المغرب – راسل موظفي إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة، مطلع الأسبوع الجاري، وزيرة الإقتصاد و المالية، يُطالبونها برفع الظلم الذي لحق بهم جراء تشريدهم عن عائلاتهم و أماكن سكناهم مع ما ترتب عن ذلك من أضرار مادية و صحية و اجتماعية و نفسية جسيمة، علىى حدّ قولهم.
إليكم نص المراسلة كما توصلت بها الجريدة :
الى السيدة وزيرة الاقتصاد و المالية
سلام تام بوجود مولانا الامام، و بعد،
نحن مجموعة من موظفي إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة، ضحايا الحركية الجغرافية التي نفذتها هذه الإدارة خلال الثلاث سنوات الأخيرة، نتشرف بأن نتوجه إلى معاليكم، بوصفكم الوزير الوصي على القطاع، من خلال هذه الرسالة التظلمية، راجين منكم رفع الظلم الذي لحق بنا جراء تشريدنا عن عائلاتنا و أماكن سكنانا مع ما ترتب عن ذلك من أضرار مادية و صحية و اجتماعية و نفسية جسيمة. ..
السيدة الوزيرة المحترمة
لقد عمدت ادارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة، في عهد مديرها العام الحالي السيد نبيل لخضر، الى سن حركية جغرافية سنوية لأطر و أعوان الجمارك يسري مفعولها في بداية شتنبر من كل سنة. والواقع، أن هذه الحركية لم تكن مبنية على أي أساس قانوني أو دراسة علمية تأخذ في الحسبان البحت عن التوازن بين، من جهة، مصلحة الادارة من خلال تقييم ما ستجنيه من منافع من ورائها، و من جهة أخرى، الحفاظ على كرامة الموظف كما تكفلها القوانين الجاري بها العمل. بل اتسمت بالعشوائية و تحويلها الى وسيلة للانتقام و تصفية الحسابات. و لم تكلف الادارة نفسها حتى العودة الى حصيلة التجربة المماثلة السابقة التي أسس لها المدير العام السابق الراحل عبد الرزاق المصدق الذي اعترف بنفسه و أمام الملأ ، و هو يغادر الادارة بعد انتهاء مهامه فيها، بفشلها الذريع ملتمسا الصفح من الجمركيين. و ها هو نبيل لخضر يتبنى نفس التجربة بالرغم من الاخفاقات التي منيت بها و الاضرار التي لحقت بمصالح الادارة و الموظف على السواء من جرائها. لقد تم اتخاذ هذا القرار الجائر في غياب تام لأية استشارة مع الموظفين أو من يمثلهم و في خرق سافر لمبادئ الشفافية و النزاهة و العدل. بل، اتسمت بتجاوزات خطيرة كان من المفروض ان تعرض أصحابها للمساءلة القانونية. و اسمحي لنا السيدة الوزيرة أن نحيطكم علما ببعض ما شاب هذه الحركية المشؤومة من تجاوزات و خروقات و نواقص.
لقد جاءت هذه الحركية مخالفة للقانون جملة و تفصيلا، بحيث أن قانون الوظيفة العمومية لسنة ألف و تسعمائة و ثمانية و خمسين خصص مادة يتيمة، المادة 64 ، للحديث عن نقل الموظف سواء بطلب منه او بقرار من الادارة مشروط بأخذ بعين الاعتبار الحائلة العائلية و الاجتماعية للموظف. و لم ينص هذا القانون في أية مادة من مواده الأخرى على اية حركية جماعية سنوية للموظفين كما ينفذها، ضدا على القانون، اليوم نبيل لخضر. لذلك يبقى نقل الموظف كما تم التنصيص عليه قانونيا يهم حالات منفردة، تتمم لأسباب شخصية أو لضرورة المصلحة. و حتى اذا سلمنا بوجود ضرورة أملتها فعلا المصلحة، فأية ضرورة أملت اتخاذ نقل ألف خمسمائة جمركي على امتداد ثلاث سنوات؟ في الحقيقة، لم تكلف الادارة نفسها تقديم مبررات مقنعة دفعتها لاتخاذ قرار خطير يمس كرامة الموظف و يعرضه للتشرد كقرار الحركية، و لا حتى نشر المعايير التي تم اعتمادها لانتقاء الموظفين المرشحين للتنقيل. و من جهتنا و في غياب مثل هذه المبررات و المعايير، نؤكد لكم، السيدة الوزيرة، انه ليس هناك ما يستدعي مثل هذا القرار، خاصة في ظل لجوء الادارة المكثف الى وسائل الاتصال الحديثة المتطورة التي تمكن اليوم مختلف مصالحها الجهوية من أداء مهامها بكل شفافية وان اقتضى الحال عن بعد، كما تمكن مصالحها المركزية