كتاب و آراء- تحول فصل الإعلامي المغربي البارز، عبد الصمد ناصر، من قناة الجزيرة القطرية التي عمل بها لأكثر من عقدين، إلى قضية رأي عام وإلى فضيحة مدوية بكل المقاييس؛ ذلك أن أساب هذا الفصل لا علاقة لها بما هو مهني؛ بل هو مسألة تصفية حسابات بسبب تدوينة في حسابه على “التويتر”، يرد فيها على الإعلام الرسمي الجزائري الذي تهجم على المغرب وأساء إلى نسائه وأبنائه بأسلوب يندى له الجبين.
وبما أن تغريدة عبد الصمد ناصر لم ترق لللوبي الجزائري الذي يبدو أن له نفوذا في الدوائر العليا داخل القناة القطرية، فقد تحرك لإجباره على حذف تلك التغريدة؛ ولما رفض الأمر على اعتبار أن تغريدته لا علاقة لها بالمجال المهني ولا بالقناة التي ينتسب إليها، وإنما هي رأي شخصي، مارس من خلاله حقه الطبيعي في التعبير وفي الرد على الإساءة التي تعرض لها المغرب شعبا ودولة، فردت القناة التي ترفع شعار “الرأي والرأي الآخر”، باتخاذ قرار الفصل دون اعتبار لماضيه ودوره الطلائعي فيها، ودون اكتراث بأخلاقيات المهنة وبالقانون المنظم لها.
لن أتحدث عن الموجة العارمة من التضامن مع الإعلامي الشهير كمذيع ومقدم برامج بالقناة القطرية، وأكتفي بالإشارة إلى أنه ثمن عاليا هذه الحملة التضامنية معه. ولم تقتصر هذه الحملة التضامنية على وسائط التواصل الاجتماعي والمنظمات المهنية المغربية؛ بل توسعت إلى خارج الوطن، سواء في ربوع العالم العربي أو في إفريقيا، وربما إلى أبعد من ذلك.
وبما أننا وضعنا الفضيحة عنوانا لهذا المقال، ففيما تتمثل هذه الفضيحة؟ إن عنوانها الأبرز، هو الكيل بمكيالين الذي تعاملت به “الخنزيرة” القطرية (هذا هو الاسم الذي أُطلق عليها في وسائل التواصل الاجتماعي) مع الإعلامي المغربي. لقد سبق لعميلة “الموساد” وخليلة شارون، خديجة بن قنة، أن تطاولت على المغرب، ولأكثر من مرة، ولم يطلب منها أحد أن تحذف ما كتبت أو تعتذر عنه؛ أما بوق الكابرانات، المدعو حفيظ الدراجي، فتدويناته المسيئة للمغرب لا تعد ولا تحصى؛ ولم تطلب منه يوما شبكة “بين سبورت” القطرية أن يكف عن الإساءة للمغرب.
وإذا كان المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين (حديث شريف)، فإن المغرب قد لدغ لأكثر من مرة بسبب كرمه وسمو أخلاقه، فصح في حقه قول: “اتق شر من أحسنت إليه”. فالجزائر التي وجدت في مدينة وجدة وساكنتها حاضنة للمقاومة الجزائرية منذ عهد الأمير عبد القادر الذي انتهى صديقا حميما لفرنسا بعد أن جر المغرب إلى معركة “واد إسلي” التي انتهت بهزيمة الجيوش المغربية. وبقيت مدينة وجدة مقرا لقيادة المقاومة الجزائرية إلى أن حصلوا على استقلالهم (الشكلي؟) سنة 1962. وبعد ذلك بسنة فقط، دفعت السلطة الجزائرية بعناصر من جنودها للهجوم على مركز مغربي للقوات المساعدة بهدف إيهام المقاتلين الجزائريين الذين رفضوا تسليم أسلحتهم وتحصنوا بالجبال، بأن حدود بلادهم في خطر؛ وهذا ما اعترف به أحمد بنبلة نفسه في برنامج “شاهد على العصر” على ما أعتقد، والذي تبثه قناة الجزيرة. وقد نتج عن تلك المغامرة ما يعرف بحرب الرمال التي تكبدت فيها القوات الجزائرية خسائر فادحة في الأرواح؛ وصوت بنبلة “حكرونا المغاربة حكرونا”، لا يزال شاهدا على ذلك.
