ربما نفس هذه التساؤلات وأخرى تحيلنا على محدودية جسد الإنسان بل جعلت علماء واد السيليكون Silicon Valleyبمدينة كاليفورنيا، يعتقدون أن الإنسان يعوزه شيء ما «ils croient que l’Homme lui manque quelque chose لذلك فإن المقاربة الحالية للإنسان هي طرد جميع الأغلال وكسر حدود الغموض.
وقد استهـل هـذه المهمة الفيلسوف جاك دریدا، حيث أن هذا الاستهام fantasmele أي تجـاوز محدودية الجسد، ملأ الدنيا وشغل الناس منذ المغامرة الأولى للإنسان.
فعندما تناول الإنسان أول مرة العصا واتكأ عليها وحمى نفسه وقضى بها مـآرب أخـرى، في هذه اللحظة وجد الإنسان المزيد، حيث في هذه اللحظة الحاسمة لم يعد يعتمد كليا على جسده في حياته اليومية بل استعمل وسائل أخـرى أجنبية عن جسده فاستـزاد مـن قـوة جسده، وأضحى قادرا على الإتيان بأفعال لا يقدر عليها بدون تلك العصا، كتخريجة في هذه اللحظة التاريخية من تطور البشر ولد الإنسان المزيد.
فهذا الإنسان التجأ في هذه اللحظة إلى استعمال وسائل القوة الخارجية، لكونه كائن تسيطر عليه تجاذباتوأحاسيس الخوف والأمل للحصول على منسوب مقبول من الطمأنينة والسكينة والأمن.
إن الحضارة تبتغي محاربة الغموض، فكلما كانت الحضارة واضحة استمرت عبر التاريخ بمعنى تنتج الحكمة وتحاول أن تجيب على لغز المجتمع، ولعل أول محاولة لاستجلاء وتطويق حدود وحقل ومجال الغموض استهلها الفيلسوف جاك دريدا.
ويعتبر الدوس هكسلي Aldous Huxley كتابه حقائق العالم vérités du monde ، أول من تعرض لهذه الأطروحة، وكما تعرض المفكر ماكس مورMax More، الفيلسوف الإنجليزي و مؤسس extropyinstitut 2 سنة 1991 لنفس الأطروحة، بل وأسس معهدا متخصصا في دراسة الإنسان المزيد أو ظاهرة الإنسان المخترق أو العابر transhumanisme.
إن ظاهرة الإنسان المزيد أو المخترق أو عابر للإنسانية يحيل عليها باعتبارها نزعة أو اتجاه عقلاني، وحركة ثقافية تتوخى تحسين شروط العيش الإنساني بفضل مساهمات العلم والتكنولوجيا، فرواد هذا المعهد يسعون جاهدين إلى وضع الإنسان في أتون الحياة الذكية لكن بتوجيه وتأطير وتطويق بمبادئ وقيم سامية.
ويعتقد أن الجسد البشري محدود بل وضعيف مقارنة مع بعض الكائنات الأخـرى من حيث الضخامة والقوة والسرعة وحتى قوة ذبذبات الصوت (زئير الأسد مثلا) أو (حدة بصر الوشق مثلا) و(رهافة سمع الخفاش مثلا)، ففي هذه اللحظة الحاسمة في مغامرة الإنسان واجه مجموعة من التحديات والإكراهات التي كانت تحد من امتداد وقوة جسده، كحتمية المكان، وحتمية الزمان، حيث أصبح بفضل وسائل النقل يلتهم المساحات الطويلة في سويعات، هنا أضحى إنسانا مزيدا مكانيا.
فتقلصت ساعات السفر، فأضحى إنسانا مـزيـدا زمنيا. صوته يسمع وصورته ترى بفضل الهاتف فأصبح إنسانا مزيدا لحظيا. فقهر هذه الحتميات والإكراهات جعل منه إنسانا مزيدا يتميز ب:
- الإنسان المزيد omnipotent القاهر والقادر،فاستزاد من قدراته.
- – الإنسان المزيد العالمomniscient يعلم كل شيء، فاستزاد من علمه.
- – الإنسان المزيد الحاضر omniprésent الحضور المكتف، فاستزاد من كثافة حضوره.
