حوار مع “كوكب الشعر العربي” الشاعرة اللبنانية الدكتورة ‘كوكب دياب’ د. فاطمة الديبي/ ذ. نصر سيوب (الحَلَقة 4 “لكل شجرة ظلّها ولكلّ عين حلاها”)

  • “التجارب الشعرية بالمغرب العربي”: لكل شجرة ظلّها ولكلّ عين حلاها.. ولكل شِعر جماله، وإن تشابهت البيئات الشعرية وتقاطعت الهموم الإنسانية فقد تختلف في البصمات التي تدلّ عليها وتميّزها من غيرها… ولكن ليس كل اختلاف يعني أن المختلفات دون الأخرى والمسألة نسبية تعود إلى المتذوّق…
    نعم… لي اطلاع على تجارب بعضهم منهم : أبو القاسم الشابي، ومن ثمّ راشد السنوسي، عبد المجيد بن جلون، وحمد كمال السخيري، ورامز النويصري ومحمد بنيس…
    وتجارب هؤلاء لا تقل قيمة في خصائصها وتأثيرها عن أخواتها في المشرق العربي، وإن كانت أسبق منها إلى التحديث في بعض الاتجاهات الشعرية.. فكل شاعر، مغربياً كان أو مشرقياً، كانت له بيئة طبعته بطابعها.. والشعر الرائع هو شعر سواء كان قائله مغربيّاً أو مشرقيّاً …
  • “الشعر بخير في العالم العربي”:
    نعم .. دائماً أنا متفائلة.. الشعر ما زال بخير في العالم العربيّ، ما دام في الدم العربي شعور بالانتماء ورغبة في الإبقاء على الهوية… وإن توزّعته الرياح من كل الجهات.. أفلم تتجاذب الشعر العربيّ من قبل رياح الحضارات المتلاقية والمتصارعة والمتقاطعة؟! … كُتب الكثير.. ونُشر الكثير في ذاكرة التراث وبقي القليل في ذاكرة الأدب والمتأدّبين.. (فأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)…
    ولا ضير من هبوب رياح الحداثة والعالمية على أزهار الأشجار العربية .. فقد تتلاقح وتتأثّر ولكنها تحافظ على الجينات العربية، فتعود لتؤثّر هي من جديد في غيرها كما أثّرت سابقاً الثقافة الإسلامية والعربية في غيرها من الثقافات والآداب الأخرى…
    المهم أن نثق بقوّتنا وبتراثنا، وأن نأخذ من التراث ما يُشعرنا بانتمائنا وبأصالتنا، وأن نأخذ من الحداثة ومن المعاصرة ما يُسهم في الارتقاء والتقدّم، لا في تغيير الأصول الجذرية وتهجينها إلى حدّ ضياع الإنسان وشكله ومضمونه وأدبه في مهبّ الرياح!
    وأمّا مَن غرق في وحول العولمة والحداثة ملغياً هويّته وأدبه وشخصيته، فذاك سيكون كالظليم الذي ذهب يطلب قرنين فعاد مجدوع الأذنين…
  • “مفهومي للالتزام”:
    الأدب والشعر مسؤولية والتزام قبل كل شيء… والالتزام؛ هو مشاركة الشاعر أو الأديب قضايا أمّته و وطنه وهموم الناس الاجتماعية، ومواقفهم الوطنية والإنسانيّة … وإذا كنّا نخشى ارتباط الشعر بالاتجاهات الإيديولوجية من أجل تجنيب الشعر ضرر ما، فنحن عندئذ نكون قد كتبنا الشعر من أجل الشعر وليس من أجل الإنسان أو الأمة وهمومها وقضاياها… وما فائدة الشعر عندئذٍ ؟!
    ولكن هذا لا يسوّغ لنا أن نقف في شعرنا مع الباطل من أجل إيديولوجيات ضيّقة ما فاقدة لروح الفكر والقيم، متصارعة فيما بينها … بل لا بدّ من التعمّق في الرؤيا الشعرية ليكون الالتزام بقضايا الإنسان أولاً والأمة ثانياً والوطن والمجتمع ثالثاً.. ولا خوف على الشعر بعد ذلك من عولمة أو حداثة أو تفتيت إيديولوجيّ أو غيره … بل الشعر الحق هو الذي يستفيد من تلك العولمة وهذه الحداثة بشكل يؤثر إيجاباً في قضايا الإنسان والوطن والمجتمع… وممَّ الخوف على الشعر بعد ذلك؟!
  • “لا إبداع خارج الهوية”:
    إنّ من يغرّد خارج سربه ستجتمع عليه الغربان والعقبان وتطرده لأنها لن تعتبره منها، مهما كان مبدعاً…
    وهل يحيا جمال السمك مهما كان بديعاً خارج موطنه (الماء)؟!
    فمن لم يكن مبدعاً في هويته وكان مبدعاً في هُوية غيره .. فهو ليس مبدعاً خارج “الهوية” مطلقاً.. بل هو مبدع في هويّة غيره.. ولكن.. هذا الإبداع خارج الهوية الحقيقية للإنسان لن يحيا طويلاً ولا يستمرّ خارج هويّته الأصلية…
    كان جبران مبدعاً عالمياً ولكنه لم يحيا إلا في هويّته … وهو حتى إشعار آخر أديب لبنانيّ، رغم أنه تأثر وأثر في كتابات الآخرين ممن ليسوا من أبناء جلدته…
    فهل يستمرّ إبداع خارج هويّة؟!
