حوار الكاتبة والناقدة الأردنية الدكتورة جميلة الكجك. د.فاطمة الديبي /ذ نصر سيوب “أحب التحليق”

أجرى الحوار: د.فاطمة الديبي /ذ نصر سيوب

  • “أحب التحليق”: وأنا أحلق مع كل كلمة أقولها، أحب التحليق أكثر من الرقص أو المشي، وكم أحب أن يرافقني قارئ كلماتي ذاك التحليق في فضاءات أود أن تكون خاصة بي لم يسبق لغيري أن حلق فيها، وكم أحب أن أطرق المجهول من تلك الفضاءات!
  • “هوايتي”: هوايتي التي لا ولن أمل منها هي المطالعة.
  • “علاقة الإبداع بالهوية”: إذا علمنا أن هوية الإنسان الثقافية تتشكل من خلال هويته المحلية ممزوجة بكل ما طالع واستقر في أعماقه وما مر به من خبرات وتجارب، وما حصل من علوم ومعارف، وحتى ما عارض ورفض. كل ما سبق له تأثيره على شعره خاصة وكتاباته عامة. فلن تستطيع أن تعزل المبدع عن مكوناته الذاتية، بل إنك تستطيع أن تستشف هويته الذاتية من خلال شعره وكتاباته، كما تستطيع أن تستنتج قيمه ومبادئه، ما يؤمن به، وما يوقره وهكذا إلا إذا كان متصنعا وغالبا لا يكون الشاعر متصنعا بل يقول ما يقوله عن أصالة.

-” ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﺬﺍتي ﻭﺍﻟﻤﻮﺿﻮعي”: الشاعر وهو يكتب عن مشاعره ويعبر عن ذاتيته بكل الصدق فهو يعبر عن تجربة إنسانية يشترك بها معه كل من مر بها. وهو إذ يتخذ موقفا ما إن هو إلا يسجل مواقف أمثاله منها. وهو أي الشاعر عندما يكتب الشعر فهو يحول الذاتي إلى موضوعي ينفصل عنه انفصالا جزئيا من خلال كينونة القصيدة التي أصبحت هي ذاتها موضوعا له أو لغيره، وهو يهضم الموضوع في ذاته ليتنفسه قصيدة وكذلك الأديب والفنان.

  • “وظائف الشعر”: بالتأكيد الشعر هو من الأدوات الثقافية إلى جانب كونه جمالا نتمتع به، وأهم وظائفه هي القدرة على التأثير على قارئه. وأهم تأثير يمكن أن يكون هو أداة تغيير إلى ما نصبو إليه من قيم نود أن تسود في مجتمعاتنا.
  • “قصيدة النثر”: الشعر أداة ثقافية مثلها مثل أية أداة ثقافية أخرى تتأثر بالتطور الذي يحدث في الثقافة ذاتها المحلية والعالمية، ونحن لسنا بمعزل عن العالم وخاصة في ظل كل هذا الانفتاح على فضاءات الثقافات قاطبة. والتطور حق مشروع، فإذا ما سادت قصيدة النثر هذا العصر سيادة تقاسم فيها قصيدة الشعر الموزون، وأثبتت جدارتها والتزامها بشروط الشعر كافة إلا الوزن فهذا يدفعنا إلى الاعتراف بها خاصة أنها تؤدي ما عليها من مهام جمالية وثقافية في المجتمع، وقد تتجاوز قصيدة الشعر الموزون أيضا، عندئذ لا يصح الاعتراض عليها.
  • “قصيدة العمود”: قصيدة العمود ليست عاجزة عن مواكبة التطور كما يظن البعض لكن الأذواق تغيرت، ولو لم تتغير هذه الأذواق لتطورت قصيدة العمود لتواكب أي تغير يحدث فإرادة التغيير هي الأساس وليست الأداة.

ألم تكن قصيدة العمود قد واكبت سائر الموضوعات الثقافية كافة خلال العصور؟ فلِمَ نتشكك في هذا؟ أليس في عصرنا الحالي قصائد تناولت الموضوعات السياسية؟! فأين نضع أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، ومعروف الرصافي، وجميل صدقي الزهاوي، وعلي محمود طه، وأبو القاسم الشابي، وإبراهيم طوقان، ومحمد مهدي الجواهري وغيرهم؟ المشكلة في الأذواق وليس في القصيدة العمودية.

