أحمد بلبول/ مكناس لفاس نيوز ميديا
اختتمت يوم الجمعة 12 ماي 2023 أعمال مؤتمر “معجم الدوحة التاريخي للغة العربية: تحوّلات المعنى والاستثمار في مجالات اللسانيات التطبيقية الذي نظمته جامعة مولاي إسماعيل بمؤسستيها كلية الآداب والعلوم الإنسانية والمدرسة العليا للأساتذة بمكناس بالتشارك مع معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، ومختبر الدراسات الأدبية واللسانية والديداكتيكية بجامعة السلطان مولاي سليمان في بني ملال ,
استهُلّت الجلسة الأولى التي تناولت محور “المعنى والمعجم” بتقديم عبد الرحمن بودرع، أستاذ اللغويات العربية واللسانيات بجامعة عبد المالك السعدي ـبالمغرب، الذي ركز في ورقة عنوانها: “في المعجم ونحو النص أهمية “ركن السياق” في بناء معجم الدوحة التاريخي” على أهمية ركن السياق في بناء المعاجم عامة ومعجم الدوحة التاريخي، وأكد على أن معالجةَ مفردات المعجم لا تكون موافقةً لقواعد بناء المَعاجم الحديثَة إلا وفق نظرية لسانية محددة تُراعي ربطَ المعلومة المقدَّمة في تعريف الكلمة بموقع الكلمة من النص / السياق. حيث خلصُ إلى أنّ معجم الدوحة التاريخي الذي يرتكز على مبدأ التأريخ ركنا رئيسا، يرتكز أيضاً على مبدأ السياقية النصية.
من جانبه، تناول أستاذ البلاغة والنقد الأدبي بجامعة الوادي الجديد بمصر، سعد محمد عبد الغفّار، في ورقته ضوابط وآليات تحول المعنى لدى البلاغيين وأثرها في صناعة المعجم. وبنى عبد الغفار دراسته على ثلاثة مباحث؛ أنماط تحول المعنى لدى البلاغيين، وضوابط هذا التحول، ثم تطرق إلى تطبيق هذه الضوابط والآليات على بعض مداخل معجم الدوحة التاريخي. وأظهرت دراسته أنَّ تحولات المعنى يحكمها عدم تجاوز النَّسق التصوري القارِّ للبنية اللغوية التي طرأ عليها النقل، وأنَّ انتقاء السَّمات يمثّل أساسًا تقوم عليه البنية التَّصوريَّة في التحولات المجازية للمداخل المعجمية. ثم كشفت الدراسة عن اهتمام البلاغيين العرب بالكيفيَّة التي تتمُّ بها عملية التوسع الدلالي للألفاظ والتراكيب؛ الأمر الذي يمثِّلُ إرهاصات قوية لــنظرية دلالية عربية واضحة المعالم، تتجاوز، حدودَ الاستقراء، والتقريب إلى التنظير، والشرح، والتَّحليل.
وخُتمت الجلسة بتقديم عمرو خاطر وهدان، أستاذ اللغويات وعلم اللغة بالمجلس الأعلى للجامعات المصرية بجامعة طيبة، الذي شارك بورقة تحت عنوان: “أثر النَّقد المعجمي وضوابطه في بناء المعجم”. اقترح وهدان في ورقته ضوابط لتسهيل العمل في المعجم التاريخي في صورتين: النقد المعجمي، والتَّأثيل المعجمي. وأكّد على جدوى التَّحليل الأفقي للوقوف على البنية الأصيلة فيسهُل تتبُّعها تاريخيًّا وتحديد المداخل التي تفرَّعت منها.
معجم الدوحة وتعليم العربية للناطقين بغيرها
وانعقدت الجلسة التاسعة والأخيرة بعنوان “معجم الدوحة وتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها” شارك فيها أربعة باحثين استعرضوا تجاربهم ونظرياتهم حول توظيف المعجم في مضمار تعليم العربية للناطقين بغيرها. وبدأت الجلسة بمشاركة خالد أبو عمشة، المدير الأكاديمي لمعهد قاصد في الأردن. وقد تناول في ورقته التي تحمل عنوان: “معجم الدوحة التاريخي وتعليم العربية للناطقين بغيرها مجالات التوظيف وآفاق الاستثمار” اتجاهات معلمي ومتعلمي العربية من الناطقين بغيرها في استخدام المعاجم الإلكترونية عامة ومعجم الدوحة التاريخي خاصة كونه أحدث المعجمات خروجًا وإصدارًا، وناقش مجموعة من المحاور، منها: دور الكفاية المعجمية في تطوير الكفاءة اللغوية ومنزلة المعجم في منظومة تعليم العربية للناطقين بغيرها، وصولاً إلى بعض التوصيات التي أظهرت ما انماز به المعجم من جهة وما يمكن يضاف إليه ليخدم مجال الناطقين وغير الناطقين بها على حدٍ سواء.
تابع التقديم في الجلسة محمد اسماعيلي علوي، أستاذ اللسانيات بجامعة السلطان مولاي سليمان، بورقة بعنوان “استثمار معجم الدوحة التاريخي في تعزيز القدرة المعجمية والتواصلية للمتكلم اللغوي العربي ـــ دراسة تطبيقية”، سعى فيها علوي إلى إبراز جوانب استثمار معجم الدوحة التاريخي للغة العربية في تعزيز القدرة المعجمية والتواصلية للمتكلم اللغوي العربي، معتمدًا على شقين تطبيقيين يتعلق أولهما بالمتكلم اللغوي العربي الراشد، ويتعلق ثانيهما بالمتكلم اللغوي العربي في بدايات تعلمه.
