمتني التجارب أن أتجنب ماء البحيرة الزرقاء…). كانت تدفع به إلى اعتناق مغامرة الحب والعشق الممنوع، والكف عن مغامرات الثأر لمقتل أبيه. في تركها للبحيرة وقميصها الأبيض ملتصقا على جسدها، كان مناد العز يحلقها نظرا وهو فوق ظهر الحصان المجنح، لكن سقطته من السماء أيقظته من الحلم، وكانت حينها تالا قد غابت عن عيونه المتحركة.

عن موقع: فاس نيوز ميديا