مقال رأي – كثير من البلدان كانت تعلم أن في جوارنا أكبر تجمع للأغبياء والجهلة والمرضى النفسيين والعقليين. وقد ساعد على هذه المعرفة (أو الاكتشاف) التطور التكنولوجي والرقمي الذي جعل بإمكان المتتبع لمواقع التواصل الاجتماعي أن يكتشف نفسية وشخصية الأفراد والمجتمعات؛ كما أصبح بمقدوره أن يتعرف على واقع الدول وطبيعة أنظمتها السياسية. فشبكات التواصل الاجتماعي تمنح القدرة على سبر أغوار الأشخاص والدول والمجتمعات، وتتيح فرص التعرف على الوضع الاجتماعي والنفسي والسياسي والرياضي والحقوقي والمستوى الثقافي والفكري…في بلد ما، دون الحاجة إلى زيارة هذا البلد أو البحث عن معلومات عنه في الكتب. وهذا ما يجعل المتتبع قادرا على إصدار الأحكام على الأشخاص إما بكونهم أسوياء أو بكونهم معتوهين ومتأخرين ذهنيا (أغبياء) أو مرضى نفسيين وعقليين وغير ذلك من العاهات؛ كما بإمكانه أن يحكم على الأوضاع العامة والخاصة في البلد المعني، ولو بشكل تقريبي، من خلال ما يراه ويسمعه أو يقرؤه.
والزلزال الذي ضرب المغرب في الأيام الأخيرة، جعل العالم كله يعلم مع من حشرنا الله في الجوار وتيقن من الانحطاط الأخلاقي والفكري والثقافي وحتى السياسي والديبلوماسي لهذا الجوار الموبوء. بالمقابل، اكتشف العالم المعدن النفيس للمغاربة، دولة وشعبا. وقد انبهر العالم بحسن التدبير والسرعة في التدخل للدولة ومؤسساتها، كما انبهر بكرم وأخلاق الشعب المغربي الذي قدم درسا بليغا في التضامن والتآزر والإيثار.
وبنفس المناسبة، أدرك العالم مدى خبث الجيران ومدى انحطاط أخلاقهم. وكيف لا والجزائر قد تحولت في عهد عبد المجيد تبون إلى سجن مفتوح وإلى أكبر بيمارستان للمرضى النفسيين والعقليين الذين يجهلون حالتهم المرضية بسبب غياب الوعي لديهم وانعدام الرعاية والعناية بهم بشكل مقصود؛ ذلك أن جهل هؤلاء وعبطهم وغياب الوعي لديهم يخدم مصالح النظام العسكري الجاثم على أنفاس الشعب الجزائري المحروم من أبسط الحقوق، ومنها أدنى شروط الحياة الكريمة. وما الطوابير ألا متناهية على أبسط المواد الغذائية الأساسية وانعدام الماء الشروب حتى في المدن الكبرى إلا دليل على الفشل التام للنظام، ولم يبق له إلا العداء للمغرب لتحويل أنظار الشعب عن مشاكله الحقيقية.
وتجدر الإشارة إلى أن العاهات التي أجملناها في الجملة الأولى من هذا المقال، لا تعني فقط المهمشين والفئات الهشة نفسيا واجتماعيا وثقافيا، كما قد يتصور البعض؛ بل تنطبق على النظام بكل مكوناته المدنية والعسكرية، ونخبه السياسية والإعلامية والثقافية والرياضية؛ إذ يمكن أن نجزم بأن كل هؤلاء القوم يعانون، بهذا القدر أو ذاك، من هذه العاهات بدءا من أعلى هرم في السلطة، رئيس الجمهورية عبد المجيد كذبون (وإن كان مجرد دمية في يد العسكر)، ورئيس الأركان سعيد شنقريحة )الحاكم الفعلي للجزائر(، مرورا بأعضاء الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية وباقي مؤسسات الدولة (تجاوزا، إذ الجزائر ليس لها حاليا من مقومات الدولة إلا الشكل) بما فيها المؤسسة الدينية، وصولا إلى الذباب الإليكتروني المتسخ والمُبَرْدَعين والمُضَبَّعين من الشعب الجزائري.
وهدفنا، هنا، ليس التجني لا على المؤسسات ولا على الأشخاص، وإنما تقديم صورة لواقع الحال في بلاد “الشهداء الأحياء” من البشر (في الجزائر، الشهداء يُدعون للتجمعات الرسمية وينادى عليهم للوقوف لكي يراهم الحاضرون) ومن الطير والشجر والحجر. إننا نريد أن نقدم أدلة وحججا واقعية على وجود عاهات حقيقية تنخر جسم المؤسسات وتُكَلِّسُ أدمغة الأشخاص. ونحن نقوم بهذا (كما يقوم به غيرنا ومنهم جزائريون يغارون على بلادهم ويعملون جاهدين على رفع الغشاوة عن بصر وبصيرة مواطنيهم) على أمل أن ينتبه الناس إلى أحوالهم ويشتغلوا على أنفسهم للخروج من هذه الحالة المرضية التي سببها إعلام الصرف الصحي في بلادهم وإصرار النظام على افتعال الأزمات مع جاره الغربي للتغطية على فشله. وللوقوف على هذه الحقيقة، حقيقة فساد المؤسسات والأدمغة، يكفي أخذ بعض الأمثلة من أنواع العاهات النفسية والعقلية، بما في ذلك العبط والعته.