وافترضت خديجة الصلابي، الباحثة بمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية في بحثها: “استخدامُ أصل الكلمة في معجم الدوحة التاريخي للغة العربية لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها” أنّ استخدام المعلومات المرتبطة بأصل الكلمة في معجم الدوحة التاريخي للغة العربية سوف يُعين متعلّمي اللغة العربية للناطقين بغيرها على تعلّم أكبر قدرٍ من المفردات، بأعمق فهم ممكن، ويُمكّنهم من الاحتفاظ بها في أذهانهم مدّةً أطول. حيث تناولت مفهومَي التأثيل، وعلم أصل الكلمة، وأوضحت مزايا تعليم أصل الكلمة وعلاقته بإنشاء الارتباطات الذهنية في الدماغ لحفظ المفردات واستيعابها، وأثر ذلك في تحسين القدرة على التعامل مع المفردات الجديدة التي تواجه المتعلّم لاحقا، كما اقترحت بعض الآليات والتّمارين والأمثلة، وقدمت تحليلا لبعض التجارب الأجنبية في هذا السياق، بالإضافة إلى النتائج والتوصيات.
وقدّم البحث الأخير في المؤتمر محمد حسن فرجاني، أستاذ محاضر بمعهد اللغة العربية بالجامعة الأمريكية بمصر، بعنوان: “أثر استخدام معجم الدوحة التاريخي في اكتساب المفردات واستبقائها لدى الطلاب الناطقين بغير العربية”، حيث حاول اكتشاف أثر المعجم التاريخي في مساعدة الطالب على اكتساب المفردات واستبقائها خاصة المتعددة المعاني، عن طريق تجربة تقوم على تدريس النصوص تارةً باستخدام بعض الأنشطة القائمة على المعجم التاريخي، وتارةً دون استخدام أنشطة المعجم التاريخي، وبعد عقد مقارنة بين نتائج الطريقتين أظهرت نتائج الطلاب تقدما في مجال اكتساب المفردات واستبقائها في النصوص التي استخدمت أثناء تدريسها أنشطة قائمة على المعجم التاريخي.
واختُتم المؤتمر بجلسة ترأسها الدكتور محمد أمين، مدير المدرسة العليا للأساتذة بجامعة مولاي إسماعيل، توجّه فيها بالشكر للمشاركين والحاضرين وجميع المتعاونين في تنظيم هذه التظاهرة العلمية الحافلة، وأشاد بالأبحاث المقدمّة والإضافة المعرفية الهامة التي نتجت عنها. ثم ألقى الخبير في معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، الدكتور آدي ولد آدب، على الحاضرين قصيدةُ نظمها بعنوان “معجم الدوحة التاريخي.. حلم العرب”.
وفي الكلمة الختامية أكد عزالدين البوشيخي، المدير التنفيذي لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، أن المعجم تشارك في إنجازه نخبة من العلماء والباحثين؛ كلٌّ حسب طاقته وتخصصه واجتهاده، وأنه يعكس نجاحًا في العمل الجماعي العلمي المجتمع على مشروع معجمي كبير.
كما نوّه البوشيخي إلى أن معجم الدوحة التاريخي للغة العربية ما زال قيد الإنجاز؛ إذ شرع الخبراء في بناء المداخل المعجمية للمرحة الثالثة المفتوحة قبل نحو ثلاثة أشهر، ومن المتوقع إتمام مواد المعجم حتى العصر الراهن بعد سنوات معدودات. وأضاف أن المعجم في تحديث مستمر؛ وأنه جعل لذلك التحديث آليات وأدوات، وخصص له خانة بعنوان “شارك في المعجم”.
وأوضح البوشيخي أن المعجم يهدف في المؤتمرات العلمية التي يعقدها إلى الاستفادة مما يقدمه الباحثون في دراساتهم من أنظار نقدية واستدراكات وتقييمات ما دامت منسجمة مع مبادئ المعجم وضوابطه العلمية، وأنه يرحب بكل الملاحظات الوجيهة التي يوليها كل الاهتمام إلى أن تجد تحققها في المعجم.
وأعرب البوشيخي في نهاية كلمته عن شكره وتقديره للعلماء والباحثين والأساتذة والحاضرين الذي أغنوا المؤتمر بدراساتهم ومشاركاتهم القيّمة، وتوجه بالشكر الخاص لكل المساهمين في التنظيم من إداريين وتقنيين وإعلاميين. مؤكدًّا على أن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يشكل حاضنة للمشاريع العلمية العربية، ورافعة للنهوض بالبحث العلمي العربي وقضاياه، وأن الجامعة المغربية معروفة بإمكاناتها العلمية وروافدها الأكاديمية المتميزة، وأن توسيع مجالات التعاون وتعميقها يظل مأمولا لما فيه خير الأمة جمعاء.
وقد شهدت أعمال المؤتمر التي انعقدت على مدى ثلاثة أيام تفاعلًا كبيرًا تخللته أسئلة ونقاشات مستفيضة، وتابع المؤتمر من خلال البثّ المباشر على وسائل التواصل الاجتماعي عدد كبير من المهتمّين من مختلف الدول العربية. ومن الجدير بالذكر أن جميع أبحاث المؤتمر المحكمة قد طبعت ونشرت في كتاب من ثلاثة أجزاء وزعت على المشاركين في اليوم الأول من انعقاد المؤتمر.
عن موقع: فاس نيوز ميديا