هنا سيفضي المطاف إلى التكلـم عـن la singularité التفرد و هذه آخر تقليعة فكرية تفتقت عنها قريحة دعاة الإنسان المزيد. لعل ما يسم الإنسان هو جنوحه أو ميوله اللامشروط واللامتناهي للإبداع والاكتشاف والصنع، لدرجة أن هنالك من يتكلم بدل الإنسان العاقل homosapien هنالك من ينعته بامتياز بالإنسان الصانع homofaber ، بيد أن مع تراكم الإنجازات الصناعية للإنسان انتبه مجموعة من المفكرين بل واسترعي انتباههم مدى حدود الجسم ومـدى هيمنة الآلة في التأثير على الحياة البشرية، حيث هناك لحظات تأسيسية في تاريخ البشرية شكلت منعطفا حقيقيا صراع الإنسان والآلة:
سنة1950: نشر المفكر الان تورنغ Alain Turing ب حثا يتحدث فيه عن علاقة الإنسان بالآلة بل و طرح سؤالا تأسيسيا و هو عندما نتحدث مع صوت الآلة، ماهي اللحظة التي يعي فيها الإنسان أن محاوره عبارة عن آلة و ليس صوت إنسان، فكلما استغرقت المدة أو كلما طالت المدة ليعي الإنسان أنه يتحدث مع آلة، كلما هيمن الذكاء الاصطناعي على الإنسان، فمساحة هذه المدة الزمنية تعني هل القدرات البشرية الحسية قد تضاعفت أم قدرات الآلة تفوقت؟ – سنة 1956تم انعقاد مؤتمر دار تمـوت Dartmouth حول مجال ومدى تأثير الذكاء الاصطناعي للمواجهة المباشرة بين الإنسان والآلة وايذانا بفشل الإنسان وانتصار الآلة.
- 1994: هذه السنة تعتبر لحظة ومنعطف تاريخي في تجـاذبـات العلاقة بين الإنسان والآلةوايذانا بانتصار الآلة والسقوط المدوي للإنسان، حيث انتصر نظام DeepBleu 4 لعبة الشطرنج على البطل العالمي غاري كاسباروف GARRY GASPAROVوتأتي ذلك بالقدرة الفائقة لهذا النظام في الحساب بطريقة متناهية الدقة لتوقع تأثير لأي تحرك أو قرار. فهذا اللاعب ذو الذكاء الثاقب والحاضر البديهة، يستطيع التنبؤ بمآل 20 تحرك في هذه اللعبة، بينما الآلة تتنبأ بكل التحركات التي قد يقدم عليها اللاعبان.
- سنة 2005: طالما تبجح الإنسان أنه يمتاز بذكاء جغرافي بامتياز، لدرجة أنه وضع خريطة للعالم بل وحتى صنف التضاريس ودرسها وأفرد لها علما سماه علم الجغرافيا، لكن مع الإنسان الآلي سطانفوردstanfordrobot استطاع أن يقود حافلة في تضاريس الصحراء الأمريكية القاحلة والوعرة لمسافة 210 كلم بدون معرفته السابقة بالمنطقة وتضاريسها.
- سنة 2011: لحظة حاسمة أخرى في تراكم انتصارات الآلة على الإنسان، حيـث تـفـوق الكمبيوتر WATSON- IBM في اللعبة المتلفزة JEOPARDY التي تعنى بالثقافة العامة، وهذا يبين أن الباحثين كانوا يهدفون إلى تقدمهم في استيعاب و فهم الآلة للغة الطبيعية و التحليل السيميائي و هذا أسمى مرحلة في التعبير عن ما يسمى الآن: الإنفراديةLa singularité.
