مشكلة مكناس هو الاختزال في أنماط ثقافية تُمَاثل فولكلور البهرجة والسياحة. تهديدات مكناس المستعصية أن المدينة لازالت تحفر في صخر الإرث والآثار، ولحد الساعة لم تحصل عَمَّا فقدته من مدفونات الماضي. فُرص مكناس لنهضة تنموية رزينة تفقد توازنها مرات عديدة في مهرجانات استهلاكية وندوات شكلية، وقد يطفو الكل على السطح المستعصي بالخسران عند لحظات صياغة استراتيجيات البدائل الممكنة بلا ضجيج، وبلا أثر عصي في الأداء. ضجيج سلبية الحركة لن يزيد المدينة جمالية في أناقة ثقافتها، بل يتم تكريس أنواعا من الزعيق الفاتن عبر محسنات الصوت.
حين سئل رسام فطري عن الفن التجريدي، كان جوابه بريئا من المحسنات اللغوية هو (الشخبطة) المتنوعة!!. من تم نكرر دون ملل أن ثقافة المواسم والافتتاحات والأعياد والمهرجانات وصالونات الندوات المفتوحة والمغلقة، لن تجدي جدية الثقافة واليقظة النظيفة بالمدينة، فهي باتت تشابه سلسلة مسلسل مأساوي (تركي) ينتهي بقبلة (سامحيني يا مكناس) !! فحين أصبحت ثقافة النقاشات الأدبية والفنية والندوات المهنية توازي لحظات من تكريمات (أمولا نوبة)، فاعلم علم اليقين أن المدينة تضيع ذاكرتها الثقافية كهوية حصرية، وباتت المدينة تُسوق مجموعة من العلامات الرخوة،تشابه الفقاعات المتناثرة على أرض مكناس المنهكة بالتردي والنكوص.
ليس من العيب أن نعلن أن مكناس فشلت ثقافيا ولما لا نُجْمل القول في التنموي، لكن العيب في تغطية عين الشمس الحارقة للمدينة بغربال مشوه ونقول: بأن الحياة الثقافة والفنية والسياسية والتنموية بمكناس بألف خير. فُزِعْتُ ومن معي، بأن تصبح الثقافة بالمدينة تماثل إلهاءات (الفقاعات التمويهية)، ونماذج بخسة من (روتيني اليومي) بتأثيث قاعة بالحضور ومنصة خطابة وتكريمات مستفيضة، وتبادل في الابتسامات والقبل والصور والميكروفونات والتحفيز (أنت السيد)!! فَكَرتُ بالشدة حين عثرت على إعلان عاثر للمهرجان الوطني للمسرح بمدينة تطوان في دورته (22)، أثارني الملصق وصفقت على رجالات المسرح (الشداد في الشكلية والفهامة) بمدينة مكناس، و هم بلا حركة صوت نيام. رجالات (إرث وآثار) حين استكانوا للأمر الواقع ولن يجادلوا الوزارة الوصية خوفا من حرمانهم من (الريع حلال) خاصة الدعم المغري والمسيل للعاب اللعب على حبل الركح المسرحي. وقفت على التراكم الكمي للمهرجان الوطني للمسرح بمدينة المنشأ، وحين اشتد عوده تم تدويله في الكلام، ثم تهجينه بالهجرة (الحريك)، ولم يقدر بعدها أحد أن يقول (عار عليك أوزارة الشباب والثقافة والتواصل، ردي ملتقى المسرح الوطني لمكناس ).
مدينة تشابه كتاب (إرث وآثار)، فمكناس تبكي حضها العاثر في وقفات مصورة أمام سينما الملكي أو الأطلس، على اعتبار أنهما من الذاكرة الجماعية المشتركة لجيل (بروسلي وجاك إيشان) فما أبخس النضال وترتيب أولويات هوية المدينة!! مدينة جزء من كتاب عالمي (إرث وآثار) لم تتعلم بتاتا من ماضيها، وبات الحاضر فيها لا يرحم تنمية مستقبلها. مدينة (إرث وآثار) تحمل تطريزات سياسية بسبع ألوان، ولن يفك (البلوكاج) العصي إلا بقرار فوقي من وزير الداخلية بالصفة والمسؤولية و(انتهى كلام البلوكاج). مدينة (إرث وآثار) تتوارث فيها الحفر والمطبات المتنوعة، ويتآلف فيها المختل والعاقل والسياسي والنفعي بلفيف عدلي (هاذي ديالي والأخرى من حقك…). مدينة (إرث وآثار) تجلس متكاسلة بآلام السقطات المدوية في الصفوف الخلفية. مدينة (إرث وآثار)خجولة كسولة، متناثرة الأفكار بالتشتيت، ومتناقضة الأحكام، وبقي علماء السياسة والثقافة والفن في لغة عالقين (بلا…بلا) وقابعين بسرير التنويم التسوفيفي. مدينة (إرث وآثار) موطن الغُفل (كناية فقط) ولا يخشى شرها الانتفاضي بتاتا بقول (لا) والمطالبة بالكرامة والعدل التنموي.
مكناس ومُدوِنُ كتاب (إرث وآثار) تكون بحق ضحية إخوة يوسف عليه السلام (61)، فلم يقدر أحد على إشعال شمعة نور، ولعنة الظلام ثلاثا وعلى اليد اليسرى لعنة لشيطان (البلوكاج) المميت. مدينة (إرث وآثار) تحمل التراكم التاريخي بنخوة، والصيرورة الاجتماعية بشهامة، وتتفنن حاضرا في صناعة سادة وأسياد القطائع بين الحاضر والمستقبل. مدينة (إرث وآثار) قريبة من المركز الحاكم والمتحكم، وهي في حكم (المغرب العميق) عن تنزيل قرارات التصويب والتعديل، وترفض أن تحتسب من مدن الامتيازات. مدينة مؤلف (إرث وآثار) لا يقظة ولا أمل في التغيير آنيا آت، ولا نقاش نظيف وهادئ بلا ضجيج وفقاعات زبد من مياه (صهريج سواني) الفارغ والمحطم للتثمين. مدينة (إرث وآثار) تحسن التكريمات والصور وتناقل الميكروفونات، ويغيب عن ممثليها حمل همِّ حياة مكناس كرها، لحظتها يضيع الناس والزمن والمكان في (شَدْ لِي نَقْطَعْ لَيكْ حَقَكْ).
عن موقع: فاس نيوز ميديا