حوار مع الشاعر المغربي عبد الرزاق الشارف.. حاوره: د.فاطمة الديبي / ذ.نصر سيوب

حوار مع الشاعر المغربي عبد الرزاق الشارف :


حاوره: د.فاطمة الديبي / ذ.نصر سيوب

ــ “مَنْ أكون”:
عبد الرزاق الشارف؛ عرائشي يبلغ من العمر 23 ســــنة ، ويدرس بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بطنجة..
كانت البداية بسيطة..كنت محبا للقراءة وكان الوالد يشجعني عليها ولا يبخل علي بالتوجيه..كانت ميولاتي وما زالت أدبية في الأصل، وإن كنت منفتحا على الدراسات الدينية والفلسفة أحيانا.. بخصوص الشعر؛ كان تكويني ذاتيا، فقد نجح التعليم الرسمي في تحريك مكامن الشهوة نحو القصيدة بكمّ الدروس “السطحية” التي كانت تعطى لنا في العروض. ربما بسبب التوجه العلمي… عكفت بعد ذلك على مطالعة كتب العروض كموسيقى الشعر وكتاب التبريزي وغيره.. لأنفتح بعد ذلك على دراسة نازك الملائكة بخصوص التفعيلة، ولأقرأ بعد ذلك لمختلف المدارس التي ظهرت بعد البعث العربي: الكلاسيكية والرمزية وغيرها.. تحدو بي في ذلك أصوات قديمة وجديدة وقصائد مختلفة..
لم أصدر ديوانا بعـــد.. فما زلت على درب التجريب سائرا، ولم تبتل قدماي كفاية لأستريح..

ــ “نصي الأول والنشر”: كان نصي الأول غاية في الكلفة وكان على الرجز.. كنت أحبه كثيرا وأردده مرنّما وحدي وإن لم أتقن الوزن.. أقصد لم أكن قد اكتسبت بعد أذنا موسيقية، كان ذلك قبل ست سنوات.. وكانت تجارب خجولة. من الغريب أن أقول أن عائلتي لا تـــعلم بأني أكتب الشعر.. ربما قلت لوالدي قديما أنني أفعل، لكن ليس بجديّة.. أكتب صامتا ومستخفيا..
بدأت النشر أولا في بعض المنتديات المختصة، مستفيدا من تجارب أربابها وإرشاداتهم.. ولم أنشــر إلا بعض النصوص في بعض المجلات الإلكترونية وجريدتين جزائريتين، لأقاطع بعد ذلك استجداء الأبواب المقفلة.. وهكذا إلى أن صار الفيسبوك بيتي ومأواي..

ــ “لحظات الكتابة”:
لحظات الكتابة لا تـــعريف ثابت لها.. خصوصا في ظل هذا الفضاء الأزرق الذي أنسانا مسكة القلم.. أكتب حين أحس أنني على استعداد لقول شيء مختلف.. أحاول التعبير عنه.. وأصقل ما استطعت عملي..

ــ “اللمحة الصوفية”:
لا أنــــكر اللمحة الصوفية الطاغية على بعض ما أكتب، بل وأسعى إلى جلائها في قالب جديد.. ربما كان للتربية دور في تأثري بالتصوف.. ولا شك، فقد كان الوالد حريصا على تحفيظي بعض أبيات فقهية وصوفية من متن ابن عاشر والبردة.. على أنني لست منضويا في سلك أي طريقة الآن.. وإن كانت كتابتي تقف عند روح الناي بين المريد والمثقف الذي أحاوله..

ــ “قصيدة النثر”:
كنت “أصوليا” في الشعر.. وما زلت كذلك في مزاولته، ولكني انفتحت على آفاق أصحاب قصيدة النثر بعد أن طالعت لبعض الأصدقاء المبدعين حقا في هذا المجال وبعض ما كتب رعيلها الأول.. ويعجبني الماغوط فيه…
على أن رأيي البسيط ونظري القاصر يتوقفان قليلا عند تـصنيفها شعرا.. اختلاف في التصنيف والتسمية..

ــ “شعراء الصوفية”:
أحب شعراء الصوفية عموما؛ ابن الفارض، الششتري، السكندري، الحراق… وأفضل أبا تمام وأعتبره العلامة الفاصلة في الاختلاف الشعري.. وأرتاح للأندلسيين كابن زيدون والغزال.. اللائحة جميلة ومتجددة..