أما تونس، فقد استقر بها العاهل المغربي محمد السادس لمدة عشرة أيام، هو وأفراد من عائلته، كتعبير منه عن دعمها ومساندتها في المحنة التي مرت منها، بعدما تعرضت لعملية إرهابية استهدفت ضرب السياحة فيها. وقد كان الملك محمد السادس يتجول على الأقدام في شوارع العاصمة التونسية، ليكون ذلك رسالة إلى العالم على أن الأمن مستتب وأن البلد مستقر. لكن تونس، في عهد قيس السعيد، لم تراع ذلك الموقف الشهم، وانجرت لصف الرئيس الجزائري الصوري عبد المجيد تبون.
وقطر لم تخالف القاعدة. فالملك محمد السادس الذي كسر بكل شجاعة الحصار الذي كان مضروبا عليها من طرف جيرانها الخليجيين، دون أن يأبه بما قد يضر بعلاقة المغرب الثنائية مع هؤلاء الجيران، لم تأخذه قطر في الحسبان، وتركت قناة الجزيرة المملوكة للدولة (وحتى لو لم يكن الأمر كذلك، فمسؤوليتها قائمة لوجودها فوق أراضيها)، تعبث بخريطة المغرب حسب أهواء المتحكمين فيها. هذا، دون أن ننس الدور الكبير الذي اضطلع به الأمن المغربي في تأمين وتنظيم مونديال قطر…
ونحن نستعرض هذه الأمثلة، لا نرغب في أن نمن على أحد؛ فما قام به المغرب ينسجم مع ما يؤمن به، ويجد أسسه ومبرراته في تاريخه وأخلاقه وحضارته وسياسته الحكيمة. لكن، لم نقدم على استعراض هذه الأمثلة دون أن نفكر في تسجيل مدى التنكر للجميل لدى بعض القادة العرب.
وعودة إلى قضية عبد الصمد ناصر، نؤكد أن الطرد التعسفي الذي تعرض له يجعل فضيحة قناة الجزيرة ذات أبعاد متعددة؛ منها البعد الأخلاقي والبعد الحقوقي والبعد القانوني؛ وقبل هذا وذاك، هناك البعد السياسي؛ ذلك أن القرار يقف وراءه اللوبي الجزائري الذي يخدم أجندات التحالف الثلاثي المتمثل في الجزائر وإيران وقطر. والمشروع الإيراني لا يخفى إلا على الأغبياء والجهلة.
وهنا، يطرح سؤال مسؤولية الدولة القطرية في نازلة عبد الصمد ناصر. فالقناة هي في ملك الدولة؛ ومديرها العام قطري (أمير على ما أعتقد)؛ وبالتالي، فإن مسؤولية الدولة القطرية ثابتة ولا يمكن التنصل منها. فاللوبي الجزائري ما كان ليكون صاحب القرار لو لم تطلق له الدولة الحاضنة يديه في القناة.
ويبدو أن قصر النظر لدى النافذين في قناة الجزيرة، جعلهم لا يتصورون تبعات ما أقدموا عليه في حق صحافي مغربي تجري في عروقه دماء “تامغرابيت”. لقد أرادوا أن يسلبوا منه حق الدفاع عن شرف نساء بلاده اللائي تطاول عليهن إعلام الصرف غير الصحي الجزائري الرسمي، فكان رده حاسما سواء على رئيسه المباشر، مدير الأخبار الجزائري الجنسية، أو على المدير العام للقناة، القطري الجنسية.
لم يتصوروا، أبدا، رد فعل المغاربة على هذه الخطوة البليدة التي سوف تلحق أضرارا بليغة بالجزيرة. وكل التحركات الحالية، الرسمية منها وغير الرسمية، من أجل تطويق الأزمة، تدل على مدى غباء المتسببين فيها (أي الأزمة). لقد نجحوا في جعل عبد الصمد ناصر بطلا بكل معنى الكلمة، وحولوه إلى رمز لكل المغاربة، ووضعوا الجزائر وقطر في قفص الاتهام أمام الرأي العام المغربي والعربي والأفريقي والإسلامي.
خلاصة القول، لقد وقعت قناة الجزيرة في شر أعمالها. ويبدو أنها تعيش، حاليا، تخبطا حقيقيا. فإلى حد الساعة لم تصدر قرارا رسميا بالفصل، وتلوذ بالصمت. فلم يخرج أي مسؤول لإعلان القرار- الفضيحة.
بقلم : محمد إنفي
المصدر : فاس نيوز ميديا