ففي هذه اللعبة يجب البحث عن السؤال الصحيح للجواب المطروح و ليس العكس، بمعنى أن الآلة امتازت و تفوقت في تدبير المعقد لامتلاكها قوة التحليل السيميائي مقارنة مع الثلاثة الآخرين المشاركين كين جينينغرKen Jennings و براد رات Brad Ritterبالطبع، فهذه الآلة قد اقتحمت عنوة المجال المحجوز للإنسان وهو إنتاج و فهم و تحليل المعاني بمقاربة سيميائية و هذا في نظري أقوى لحظة للكلام على الانفراديةla singularité – كما كانت سنة 2016 على ميعاد مع سقوط مـدوي آخـر للإنسان في مواجهة الآلة حيث انتصر Alphago على بطل العالم في لعبة go الصينيLee SEDOL من كوريا الجنوبية بمناسبة مباراة أقيمت في الصين، وقد تفاعل الباحث في المركز الوطني للبحوث العلمية CNRS ایف دومازوYVES DEMAZEAU حيث اعتبر أن انتصار الآلة في لعبة GO سیسم العقول والنفوس لأنها أعلى مرحلة من التعقيد وصل لها الدماغ البشري باختراعه لهذا اللعبة. فالتقدم العلمي المتسارع و الزيادة في قدرات الحاسوب وسعة المعطيات base de donnéخولت التعلم العميق للآلةDEEP LEARNING، فالآلة أضحت تتعلم من أخطائها و تحسن من أدائها بفضل التمارين التي تقوم بها في هذا الصدد، بعد انتهاء المباراة قال sedollee 2 الماضي كانت هنالك بعض الثغرات و لكن اليوم استطاع الذكاء الاصطناعي في لعبة تجاوز القدرات البشرية بفضل قدراته على الاستيعاب و طريقة الإدراك وتحسين أدائه، لا سيما على مستوى الحساب calcul فقوة الحساب و التنبؤ بالسيناريوهات شكلت أول نقطة فارقة بين القدرات البشرية والآلة، حيث بدأت الآلة تستقل عن الإنسان في رصد و تصحيح أخطائها، و لعل ما يثير الانتباه أن تاريخ المعرفة الإنسانية تقاس بلحظات تصحيح أخطائها و هذا أول استقلال لعقل البشرية بمعزل عن الطبيعة ( مثلا متى يفلح او متى يحرث و متى يزرع …).
أن تكوين الإنسان منذ جينيته يواجه عدة امتحانات أولها الامتحان البيولوجي، وحتى يكتسب حقه الإنساني لزاما عليه أن ينجح فيه، وحتى يكتسب درجة اجتماعية متميزة لزاما عليه أن ينجح في امتحان الانسجام الاجتماعي، وحتى يكون رب أسرة صالح لا بد أن ينجح * حسن تربية أسرته وهلم جرا مع الراعي ومع المربي ومع المعلم… باقتضاب فإن الإنسان ملخص لنجاحاته في مجموعة من الامتحانات ذات الطابع البيولوجي والاجتماعي وحاليا التكنولوجي.
و لعل علم التخلق Epigenitique سوف يضطلع بمهمة دراسة تأثير البيئة والمحيط على التعابير الجينية و على مسار تحولات عوامل الوراثة، و يبدع منتوج غير قادر على مراقبته و إدارته، بل و يؤثر فيه و يغير من مسار و تحولات حتى عوامل الوراثة حسب مقاربة علم التخلق.
فالسمك لا يحتاج إلى حدة البصر كالعقاب مثلا، والأسـود لا تحتاج إلى تسلق الأشجار كالقردة، فهذه الأخيرة لا تملك عضلات الأسود، والأسود لا تملك أعصاب القردة ولاستكمال عملية ارتقاء البشر جعلت المخ يحتاج للكيماويات لدرجة أن الدماغ أضحى آلة تطور نفسها.
فالزمن يختصر، الحياة تسهل، المعلومات تزيد، والمعرفةتتسع، كما قال المفكر محمد شحرور” مقومات الزمن العالمي الحالي الذي يتعايش فيه الإنسان المزيد.
لـكـن تـفـرد الإنسان بإنسانيته يجعل من الصعب بل من المستحيل أن ترصد و تستوعب وتدرك الآلة التعاملات الكيماوية بالشكل و الدقة والمعنى الذي يرصدها الانسان، لأن الآلة لها مرجعية فيزيائية كهربائية تقنية أما الإنسان إضافة إلى المجال الفيزيائي فهنالك مجـال محجوز للإنسانية وهـي التفاعلات العاطفية والكيميائية، فالبطل leesedol قد خسر 4 اشواط في مباراة watssen لكنه انتصر في الشوط الأخير بفعل التفاعلات العاطفية لأنه اتخذ قراراته عاطفيا أي بأعمال ذكائه العاطفي، والآلة لا تفهم منطق العواطف و التفاعلات الكيميائية التي يفكر بها الإنسان لذلك انتصر في الجولة الأخيرة، لأن الآلة لم تستطع أن تستقرئها و أن تجد لها حلا رياضيا في هذه المباراة.