ــ “شعر التفعيلة”:
أكتب أيضا التفعيلة وإن ابتعدت عنها مؤخّرا.. لسعيي خلف تلك المناطق الغامضة والجزر الخلابة التي حجبها العمودي إلا عن عيون المريدين.. وتعجبني أشعار طوقان ودرويش والمــــجاطي، وإن طال عهدي بالتفعيلة..

ــ “قصيدتي الأسطورة”:
أظن أن الشاعر في بحث مستمر عن قصيدته الأسطورة التي تراوغه كلما قارب المساس بذوائبها.. كتبتُ في كل موضوع أعتقد أنه لصيق بي وبفكري، ولكني لست راضيا أبدا، وما زلتُ أحاول شيئا لا يُـــدرك.. أملي فقط أن أكون صادقا فيما تخطه الأنامل..

ــ “الكــتــابــة”:
الـــكتابة متنفس، كان من شرط اللزوم أن تبادرني أو أبادرها.. كانت علاقتي بخيوطها متشعبة إلى أن أطبقت عليّ.. الكتابة ببساطة نقل ما يعتمل في عقلي وقلبي..

ــ “الشعر والالتزام”:
الشعر والالتزام… سؤال عميــق،.. من رأيي، أن الشاعر الحقّ يعبّر عمّا يؤمن به.. أعذب الشعر أصدقه من هذا المنظور.. ما كان لأبي نواس أن يفلح لو تقمص شخص الإمام الشافعي والعكس أيضا..
أنـــا ملتزم بـــمبادئ أرى أن حريتي في اختيارها شرط شعري.. وأنــــكر على من يخالف فــــكرا وليس إبداعا وشعرا.. فكثير من شعر أبي نواس مما لا يرضاه الناس، ولكن لا أحد أنكر عليه الإبداع والصور المختلفة….وهكذا..

ــ “النص ما أعيشه لأكتبه”:
النص الذي لم أعشه وكتبتُ عنه؛ فربما النص هو ما أعيشه لأكتبه أو يعيش هو ليكتبني بلا مداد.. وبصراحة أكثر لا أستطيع الكتابة تحت أي طلب إلا أن يكون خالصا لنفسي وقناعتي..

ــ “عناصر التشويق”:
وعناصر التشويق بالنسبة لي هي الاختلاف أولا وثانيا، والقدرة على تطويع اللغة والوزن لــخدمة الأســـلوبية المعاصرة ثالثا.. وأقصد بالاختلاف الــتجديد والإبداع في الفكرة، والمبادرة إلى رفع بعض الحجب المحظورة بلطف ورقة، دون جرح لجمال الوجه الذي تخفيه..

ــ “الــبــدايــات”:
كانت البداية حماسية جدا، والكتابة من أجلها واضحة.. ولكن المتابعة والحرص على النهل من معين المجربين يجعل المرء يخطو بثبات ويحدد الهدف بدقة قبل أن يعقد النية على الهجرة…
وأجدني هذه السنة صوفيا عقلانيا على غير العادة… وسّعت مطالعاتي، وتضاعف الهم وغلبتني العقلانية قليلا، وأعيد الاتزان بـــتصوف حرْفي..

ــ “كاره للهجاء”:
كل قصيدة فهي حقيقة بالكتابة… إن كان القصد من قصائد الشعراء… فإني كاره للهجاء محتقر لمحترفيه..

ــ “علاقة الشعر بالذاتي بالمو ضوعي”:
وإن كنتُ أرى أن قاعدة العرب القديمة “الشاعر لسان القبيلة” قاعدة إشهارية لا محل لها في شعرنا المعاصر، ولا في شعر الذاتيين كالرومانسيين وقبلهم المجانين وغيرهم.. اللهم إلا إن توافق الطرح الذاتي والموضوعَ.. والحقيقة أن الأصل هو الذات دائما، إذ هي المسيرة للطبع الذي يغلب على التطبع كما قيل أيضا..