  • “الأوزان الخليلية”: الأوزان الخليلية تقيد الشاعر نوعا ما، والشاعر المتمكن يستطيع التعامل مع هذه الأوزان بكل كفاءة، لكن التطورات التي طرأت مؤخرا على كيفية النظم جعلت كتابة القصيدة أكثر سهولة وأيسر، والنفس الإنسانية ترغب بذلك اليسر وتطلبه خاصة إن كان يواكب ما هو عصري، ويتوافق مع التحديثات التي طرأت على كافة المجالات الأدبية والحياتية، والشعر ليس بمعزل عن واقع الأحداث والناس وأذواقهم.
  • “الغثّ أكثر من السمين”: الفن بكافة ألوانه وأشكاله هو جسر يقيمه المبدع بين ثلاثة محاور، نفسه وما يعتمل فيها من مشاعر ومجتمعه وما يجري فيه من أحداث والإبداع الذي ينتجه، فقد يكون الفنان قيمة بحد ذاته فينتج إبداعا متميزا يكون قمة في التعبير كما حدث مع درويش ونزار قباني ومظفر النواب وغيرهم، وقد يهبط إلى ما دون ذلك بكثير. لكن لا يخلو عصر من العصور أو فترة من فترات الزمن من أولئك العمالقة، وفي أيامنا هذه التي نعيشها أقول أن نعم الغث في الأدب أكثر من السمين.
  • “تدنيس الثوابت وتمجيد الهامشي”: كيف يمكن أن يجتمع ما هو جميل مع تدنيس الثوابت أو تمجيد الهامشي؟! نحن أمة لها ثوابتها التي إن تم تدنيسها فقد العمل الإبداعي جمالياته، وأهم ثوابتها إيمان بمبادئ ديننا الحنيف وأخلاقيات رسولنا الكريم، وما عدا ذلك يمكننا أن نتعامل معه على أنه من تراث البشر يمكن تعديله أو حتى التخلي عنه إن لم يعد يخدم الإنسان أو يرتقي به.
  • “التقليد والتجربة الشخصية”: الشاعر يقدم تجربته هو ومهما كان مقلدا لغيره فلن يقدم إلا تجربته الخاصة كما هي، كما يتمكن من صياغتها لا أكثر ولا أقل.
  • “النقد الأدبي”: بالنسبة للنقد الأدبي فأنا أرى أنه لم يتمكن من مواكبة الإبداعات الشعرية الحديثة، فالفكر النقدي هو أضعف إبداعات الثقافة العربية المعاصرة وعلى كافة الأصعدة.
  • “أهمية الشعر”: يمكننا اعتبار الشعر من أدوات استشعار لطموحاتنا إلى المستقبل لكنه ليس هو المركز، إذ أرى أن البحث العلمي هو مركز الاستشعار وأداة تحقيق الطموح إلى المستقبل الذي نطمح إليه. لكنه أي الشعر هو بالفعل من أهم ضرورات توازننا الروحي ولكنه يأتي بعد الدين وفهمنا السليم لنصوص هذا الدين وقيمه ومبادئه.
  • “وَهَج الشعر ومكانته”: أعتقد أن التحولات الثقافية والمعرفية والتقنية التي هبت على العالم في العقود الأخير لم تنل من الشعر ومن وهجه الساحر، بل بقي له وهجه كما هو، فالشعر حاجة نفسية وثقافية لا يمكن الاستغناء عنها في أي حال من الأحوال، ومهما هيمن غيره من أدوات ثقافية سيحافظ على وجوده وإن بدا تراجعه قليلا عما كان عليه سابقا. وما نرى من شعر ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وشعر يصدر في مطبوعات ورقية يؤكد ما ذهبت إليه.          
  • “أزمة الشعر العربي”: كل ما صدر من دراسات عن وجود أزمة في الشعر العربي المعاصر لم تكن بالشمول الذي يمكننا من الحكم، ولا هو بالدقة التي تجعلنا نطمئن لهذه الآراء اطمئنانا تاما. المسألة تحتاج إلى دراسات مطولة وعديدة ليكون الحكم صائبا.

عن موقع: فاس نيوز ميديا