من انجاز عمليات التدبير و المراقبة بصفة فورية و عن بعد من مكاتب المسؤولين المركزيين المكيفة في الرباط. و الا لماذا يتم تبذير جزء من المال العام في الانفاق على كل المجهود الذي بذل من أجل الولوج الى كل هذه الوسائل؟. و ما يؤكد عدم توفر الادارة على حجج بني عليها اللجوء الى الحركية هو التجاؤها هذه السنة الى أسلوب السرية و شفاهيا لابلاغ الموظفين المنقلين خوفا من معرفة اللائحة الكاملة للمنقلين و الأسماء التي تشملها، و هذا أسلوب غير قانوني لأنه يحرم هؤلاء من وثيقة ادارية قانونية تمكنهم من اللجوء، عند الاقتضاء، الى القضاء لرفع الضرر الذي قد يكون لحق بهم من جراء نقلهم التعسفي. فالادارة بذلك سلكت أسلوبا يذكر بسلوك العصابات. لقد عمدت الادارة الى استغلال الفراغ القانوني المتعلق بعدم التعريف بمفهوم “ضرورة المصلحة” لتحوله الى سيف يسلطه المسؤولون عن الموارد البشرية على أعناق الموظفين لتصفية حساباتهم الشخصية مع هؤلاء، خاصة اولئك الخارجين عن طاعتهم. و ان لم يكن الأمر كذلك، فما الداعي الى تنقيل 1500 موظف في حدود 500 موظف كل سنة؟ و اذا افترضنا صدق نية الادارة فيما يخص الرغبة في التخليق، فهذا اعتراف بوجود فساد كبير يمخر جسد المديريات الجهوية مما استدعى نقل كل هذا الجيش العرمرم دفعة واحدة و هو ما يؤكد انتشار ثقافة اللاعقاب و افلاس سياسة تدبير الموارد البشرية التي تنهجها الادارة. اذ لا يعقل ، في ظل حكامة جيدة و تدبير أمثل، أن يتم نقل 500 موظف سنويا و في دفعة واحدة؟
السيدة الوزيرة المحترمة،
لقد كان موظفو ادارة الجمارك ضحية لعملية احتيال و نصب على القانون نفذت في واضحة النهار، مع سبق الاسرار و الترصد، من طرف المسؤولين عن الموارد البشرية و بتوجيه من المدير العام. لقد تم التهيييء للحركية بسن نظام خاص مثير للجدل لموظفي ادارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة، تم التنصيص في مادته السابعة على الحركية السنوية التي تهم الجميع على السواء. الا ان هذه المادة تحولت فجأة في المادة ’40 الى اجراء تأديبي يدخل ضمن العقوبات التأديبية المنصوص عليها في الباب السادس، الفرع الأول من المرسوم رقم 453 -19-2 بتاريخ 22 دجنبر 2020 المتعلق بهذا النظام. و عليه فان كل من شملتهم الحركية وجدوا أنفسهم و بقدرة قادر معاقبين بسبب مخالفات مهنية وهمية لم يرتكبونها . بالإضافة الى هذا التناقض الصارخ، فان الحركية جاءت منافية لكل القيم و الاعراف الانسانية و الاخلاقية . فهي لم تستثني كبار السن و لا أصحاب الاحتياجات الخاصة و لا المرضى و لا النساء و لا الظروف الاجتماعية و العائلية و المادية للضحايا. لقد تسببت هذه الحركية في مآسي اجتماعية و نفسية رهيبة كان وقعها كارثي على مردودية الموظف. كما أدت، في صفوف المنقلين، الى ارتفاع حالات الطلاق و الاستقالات و طلبات التقاعد النسبي و حوادث السير و تزايد عدد الشواهد الطبية و هجرة الأدمغة الى ادارات أخرى. و قد اصبح اليوم الجهاز الجمركي عشا لتفريخ العقد النفسية بعدما كان يضرب به المثل في الاستقرار المادي و النفسي و العيش الكريم. و الغريب أن هذه الحركية لم تشمل موظفي الادارة المركزية و كأن هؤلاء ، و منهم من قضى أكثر من عشرين سنة بها، يتوفرون على الحصانة. و هنا لابد من الاشارة الى أن المسؤولين الرئيسين عن كل هذه المآسي قضوا أكثر من عشرين سنة بالإدارة دون أن يعطوا المثال بأنفسهما و يتقدما لائحة المنقلين. وحتى حينما تم الضغط من جهات حكومية على الادارة لدراسة طلبات الانتقال تم توكيل رئيس مصلحة تدبير الموارد البشرية, محمد اعليلة، للقيام بهذه المهمة. و السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن لهذا الشخص، و هو الذي يعد لائحة المنقلين، ان يكون طرفا و حكما في نفس الوقت؟ .