    نعم…. لا إبداع خارج الهويّة.
    صحيح أن المبدع قد يتأثر بالآخرين ويؤثّر في إبداعاتهم .. ولكن ذلك لا يصبّ إلا في مصلحة إبداعه وهويّته إن عرف الوجهة التي يوجهها وإلا ذاب في مياه غيره، ويكون مثل الظليم الذي ذهب يطلب قرنين فعاد مجدوع الأذنين…
  • “علاقة الإبداع بالهوية”:
    العلاقة بين الهوية والإبداع شعراً كان أو نثراً هي علاقة جدلية تشاركية، فالإبداع هو عنصر من عناصر الهوية الثقافية ودالٌّ عليها، باعتبار ما يكتب الشاعر من إبداع هو سمة جوهرية عامة من سمات هويّته.
    وفي المقابل، فإن ما يميز الإبداع شعراً أو نثراً، هو الهوية التي يظهرها النص الإبداعيّ.. سواءً كان ملتزماً قضايا عامة إنسانية أو قضايا الأمة والوطن والمجتمع…
    وما كان من إبداع خارج الهوية فهو سيصبّ في مصلحة الآخرين وليس في مصلحة الهوية الحقيقية التي يسعى الآخرون إلى طمسها بمنطق البقاء للأقوى تأثيراً…
  • “الثابت والهامشي بين المعاصرة وحرية الإبداع”:
    ليست المعاصرة في تدمير الثوابت وليست حرية الإبداع في تمجيد الهامشيّ، ولا يقول هذا إلا مبتدئ منبهر بثقافة الآخرين، مُنكِرٌ للثقافة العربية الغنيّة التي قامت عليها دعائم الثقافة الغربية واستفادت منها، دون أن تذوب هذه فيها ودون أن تتخلى عن ثوابتها وتراثها… فلو نظرنا منذ بداية انفتاح العرب على الثقافة الغربية في العصر الحديث على مستوى الإبداع شعراً ونثراً، لرأينا أن أدباءنا الحداثيين قد تحاشوا الخوض في الثقافة العربية الإسلامية، ليس جهلاً بها، بل اقتناعاً منهم بالجمود الذي آلت إليه هذه الثقافة على أيدي مجموعة من أنصاف المتعلّمين وأنصاف المتأدّبين أو مدّعي العلم أو حفظة الدروس الببغائيين، فبدلاً من أن يُعْمِلَ المثقف العربي تفكيره في ما يفيد ويزيد في مستوى ثقافته راح في أحد اتجاهين: إما أن يتجه إلى تدمير الثوابت العربية ليبني بها ثقافة الآخرين، وإما أن تكفيه عبارة “قال فلان” فيتوقّف عن التفكير ويستسلم للجمود.
  • “مفهومي للحب”:
    الحبّ هو أسمى عاطفة زرعها الله في قلوب البشر.. إلا أن بعض البشر انحرف به عن المعنى السامي إلى معانٍ أخرى… وقد برزت قيمة الحبّ في كل الأديان السماوية.
    والحب ليس مقتصراً على حبّ المرأة للرجل، أو حبّ الرجل للمرأة، بل هناك أنواع أخرى من الحب منها: حبّ الله وهو أرقى أنواع الحبّ، والحبّ في الله وهو أشرفها (حب الإنسان لأخيه الإنسان)، وحبّ الأم لطفلها وهو أصدقها، وحبّ الصديق لصديقه وهو أندرها، والحبّ الأفلاطونيّ…
    وهناك أيضًا : حبّ الطبيعة، وحب الجمال، وحب الوحدة، وحب الوطن، وحبّ الدنيا، وحبّ المال، وحبّ الحياة، وحبّ السلطة، وحب الشهوات، وحبّ الذات، و…و…و…
  • “الارتجال في الشعر”:
    الارتجال يميّز قدرة الشاعر الموهوب من غيره، وإن دلّ على شيء فإنما يدلّ على سرعة البديهة، وتأثّر الشاعر وصدقه وانفعاله الشديد، إذ إنّ الشعر الارتجاليّ هو وليد الشعور والعاطفة الباطنة والتأثّر الشديد ومجموعة الأحاسيس المختمرة من حبّ وألم وحزن و…
    وقد أشرتُ سابقاً إلى أني أرتجل الشعر في حالة لا أفهمها، ولا سيّما في حالة التأثر الشديد والانفعال والألم والحزن والإحساس بالقهر أو بالظلم… إذ “غالباً ما أستيقظ من نومي فأجدُني أردّد أبياتاً قد تصل الى حدّ القصائد”، فـ “كثيراً ما تؤرّقني وتقلقني أمور وشجون قبل نومي، وقد تصحبني أثناء نومي، فأستيقظ في هدْأة الليل، بعد مُنتصفه، وعلى لساني أبيات أو مقاطع أو قصائد لا أدري هل نظمتها في الحلم أم أتى بها الارتجال فور استقباله اليقظة…!؟”
    أما الشعر الذي أرتجله بناء على طلب من أحدهم فأجد أن الصنعة غالبة عليه، وأشعر بي حينئذٍ وكأنني أمثّل دور الشاعرة ولستُ الشاعرة نفسها!

عن موقع: فاس نيوز ميديا