الأساسية لهؤلاء الدعاة هو التعامل مع الموت كحالة طبيعية وقد قال قبلهم الفيلسوف مارتن هايدغر Martin Heidegger أن الإنسان كائن من أجل الموت” كما قالت حنا ارندنت Hannah Arendt أن الموت هو خاتم الإنسانية la mort est le cachet de l’humanité ولعل ما يجب التنبيه الـيـه، أن المغالاة والمبالغات والاستعمال المكثف للتكنولوجيا جاء ليصرع منا lexorcisme الخوف لاسيما الخوف من الوحدة، فالإنسان عندما يكون طفلا يخاف من أن يتخلى عنه وعندما يكبر يخاف أن يهمش و لايقبل داخل المجموعة التي ينتمي إليها، فهذا الخوف تم طرده و القضاء عليه بفعل تكنولوجيا الاتصال والتواصل، فلم يعد الإنسان يحس انه وحيدا وأعزلا في مواجهة المخاطر فتولد لديه إحساس مشترك أنه يتقاسم نفس العواطف ورد الفعل الصور والخـواطـر والانفعالات 2 نفس الوقت ، وهذا يقوي من أواصر التضامن والتكافل على الأقل في العالم الافتراضي. لكن من المفارقات أن الآلة قتلت فينا الخوف لكن ولدت لنا احساس جديد بالرهاب ويسمى الـيـوم الخـوف مـن فـقـدان الهاتف الجوال la nomophobie، ومن المفارقات كذلك أن إحساس الإنسان بالرهاب، قد انتقل من الرهاب الجغراية (الخوف من المرتفعات l’acrophobie) والأماكن الضيقة la caustrophobie إلى arachnophobie الخوف منالعنكبوت.
فتاريخ الرهاب الإنساني انتقل من الجغرافية باعتباره كان جاهلا بالأماكن التي كان يعيش فيها، مرورا بالرهاب الحيواني باعتباره كان جاهلا بطبيعة هذه الحيوانات هل هي أليفة أو مفترسة، إلى الرهاب التكنولوجي لأنه اضحى يواجه التفرد وفقد القدرة على الفعل بدون
مساعدة من الآلة. فهذه التكنولوجيا تعتبر أكبر عدو للإنسانية لأنها تقـتـل فـيـنـا الإنسان، بتعبير الفيلسوف Spinoza تقتل فينا القدرة على فعل الفعل، على التخيل على ترجمة أحاسيسنا
إلى لغة. فعلاقتنا بالمكان أضحت جد ضعيفة وتكاد تكون منعدمة، لأننا تنازلنا للذاكرة المكانية التي سمت الإنسان وشكلت شخصيته إلى نظام تحديد المواقع GPS، فعندما يدخل أي مدينة أضحى لا يتذكر معالمها وشكل طرقاتها وهذا التذكر هو سمة أساسية صرفهحيث نبدع ونستوحي الذكريات باعتبارها أحد الحوامل المهمة لهويتنا.
فالإنسان منذ أول تحركه وانتقاله اعتمد بشكل تام على ذاكرته، حيث استوعب واستبطنوتماهي مع مناظر الجمال الشامخة التي تحيط به، وهدير مياه الوادي وصعوبة المسالك التي يسلكها، كل هذا لم يعد يشكل حيزا مهما – ذاكرته الجماعية وحتى الفردية لينتقل من تضامن إنساني إلى تضامن افتراضي يمر عبر لوحة الهاتف المحمول.
فشخص أعجب بفتاة،فاستلطفها بلغة لا يتقنها فاستعان بهاتفه المحمول لترجمة عواطفه، هل أسلوب المناولة هذا كاف لترجمة عواطفه عبر التكنولوجيـا فـهـذا مـوت آخـر لعاطفته الحقيقية، فهذه التكنولوجيا عززت فينا الخمول والكسل بل وتبنينا قانون الأقل
فـالمـصــعـد والـــلـم الـكـهـربـانـي والسيارة والهاتف… كلها قتلت الإنسان وعملت على تفويض الإحساس بالتعب الى التكنولوجيا sous traité la fatigue وتفويض الإحساس بالآخر، سيعلن نهاية الإنسان ليحل محله الإنسان المزيد.