السيدة الوزيرة المحترمة،
ما يؤسف له حقا هو عملية التغليط التي تعرضتم لها من طرف مسؤولي الادارة من خلال الجواب الذي أعدوه لكم للرد على استفسار البرلماني المحترم الأستاذ حسن البركاني، بحيث جاء هذا الجواب يحمل الكثير من المغالطات و الكذب و خارج سياق السؤال. لقد تم تقديم الحركية كحل لمشكل الموارد البشرية لمصالح جهوية حديثة او في طريق الانشاء كميناء الداخلة الذي تمت الاشارة اليه في الجواب بالاسم. و الواقع أن مصالح كهذه، و التي لازالت غير منجزة أو في طور الانجاز، تتطلب توظيفا جديدا و لا يمكن ان يكون مدها بالموارد البشرية الضرورية على حساب جيب و استقرار الموظف. لقد كنا نتمنى أن يكون الجواب متضمنا للنصوص القانونية التي تم الاستناد عليها لتنفيذ الحركية، لأننا أمام أنظار سلطة تشريعية هي مصدر القانون. أو على الأقل، تبرير ذلك بدواعي ضرورة المصلحة بسبب مثلا ذريعة اختلال التوازن بين الجهات في بعض الاختصاصات و المسارات المهنية. .لكن، بكل أسف جاء الجواب، في احتقار لهذه المؤسسة التشريعية، فارغا من كل شحنة قانونية متبنيا لغة الكذب و الافتراء على نواب الأمة. لقد كنا نتمنى منكم السيدة الوزيرة، قبل اعتلاء منصة قبة البرلمان، أن تبعثوا لجنة من المفتشية العامة للمالية لجمع المعطيات المتعلقة بالحركية حتى تكونوا على بينة مما يقع داخل هذه الادارة التي أصبح يعتبرها المسؤولون المكلفون بتسييرها مزرعة في ملكيتهم ومستقلة تماما عن مؤسسة الحكومة, متناسين أن التوظيف و نقل الموظفين هو، حسب القانون، من اختصاص الوزير الوصي على القطاع و ان التفويض لا يعنى تنازل هذا الأخير عن الاختصاصات المخولة له بنص القانون.
السيدة الوزيرة المحترمة:
بنا ء على ما سبق ذكره من تجاوزات و شطط في استعمال السلطة من طرف من أوكلت لهم أمانة تسيير الادارة، نلتمس من معاليكم انصاف الفئة التي تضررت من الحركية و رد الاعتبار لها، من خلال ارجاع كل المنقلين الى مقرات العمل التي نقلوا منها بذون موجب حق، حتى يتمكنوا من جمع شملهم بأفراد أسرهم و تفادي المزيد من آثار المعاناة و المآسي الاجتماعية التي يعيشونها، أو على الأقل ارجاع أولئك الذي تقدموا بطلبات العودة. كما نلتمس منكم بعث لجنة تحقيق من المفتشية العامة للمالية للتحقيق و التدقيق في تدبير الموارد البشرية بالإدارة التي اصبحت تفوح منها رائحة الفساد و المحسوبية و الزبونية، ليس فقط فيما يخص الحركية، بل فيما يخص كذلك عملية الولوج الى مناصب المسؤولية التي تحولت الى مسرحية فولكلورية يعرف مسبقا أبطالها، لدرجة أن الكثير من الأطر الكفؤة و النزيهة أصبحت تفضل الامتناع عن تقديم ترشيحاتها لآنها ترفض أن تؤدي دور كومبارس في هذه المسرحية الرديئة الاخراج.
و في الأخير، فإننا اذ نتقدم لكم بشكايتنا هذه، فان لنا الثقة الكاملة فيكم و في نزاهتكم لإنصافنا و حمايتنا من شراسة مسؤولين اصبح همهم الوحيد هو ممارسة هواية الحركية حتى يتمكنوا من التلذذ بمآسي الجمركيين و يستمتعوا بفرجة تشردهم. اننا نثق فيكم من أجل وضع حد لهذا العبث الذي اصبح يميز سلوك هؤلاء المسؤولين الذين اصبحوا يظنون انهم في مأمن من كل عقاب و حساب.
و تفضلوا، السيدة الوزيرة، بقبول فائق عبارات احترامنا و تقديرنا. مجموعة من الجمركيين المكتوين بنار الحركية
المصدر : فاس نيوز ميديا