بقلم: أيوب العمري
نعم يستحق أسود الأطلس استقبال الأبطال ، وحفاوة تتيح مساحة رحبة بكل ألوان الاحتفال وبكل صور الإشادة والتقدير للتعبير عن الاستحققات الرائعة والإنجازات التاريخي التي حققها هؤلاء الأسود بشكل استثنائي فريد.
فمما لا يختلف عليه اثنان، أن الإنجاز الذي حققه المنتخب المغربي في مونديال قطر 2022 يعتبر إنجازا تاريخيا بكل المقاييس مقارنة بالمنتخبات الإفريقية والعربية إذ يعد الأول الذي سار بعيدا عن الركب ليحتل المركز الرابع عالميا متفوقا حتى على العديد من المنتخبات العالمية الرائدة كرويا (كبلجيكا وكندا وإسبانيا والبرازيل انجلترا ..)
تبدأ قصة التحدي وتحقيق هذا الإنجاز من تواجد المغرب في مجموعة صعبة أطلق عليها “مجموعة الموت” فلم يكن أحد يراهن على وصول المنتخب المغربي حتى إلى الدور الثاني إذ كان ذلك يستلزم إلى حد ما التفوق على بلجيكا (صاحبة المركز الثالث في مونديال روسيا 2018 ) وهو ما اعتبر مهمة مستحيلة لكن المغرب أثبت ذاته مبكرا كرقم صعب بالتعادل مع كرواتيا والفوز على كندا ثم هزيمة بلجيكا بجدارة واستحقاقثم الفوز على رأس الحربة في المونديال إسبانيا وقبلها البرتغال.
لم يكن الطريق سهلا أبدا للمغرب فبعد تجاوزه لمجموعة الموت وجد اسبانيا بطلة كأس العالم سنة 2010 في انتظاره ما جعل مهمة المغرب مستحيلة أيضا إلا لكن أسود الأطلس سيروا المباراة بشكل بارع أبهر العيون وأثبت جدارة اللاعبين و حارس(بونو) لا يضاهي في الحراسة والصد فحقق المغرب على اسبانيا فوزا تاريخيا باستحقاق ليضرب موعد تاريخيا آخرمع البرتغال في دور الثمانية وكان موعدا أتاح لأسود الأطلس الانتقام لهزيمة ( مونديال روسيا 2018 على يد البرتغال بهدف نظيف ) وما شاب ذلك من ظلم تحكيمي يومها .
وخاض المغرب مع البرتغال مباراة خوض الأسود فعلا توجت بقفزة تاريخية من يوسف النصيري سجل بها هدفا برأسية أصبحت مادة للدراسة في فن الكرة العالمية وبتلك القفزة التاريخية قفز المغرب بعيدا في الإبداع الكروي وحقق نصرا مستحقا على البرتغال خرج على إثره لاعبوا البرتغال في ذهول وحيرة ترجمتها دموع كريستيانو المؤثرة. ليكون بها المغرب أول منتخب عربي وإفريقي يصل إلى النصف النهائي.
نعم تلقى المغرب خسارتين في الأخير أمام فرنسيا ثم أمام كرواتيا بعدها لكن ذلك ما كان ليحدث لولا أخطاء شنيعة ارتكبها الحكام في واضحة النهار حرمت المغرب من الوصول إلى النهائي
فحتى مع إصابة العديد من اللاعبين الأساسيين خصوصا لاعبو الدفاع إلا أن الإنهاك والإصابات لم تكن السبب المباشر في إخفاق المغرب أمام فرنسا وكرواتيا وإنما إخفاق الحكام في إعطاء استحقاقات واضحة لمنتخبنا منها ضربتي جزاء موثقة بالصورة الواضحة ما كان لحكم المبارة وحكام (الفار) أن يتجاهلوها أمام أنظار العالم لقد كانت فضيحة بكل المقاييس تناولها الإعلام العالمي قبل ان يتناولها المغاربة.
إذن الهزيمة أمام فرنسا لم تكن مستحقة بكل مقاييس التحكيم الكروي وهي على هذا التوصيف لن تمنعنا من الافتخار والاحتفال التاريحي بهذا المنتخب الرائع و الشغوف والطموح إلى البلوغ للقمة ما حققه من إنجاز جعل المغرب منارة تسطع اكثر في عالم الإبداعي نعم يتحق الحفاوة كما لو أنه فاز بالكأس فعلا.
لقد أشاد بهذا الإنجاز رؤساء وسياسيون وعباقرة الكرة والشخصيات المعنوية من كل دول من أمريكيا وأوروبا وإفريقيا وغيرها واهتزت العواصم والمدن في العالم العربي والإفريقي نشوة بالنصر وأشادوا بأسود الأطلس إشادة لم يحزها أي منتخب عربي او إفريقي قبله .
