محسن الأكرمين.
مظاهر تُلْقي بِغَيماتها السوداء على مدينة مكناس. مظاهر تتنوع من حيث الحدة والقوة والتردد. ففي ظل وضعية مكناس غير المحصنة بسياسة التمكين والتنمية الأفقية، تَبْرز مظاهر الانتحار، والتسول، والتشرد. قد لا نُلْزِمُ رأينا بأن مكناس هي الوحيدة التي تحتضن هذه المظاهر الاجتماعية، بل نقول: بأن هذه الظاهرة الاجتماعية تَعُم الوطن، لكن بمكناس لها ذات السبق والتطور السلبي.
ظاهرة الانتحار:
تتباين مُعدلات الانتحار بمدينة مكناس من حيث احتساب الأشدَّ قلقا، وتَبِيتُ ملفتة للنظر والتساؤل من وقت لآخر. ففي بحر أسبوع واحد اهتزت المدينة على وقع ثلاث حالات انتحار في مثلت جغرافي متقارب (البساتين/ حي السلام/ ديور التازي). قد تختلف العوامل الاجتماعية والمرجعية لقرار الانتحار ، لكن الانتحار يَسْلبُ الحياة لشريحة من مجتمع الهشاشة النفسية والمادية، والتي تكون مؤهلة في أي لحظة على الاستسلام للانتحار.
فقد أُعرفُ الانتحار أنه (أشجع قرار يتخذه الإنسان في حياته). فإذا كان (إيميل دوركايهم) عالم الاجتماع الفرنسي، قد أكد على أربع بوابات مؤسفة للانتحار: (الانتحار الأناني (غياب الاندماج/ الفردانية المفرطة)/ الانتحار الإيثاري (في المجتمعات ذات التكامل العالي/ الحاجيات الفردية أقل أهمية)/ الانتحار المعياري (اضطراب ضوابط المجتمع)/ الانتحار القدري (في المجتمعات القمعية)). فإن سلسة انتحارات مكناس، ما هي إلا انعكاس سلبي لكل تلك الضوابط الاجتماعية المعيارية المضطربة.
من نهاية ملف الانتحار فتح محضر تحقيق مغلق، لا يتم الكشف عن الأسباب لأخذ العبرة، ولما لا حتى الاستباقية للحد من هذه الآفة. من غياب المساعدة الاجتماعية (الرسمية) والمدنية، والدعم النفسي، تبقى ظاهرة الانتحار مغلفة بأسباب اجتماعية ونفسية متحركة، في حين يمكن أن تزيد وبقوة نحو غياب الأفق الانتظامي.
التسول:
من الملاحظات التي تحضر كل واحد منا وهو يتصفح المواقع الاجتماعية، كثرة طلبات المساعدة، و توسل استجداء العون، والتطبيب العنائي. لن نناقش الأسباب التي دعت إلى بروز هذه الظاهرة وبزيادة، فأسبابها كثيرة ولن نخرج منها في أسطر معدودات، ولكن أقول: أن أعراض (ظاهرة التسول الاليكتروني والحضوري) فضحها كم الهشاشة التي تحتل أكثر من ثلاثة أرباع من ساكنة مغرب الحاضر(الشعب جله باغي يتسجل في السجل الاجتماعي).
نعم، هي مظاهر في مملكة الفوارق الاجتماعية (الفقر والعوز)، ويبدو الفقر حد الكفر. حقيقة مُشكلة، لما لا تفكر الدولة في تخصيص وزارة جديدة يطلق عليها (وزارة الإحسان والبر الاجتماعي). نعم، وزارة تتدخل بالسجل الاجتماعي الجديد في سد حاجيات الفقر المتزايدة. وزارة تشتغل على الفقر والهشاشة، وتوزع الرعاية الاجتماعية. وزارة تُغْني المغاربة عن إعلان عجزهم وحاجتهم للدواء والتطبيب وعيادة المستشفى في المواقع الاجتماعية (التشهيرية). وزارة (سيادة) تتكفل باليتم والأرامل والمطلقات والهشاشة. وزارة تُلْغِي قفة رمضان، وأكباش العيد الانهازية، وختان الصناديق الانتخابية. وزارة لتوزيع البر وخيرات الوطن بالعدل والمناصفة.
هي فكرة عن وزارة (الإحسان والبر الاجتماعي)، يكون وزيرها يعيش بين الفقراء ومن الفقراء الوطن غير الوصولي، ومن بين مواطني أحياء التهميش والهوامش. يكون وزيرها يختص في الفقر ووضعيات الإعاقة الاجتماعية الكلية. قد أكون مثاليا في طلبي، وفي ذكر مواصفات وزير (وزارة الإحسان والبر الاجتماعي)، لكني اليوم أسدي خدمة مجانية للدولة في التفكير المستقبلي على إضافة وزارة (أخلاق العناية الفضلى) عند استيفاء تعيينات الوزراء الكبار والأشداء.
التشرد الاجتماعي:
تتعد المشاكل التي أنتجت فئة اجتماعية تعيش في عراء الشارع العام. تتكرر المعاناة في عموم مكناس وضواحيها، ومن مختلف الفئات العمرية ومن الجنسين. هي معاناة تتنوع وتشتد خاصة في فصل الشتاء القارس، وانعدام المأوى الرحيم بالدفء.
فمن المفارقات العجيبة بمغرب التباينات المتناقضة بالتجانس، حين نعثر على قطعة خبز مَلْقية على قارعة الطريق (نحملها ونقبلها ونضعها جانبا خارج مسارات الأرجل)، من أسوأ المفارقات الغليظة، أننا نتخطى إنسانا راقدا في قارعة الطريق، ولا أحد منَّا يحمله لطفا بالإنسانية والكرامة، ويُقْبِلُ على وضعه تحت الرعاية الاجتماعية !!
فرغم وجود وزارة اجتماعية !! إلا أنها تبقى عاجزة عن سد امتداد التشرد، تقف مقفلة في غياب خارطة التردد الوطني للتشرد بالأرقام وبؤر التواجد. اليوم نحتاج من القيمين على السجل الاجتماعي إجراء جولات، بلا بيانات (إليكترونية)، ولا صور نمطية لتسجيل هذه الفئة، والتي هي من تراب الوطن وتنام مقابلة للسماء. نريد من مخرجات السجل الاجتماعي اعتبار هذه الفئة من (مكفولي الدولة العادلة)، وتوزيع الرفاه على الجميع.
عن موقع: فاس نيوز ميديا