سيدي جبل بن دعبل دفين ظل شجرة الزيتونة بباب التيزمي الرديفة

محسن الأكرمين/ كاتب رأي

من التاريخ اللامادي والذي يُنقل بالتواتر والحكي الشفهي بمدينة أولياء الله الصالحين مكناس (13 ولي و12 ولية)، الولي الصالح سيدي جبل بن دعبل دفين باب التيزيمي (الثاني) في تلك الزاوية المنغلقة بالضيق والتي تحاذي شرقا شجرة زيتونة عتيقة، تماثل عراقة مكان وزمن. لأول مرة أقف على رأس قبر ولي صالح بدون قبة وخارج المقابر المألوفة، وتلك القطة الأمينة بالحضور، والحارسة للمكان بعيونها الملتهبة بالزرقة. نعم، إن لم تكن ابن مدينة مكناس، وتمر بساحة باب بردعيين، فقد تغريك الباب (باب بردعيين) بالمشاهدة والتي لها المرتبة الثانية من الشهرة بعد باب منصور، العالمي بالتفرد والترتيب التاريخي.
فرغم أن عمليات تثمين المدينة العتيقة بمكناس تعرف تعثرا متتاليا يلازم بالضبط هذا الباب التاريخي(باب بردعيين) ، وذاك الإقحام الزائد من داخل فسحة الساحة (باب في باب)، فإن الساحة تعاني الإهمال التام، وتشكل فوضى من المنظر غير المتناسق ولا يمس بتاتا إلى التسويق السياحي الحضاري (المدار السياحي)، وباتت الساحة في مرمى (الردم) والأتربة، وبقايا ما تساقط من الدور الآيلة للسقوط بالمدينة العتيقة.
في متوسط مساحة الساحة وأنت باتجاه مسجد خناثة بنت بكار العريق، وعلى يسارك تبدو تلك الشجرة الفريدة بالمكان، والتي تؤثث المنظر بشكلها المائل (زيتونة لا شرقية ولا غربية/ قرآن كريم)، وعلى ظلها الخفي يوجد قبر الولي الصالح سيدي جبل بن دعبل. قبر بلا زخارف ولا منمقات من القبب، قبر (منه للسماء) وأنفة دفين بالبقاء الموضعي التاريخي.
من بين ما ورثناه من الأثر الوافد من حكي الماضي، تغيب المعلومة الموثقة بالتدقيق، وتبقى الحكاية المتنافرة والغيبية حاضرة، وحتى الخرافية منها تؤثث السمع، وتستطيل في التخويف وبناء الكرامات والفزاعات الماضية. فقد قيل لنا أن الولي الصالح كان خديج الولادة (سبعة أشهر)، وقد توفيت أمه حين ولادته، تربى يتيما، وتعلم الذكر، واكتسب معرفة التصوف والزهد، ثم خرج بين القبائل تائها ناصحا إلى أن استقر به الحال في موضع دفنه وتحت إزار صوفي لازم سماءه، حيث تعايش في حياته مع كرم أهل المدينة العتيقة الطيبين والكرماء.
يُحكى عن سيدي جبل أنه كان تقيا ورعا، يحمل بركات من قسط النية والذكر، عُرف بدعواته للنساء الحوامل، حتى بات بعد مماته يقام له موسما (تحييه القابلات بقيادة (مزوارة) أو أمينة عليهن، وغالبا ما ذكر أنه كان يقام في شهر شعبان، بما يشبه من احتفالات نسوية بالمعلمة (القابلة)، وكان أهل القصبات بمكناس والزيتون وغيرهم من المحافظين على هذه الطقوس، والزيارات المعلومة بالإنارة والحلاوة…/ الأستاذ علي زيان).
ومن بين ما ذكر من الأثر، أن النسوة الحوامل (الشهر السابع) عند زيارتهن لقبر سيدي جبل للتبرك والدعاء، يرددون لازمة (أسيدي جبل فكني من هذا الوحل) بخير وأمان. هذا عُرْفٌ من العادات الاجتماعية التي لا أساس لها من الصدق والتصديق (… وَ مَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ/ قرآن كريم/ سورة يوسف الآية 67)، ولكن نعمل من خلال هذا التوثيق إلى نقل الشفهي نحو الأثر المكتوب المادي، لا نريد نقل (الخرافة)، ولا نقل تلك العادات غير السليمة، ولكن نبحث أولا إلى التعريف بالتراث المادي واللامادي بالمدينة فقط، ولما لا ثانيا استغلال الخرافة والأسطورة في التسويق السياحي. فمن يُرِدْ نقد الخرافة أو حتى التساؤل عمَّا ينفعنا من البحث عن سيرة هذا الرجل سيدي جبل بن دعبل، فإننا نعلن بأننا لا نسوق لا للأسطورة، ولا للأضرحة، ولا إلى المزارات، ولا إلى الصوفية الساذجة، بل نستوثق تحصين التراث اللامادي من التسرب والضياع.

عن موقع: فاس نيوز ميديا