لعل ما يسم إنسان الزمن الحالي أو بالأحرى الإنسان المزيد هو أننا سابقا عندما كنا نستوعب معلومة او نعرف خبرا، كنا نتذكر أين و كيف ومتى وحتى الملابسات والظروف المحيطة، أما اليوم فإنه حسب ايلون ماسك Elenmusk هنالك شريحة Puce تلصق على الدماغ فكانت الحياة تدار بالدوس على زر انطلاقا من قرار اتخذ من قبل الإنسان، أما مع الإنسان المزيد فان الحياة تدار بمجرد التفكير و يتخذ القرار بدون الحاجة الى الدوس على الزر لأن الزر فينا، أو بعبارة أخرى تعطلت الأزرار ليصير الإنسان ككل تتفاعل فيه العواطف و الأحاسيس و الخواطر و الانفعالات و القرارات بشكل ذاتي، بمعنى لم تعد القرارات تتأثر بالانفعالات الخارجية، وإنما الإنسان هو انفعال و خاطرة في نفس الآن، ففقد الإنسان صفة الموضوعية و البناء مع الموضوع ن بل أضحى يسم هذا الإنسان المزيد هو الزيادة ي حضوره بشكل مكثف في أكثر من مكان ← نفس الزمان بفضل التكنولوجيا، مثلا كاميرا الهاتف المحمول حيث يتواجد 4 كل مكان و ← حينه. كما أن مدى صوت الإنسان المزيد أضحى يصل لكل أنحاء العالم في نفس اللحظة، بمعنى أن الإنسان المزيد أضحى كائن واسع الانتشار ubi puissanceوالتواجد في نفس الزمان وي كل مكان لحظيا وفوريا بفضل السيولة المتشابكة من التدفقات fluidité synaptique حيث تغير التعامل مع مفهوم المكان، وأضحى المكان يأتي عند الإنسان وليس العكس عبر تقنية ثلاثية الأبعاد والإرسال المباشر فلم يعد المكان يشكل حتمية جغرافية، فالإنسان المزيد تجاوز الحتمية الجغرافية بل لم تعد تشكل له بعدا ع آخر لتمثل نفسه.
وهـذا الإنسان المزيد في زمـنـه هـذا أضحى مفهوم الملكية من طابعه المادي إلى طابعه الافتراضي، حيث أن أكبر الشركات العملاقة لا تملك أي ملكية مادية مثلا شركة UBER للنقل لا تملك ولو سيارة وشركة airbnb لا تملك ولو شقة واحدة أو منزل أو فندق.
فالإنسان المزيد أضحى يتمتع إضافة إلى الملكية المادية إلى ملكية افتراضية، وربما أضحى أكثر غنى من ذي قبل و لعل ما يجب التنبيه إليه كذلك أن مفهوم العمل tripaliumعبارة عن عقوبة ووسيلة للتعذيب لشخص اقترف جريمة، لينتقل مع العهدين الدوليين + 1966 إلى حق من حقوق الإنسان، حيث أن العمل يتطلب الانتقال إلى مكان معين ( مصنع، مكتب، ضيعة …) لساعات معينة، أما الآن مع الإنسان المزيد يمكن أن تعمل من منزلك لساعات من اختيارك و هذا سيغير لا محالة من قانون الشغل ومن طبيعة التعامل مع العطل الأسبوعية والسنوية أي التأثير على مفهوم الراحة و الاستجمام، بمعنى أن الإنسان المزيد ستتغير عنده الإعدادات القبلية حول تنظيم حياته الاجتماعية ليعبر إلى إعدادات جديدة تتماشى مع الزمن الجديد للإنسان المزيد.
ويبقى مجال الغموض من احتكار الانسان بامتياز، فهل يستطيع الذكاء الاصطناعي التفرقة بين البيضة وكرة المضرب، ليس فقط من حيث الشكل لكن من حيث الاستعمال والطبيعة؟
فعدم إدراك الذكاء الاصطناعي لخصوصية كرة المضرب والخصوصية البيضة ستبقي حتميا هامشا كبيرا للغموض، و بالتالي ستبقى الإنسانية متحكمة + زمام الأمور ما دام الغموض يحد من أداء الذكاء الاصطناعي.
بقلم : مصطفى الحارثي باحث في الأنثروبولوجيا السياسية
المصدر : مجلة بيت العرب