ــ “علاقة الشعر بالإيديولوجيا والحداثة والعولمة”:
ليس لدي اطلاع كثيف في موضوع الحداثة والعولمة.. ولكن من معارفي أستطيع القول أن الحداثة الشعرية إن كانت وفق ما دعا إليها أنسي الحاج وأدونيس، وكما أفرط فيها تابعوهم وتابعو تابعيهم.. فهي سلفية رجعية إلى ما لا نهاية.. وإن كانت وفق ما يدعو إليه بعض الشباب المتحمس، ممن تزينت بهم الساحة مؤخرا فهو رائع.. ولأذكر مغاربة كمحمد عريج وخالد بودريف مثلا..

ــ “الشعر والمبالغة في الزخرفة”:
الحكم على مدى الزخرفة وموافقتها للنص حكم نسبي.. فقد يجيد الشاعر صياغة نصّه وتنميقه وتشكيله ونــــحته بما نسميه الصنعة.. وقد يغلو فتظهر الكلفة..

ــ اللوبيات والمجال الثقافي”:
سؤال اللوبيات ومدى تأثيرها أتركه لمن هو أعلم مني بالساحة.. فإني محبط الآن إزاء ما يجري..

ــ “التعليم والشعر”:
وللتعليم دور في نكسة الشعر.. وللمناهج أيضا.. فتكثيفها وإلزاميتها الطالب بحفظ اثني عشر بيتا أو أكثر، كانت سببا في كره البعض للشعر، واقتصاره على حفظ البيت والبيتين.. أضيف أن الأساليب بإمكانها أن تتحسن ليتم إدماج الموسيقى مع التلقين الشعري مثلا..

ــ “رؤيــتـــي”:
رؤيتي بسيطة وجميلة: أريد أن يبصر الناس بقلوبهم، ويفكروا بعقلية الطفل الصغير إزاء بعضهم.. الــتقادم والكبر ابتلاء من الله، ينظر هل يستطيع الناس الحفاظ على نبع الحب الذي وُلد مبثوثا في قلوبهم أم لا..

ــ “التجريب في الشعر”:
قد جرب نيوتن أكثر من تسعين مرة واخترع المصباح.. وجرب أحدهم الرمي بالقوس فقتل شيخا كبيرا.. وهكذا التجريب في الشعر، هناك من يسير في خط مستقيم ويخطو بمعرفة، وهناك من يخبط خبط عشواء يصيب ويخطئ.. وهناك من يعكر الماء فقط..

ــ “ثورات الربيع العربي”:
أتجنّب ما استطعت الحديث عما جرى ويجري في بعض الدول العربية.. لا أنــكر أنني فرحت في بداية الأحداث بــخلع زين العابدين ومبارك.. ولــكن البــديل كان سيئا بالحتم: ظلم وفكر أحادي وتــــطرف.. لتكبر الهوة ويتسع الرقع فيشمل الثوب كله في سوريا: لا خير في نظام ولا في جيش حر.. الكل يقتل والكل يبوء بالدّم، والفصل عند الله…
رأيي واضح جدا: قبل أن تعرف أروبا الثورة الفرنسية وغيرها، كانت قد شهدت حركة تنويرية انطلقت من فلورنسا اصطلح على تسميتها : الحركة الإنسية… ساهمت في التقليل من وتيرة التطرف الذي قد تعرفه أي ثورة بشرية يقودها من لا خلاق له.. وهذا ما نحن بحاجة إليه، ثورة فكرية على رموز الظلام المعششة في أفئدة الناس..

ــ “الــمــرأة”:
حضور المرأة في شعري..حضور الدم في الجسد..

ــ “طموحــاتــي”:
طموحاتي قد تكون ما أوضحته في رؤيتي: أن يجعل الناس للحب قلبا ويعذروا بعضهم ما استطاعوا..

ــ “هــوايــاتــي”:
من هواياتي: الـسباحة، الشطرنج، والراحة بجانب برّاد أتاي(إبريق شاي)… والحقيقة أن المطالعة هي المؤثر الوحيد فيما أكتب..

ــ “صاحب نكتة”:
هههه..صاحب نكتة خفيفة، ومبتسم غالبا ولله الحمد.. والنكتة في الشعر جميلة للتخفيف..

-(للتذكير أجري الحوار في يونيو سنة 2013)-،

عن موقع: فاس نيوز ميديا