ـ الشِّعر والوطن العربي :
تقع المشكلة على محاور ثلاثة، الأول: كثرة المدّعين للشعر الذين أضاعوا هيبته، وسيطرتهم على كثير من منابر الحِراك الثقافي في عالمنا. والثاني: الجمهور الغائب عن الفعل الثقافي أمام سطوة المنجز التكنولوجي الهائل، والذي استحكم فيه فعل المادة الجاهزة، المادة الإعلامية القادرة على ملء الفراغ الكبير الذي تعاني منه شريحة كبيرة من الجمهور، لهذا هو ليس على استعداد لتفعيل منطقة التفكير والانشغال بممارسة التحليل والمراقبة التي تحتاج إلى ذهنٍ صافٍ لتلقي المادة الإبداعية. أما المحور الثالث فهو الفعل المقصود والممنهج الذي تمارسه الأنظمة العربية لإخماد روح الإبداع وعدم سريانه في شرايين الناس، ربما تقول لي أن بعض النصوص وصلت للجمهور، إذن الجمهور موجود وحاضر بقوة، أقول لك: إن هذا الجمهور الذي تراه في أمسيات بعض الشعراء المرموقين، كان حضوراً جسديّاً وليس روحيّاً، ودلالة ذلك، التصفيق غير المبرر لكلمة فلسطين مثلاً، أو شتم الحكام، أو غيرها من المفردات، فالتصفيق هنا لم يكن للشعر، ولا لنص شعري خارق، بل لشيء في نفس يعقوب، المأزق الحقيقي للثقافة هو أننا لا نجيد تفعيل صورة الحداثة في قالبها التراثي، والعكس صحيح، فنحن في مسلكنا الثقافي دائماً ما نحاول تغليب طرف على آخر، كما أننا ما زلنا نتمسك بالصورة النمطية للأشياء في عقلنا العربي، فالمثقف الحقيقي ليس مسموحاً له أن يضع يده على جديد مبتكر، أو يغير صورة نمطية راسخة عن الثقافة والإبداع، فأنت لا تستطيع أن تشكك مثلا بنظرية الطلل في الشعر العربي، أو غير ذلك من الأمور التي يعتبرها الكثيرون أموراً ناجزة رغم أن ليس من قدسية لها. من هنا أصبحت الثقافة أمراً مبنيّاً على التقليد والمحاكاة والتبعية، مما وضعنا في مأزق ثقافي حقيقي، جعلنا نستورد الكثير من النظريات من العالم الغربي، والخروج من هذا أرى أنه يكمن بالانفتاح على العقل وتربيته على خلخلة السائد من المفاهيم ومجابهتها بالتحولات التي تكمن في جذورها، والاشتغال على تشكيل بنية ثقافة تتصل بالواقع ومكوناته ومعطياته، دون المساس بمعتقد الأمة وهُويتها الثقافية، المأزق هو أننا في محاولتنا للتجديد والابتكار ننسى تراثنا، أو نخرج عليه، أو نتصيّد عثراته للنيل منه، والخروج من هذا المأزق بالانفتاح على العقل كما أسلفت في موازاة الانفتاح على التراث من أجل أن يكون جذراً ضارباً في أعماق التربة الحقيقة التي تهيئها قدرة المثقف على عقد قران حقيقي له شروطه وشواهده.
ــ اللغة الشِّعريــة :
اللغة الشعرية العالية هي أهم أداة يمتلكها الشاعر الناجح لما لها من مقاييس تجعلها تعلو على لغة الأدب حتى…
ــ الشِّعر والالتـــزام :
الشعر والالتزام الإيمان بفكرة وترجمتها إلى عمل ممارس والدفاع عنها حتى الموت، والالتزام بالشعر بعيداً عن المصطلح لمفهوم الالتزام فهو احترام الذات الشعرية وتوابعها وأدواتها، وعدم الخروج عن الأصول العربية في البناء الفنيّ للنصّ الشعريّ، والسعي نحو التغيير والتجديد والابتكار.
ــ الشِّعــر والتصــوّف :
أنا أجزم إن لم يكن التصوف رافداً للشعر العربيّ فهو المنبع الرئيس له.
ــ الشِّعرية الحديثة :
أرى أن الشعرية الحديثة هي اقتراح حركة ما داخل النص، مثل حركة الأفعال، وحركة الجملة، وانتشال الضمير من عتبته القاموسية، ليصبح الأثر الشعري واضحاً في نقل الصورة النمطية المعتادة للواقع أو للحدث، من عالم مرئي بالبصر إلى عالم مرئي بالبصيرة.
لا أعتقد أن مكونات النص الشعري هي مجموعة من الحالات التي تنفرد بها كل حالة لإنشاء صورة لها في النص، بل لإثبات أنها لا تحيا بغير مؤثرات المكون الآخر، فالوزن مثلا ليس مطلوبا منه أن يقيم له صورة تستند على تفعيلة من البحر، بل ليقتبس من الإيقاع الداخلي ما يشي بوجوده، واللفظ ليس له أن يبرر صورته كحاضن للجملة، بل كيف تشكل الجملة صوته ونسق بنائه، فإذا ما اعترك المبدع هذا المضمار، سيتفرد، ويبدع، لأنه عندئذ سيكون دكتاتوريّاً مع المكونات، ولن يسمح للعناصر أن تتشكل وفق مساحاتها المعرفية.
ــ الشِّعــــر والنثـــر :
لنبدأ أولاً بالنثر رغم ما يحويه من جمال لغوي وبنائي وبياني إلا أنه يبقى قاصراً عن الإتيان ولو بآية شعرية، وأنا شخصيّاً رغم أن لي أصدقاء من الشعراء الكبار الذين كتبوا قصيدة النثر أحترمهم وأحترم تجربتهم، إلا أنني لا أعترف بها كقصيدة شعرية، وأسميها بالنثر الفنيّ. وبخصوص القصيدة العمودية فهي الجذور الرئيسة للشِّعرية العربية، وهي الأم التي تمد أبناءها بالروح الشعرية العربية الأصيلة، وما يتعلق بكلاسيكيتها هذا مرجوعه لفهم خصائص هذا البناء الرائع في القصيدة العمودية، وما يُعاب على بعض الشعراء هو الإيغال بالوضوح وكشف المستور والبعد عن الحداثة بمفهومها الأصيل والذي يأتي عن الصدق فيما يُقال لا بالمعنى الزمنى للفظ الحداثة، فهناك نصوص عربية قديمة تتسم بالحداثة الشعرية. أنا أحب النفس العمودي ببنائه الكلاسيكي وروحه الحداثية ولغته العالية، ولكل فنٍّ متذوقوه. وبالنسبة لقصيدة التفعيلة فهي النمو الطبيعي للقصيدة العمودية، وليست بالبناء الخارج على الموسيقى العربية، بل هو عصب المادة الموسيقية في سلالاتها المختلفة وقلّما من يتقنها، وشخصيّاً أفضّل استخدام القافية العربية في قصيدة التفعيلة عند نهاية كل دائرة شعرية، حتى يتأتّى للمتلقي فهم الوقف، وربطه بالمعنى، والمحافظة على النَّفَس الموسيقيّ العربيّ … لهذا قالت العرب إذا أردت أن تعرف قدرة الشاعر انظر عموده…
عن موقع: فاس نيوز ميديا