يجب أن نقف إجلالا لهذا الانجاز الرائع و للاعبين والمدرب الرائع منير الركراكي وطاقمه الفني والطبي والجامعة الملكية على المجهودات التي بذلتها برؤية استراتيجية رسمها جلالة الملك محمد السادس وترجمها واقعا بتدشينه أكاديمية رائدة في هذا الاتجاه هي أكاديمية محمد السادس لكرة القدم سنة 2010 التي تخرج منها العديد من المواهب التي كان لها الدور الأبرز في صناعة الفوز والفرجة في مونديال قطر 2022
لم يتوقف الأمر عند نجاح المغرب كفريق وكجامعة رائدة لكرة القدم في هذا المونديال وإنما كان هذا العرس الكروي فرصة ليبرز فيها اللاعبون المغاربة مهارات عالية أبهرت العالم حتى أصبح الفريق محط اهتمام المدارس الكروية بل جرى الحديث عن تدريس طريقته في اللعب بروح الفريق وتحقيق هذا الإنجاز.
ولم يتوقف النجاح والإبهار عند هذا الحد فقد أعطى لاعبو المنتخب دروسا في القيم الإنسانسية والأخلق الرياضية في التعامل مع الآباء والأمهات فبعد إنتهاء كل مبارة كان اللاعبون بقيادة المدرب والطاقم يتجهون إلى الجماهير أولا لتحيتهم وشكرهم بحماس على التشجيع والمساندة ثم لا ينسون فضل الله عليهم فيسجدون حمدا لله وشكرا له على تأييده وتوفيقه وبعد الانتهاء يتجه كل لاعب إلى أمه أو أبيه ليحتفي معه بالنصر بحماس منقطع النظير في مشهد شد أنظار العالم وأثر بشكل بليغ على الجمهور والمتابعين من كل مكان وأثار حفيظة الإعلام الغربي حتى قال إعلامي ألماني :(لقد تعلم المغرب منا كرة القدم وفاز علينا وهو بهذا السلوك الاجتماعي حين يحتفل مع والديه بهذه الروح العظيمة أمام العالم يعطينا دروسا في المعاملات الأسرية نفتقدها نحن بتكففنا الأسري ودعمنا للشذوذ ورمي أمهاتنا وآبائنا في دور العجزة ) .
لا ننسى هنا أن أكاديمية محمد السادس لكرة القدم كانت بمثابة الـبقونة السرية لصناعة هذا النصر أو على الأقل المساهمة بشكل فعال في تحقيقه فهي الورقة السحرية في هذا المونديال والتي تخرج منها لاعبون أبهروا العالم منهم الأسطورة الصاعد عزالدين أوناحي الذي أشاد به مدرب المنتخب الإسباني لويس أنريكي وأبطال اللعبة حيث قال ” أكثر من فاجأني هو اللاعب رقم 8، وآسف لأني لا أعرف اسمه، يا إلهي! من أين خرج هذا الفتى! كان يلعب بطريقة رائعة، ولم يتوقف عن الركض أبدًا، فاجأني بمستواه الرائع ”.ويوسف النصيري الذي سجل هدف الفوز على المنتخب البرتغالي بعد رأسية (فاسية) من خلال قفزة عالمية أبهرت العالم وتناولتها القنوات العالمية بالتحليل العلمي والقياسي بالإضافة إلى صخرة الدفاع نايف أكرد والذي يعتبر أغلى مدافع أوسط في قارة إفريقيا.
وبالإضافة إلى هؤلاء أبان اللاعبون الآخرون عن عبقرية في الأداء حيث قدم الحارس ياسين بونو مشاهد كروية في الحراسة أصبحت فعلا مجال حديث الجميع حتى رشحت تقنياته في الحراسة لتدرس في أكاديميات كرة القدم .وأبان بوفال و زياش وحكيمي وكل اللاعبين عن فنيات عالية وعالمية سواء على المستوى الفرد أو اللعب الجماعي صنعت هذا النصر التاريخي المستحق
لقد استطاع المدرب العبقري وليد الركراكي صناعة فريق منسجم في ظرف وجيز رغم الإنتقادات ,ولمساته العالية ظهرت جليا في المباريات الودية الأولى الذي أكسبه ثقة الجميع مبكرا حيث استطاع أن يضع خططا فنية عالية الجودة ومناسبة لكل فريق خصم حسب تكتيكه الكروي واستطاع مع ذلك أن يغرس الروح القتالية والروح الوطنية في نفوس اللاعبين وروح اللعب الجماعي (الفرد للجماعة الجماعة للفرد) ، ماجعلهم يشاركون بكل مهارة وصمود دون كلل أو ملل رغم الإصابات وهو ما كان مفتقرا بالفعل قبل قدوم هذا المدرب الرائع وفريقه التاريخي.
الشكر لهذا المنتخب الرائع والإطار الوطني الركراكي وكل القائمين على الفريق، لقد صنعوا جميعا الفرجة الرائعة والمتعة الاستثنائية والفوز التاريخي والأمل للأجيال كما صنعوا التاريخ أيضا وهو إنجاز تفخر بها القارة الإفريقية برمتها والعرب أجمعين .
لذلك فاستقبالهم باحتفال تاريخي يناسب ما قدموه من جهود وما أنتجوه من نتائج ومفاخر أقل ما يمكن فعله لتأريخ هذا الحدث فإذا كان الأرجنتين فاز بكأس المونديال وفرنسا توجت بالرتبة الثانية فإن المغرب حقا فاز في هذا المونديال باهتمام العالم سرق أنظاره وقلب موازين المونديال ليضع المغرب والعرب وإفريقيا في الريادة .
عن موقع: فاس نيوز ميديا