لقد سبق أن كتبنا عدة مقالات عن الغباء والعقد النفسية في الجزائر. وكان لعبد المجيد كذبون وشنقريحة والنخب الإعلامية والثقافية وغيرها حضور لافت كأمثلة مُدَعِّمَة لطرحنا. فرئيس الجمهورية الذي يهرف بما لا يعرف ويطلق كلاما يصعب على ذي ذرة عقل أن يستسيغه، يقدم مثالا حيا عن غبائه وجهله للتاريخ والأعراف الديبلوماسية؛ مما يجعل تصريحاته خلال زياراته للخارج مادة دسمة للسخرية. لكن المهزلة الكبرى هي تلك الكلمة التي ألقاها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي أكد من خلالها للعالم أنه أغبى الأغبياء. ونأخذ من هذه الكلمة مثالا واحدا سارت به الركبان وأصبح على كل لسان. لقد صرح من على منبر الأمم المتحدة، دون خجل ولا وجل، بأن الجزائر لها برنامج لتحلية مياه البحر في أفق نهاية 2024 حيث ستصل الجزائر إلى إنتاج ما قدره مليار وثلاث مائة مليون متر مكعب يوميا، بينما الكل يعلم بأن مجموع محطات التحلية في العالم (حوالي 16 ألف محطة تعمل في 177 دولة) لا تنتج إلا 95 مليون متر مكعب في اليوم.
فهل لهذا الرجل ذرة عقل؟ لقد جعل من الجزائر مسخرة عالمية. وكيف لا وفي محيطه مستشار رئاسيي يحكي، بكل ثقة باعتباره شاهدا، عن جهاد لقلاق اعتقله المستعمر الفرنسي وحاكمه وسجنه إلى أن استشهد في السجن. أليس هذا دليل ساطع على غباء النظام ونخبه؟ ألا تتعزز هذه القناعة بعنتريات شنقريحة والتصريحات البهلوانية لبعض الوزراء وبعض الوُلاة والقيادات الحزبية؟ وهي تصريحات تكشف كلها عن الخواء والهزال الفكري والجهل المركب لهذه النخب. ولذلك، فهم لا يسيئون لأنفسهم فقط؛ بل يسيئون للمؤسسات التي يمثلونها.
لقد نجح النظام الجزائري في تكوين نخبة من الشياتة، وظيفتهم التطبيل والتهليل لحماقاته والاجتهاد في تحويل نكساته إلى نجاحات؛ كما نجح في زرع الغل والحقد والعداء للمغرب والمغاربة؛ مما مكنه من برْدَعة وتضْبيع الكثير من الجزائريين، لدرجة أن منهم من فقدوا القدرة على الربط المنطقي بين العمليات العقلية، فأصبحوا لا يفهمون القول ولا يقوون على التفكير. وأسطع مثال على هذا الأمر، ما يصدر عن الضباع الآدمية (هذا إن سلمنا بآدميتهم؛ ذلك أن بعضهم ذهب إلى حد القول بأن الجزائريين أقدم من آدم). وما كان لمثل هذا الهراء والهذيان أن يُطلق لو لم تكن أزمة الهوية متجذرة في البلاد وعقدة التاريخ مستفحلة فيها. فالمعتوه الذي أطلق هذا الصاروخ الكاشف لحزمة من العقد النفسية والناضح بالجهل والجهالة، قد تجاوز عَتَهَ المؤرخين الذين زعموا أن الجزائر عمرها أكثر من أربعة ملايين سنة.
خلاصة القول، كيف لا تكون الجزائر مُجمَّعا للأغبياء والجهلة والمعقدين نفسيا، وحكامها يعطون الدليل تلو الدليل على أنهم بالفعل أغبياء وجهلة وأنهم يعانون من عقدتين نفسيتين خطيرتين، هما عقدة المغرب وعقدة التاريخ. وقد نجح النظام العسكري في غرس هاتين العقدتين في نفسية المُبَرْدَعين من الشعب والنخب.
فلو كان في النظام الجزائري عقلاء وأناس يحتكمون إلى المنطق، لما أصدرت وزارة الدفاع الجزائرية ذلك البلاغ الغبي حول الجريمة النكراء التي ارتكبها خفر السواحل في حق شبان مغاربة مقيمين بفرنسا وكانوا يقضون عطلتهم بشاطئ السعيدية. ولو لم يكن النظام غبيا، لما أصدرت رئاسة الجمهورية الجزائرية ووزيرها في الخارجية بلاغا تافها لكل منهما حول فتح الأجواء للطيران لنقل المساعدات إلى المغرب بعد الزلزال المدمر الذي ضرب بلادنا. فأي طيران يتحدثون عنه والأجواء مغلقة فقط أمام الطيران المغربي؟ وأية مساعدات يتحدث عنها البلاغان المذكوران؟
وبما أن الجزائر، أسوة بفرنسا أو بأمر منها، قد أقامت الدنيا ولم تقعدها بسبب ما اعتبرته رفضا لمساعدتها، فقد نخصص مقالا لهذا الموضوع مستقبلا. وقبل ذلك، نتساءل ما نوع المساعدة (أو المساعدات) التي يمكن أن تقدمها الجزائر؟ ففي الإنقاذ، نعلم أنها لم تستطع حتى امتلاك طائرة لإطفاء الحرائق، فأحرى أن تمتلك أطقم للبحث تحت الأنقاض. أما المساعدات العينية، فماذا يمكن أن تقدمه، وهي تعاني من أزمة العدس واللوبيا والزيت والحليب وباقي المواد الغذائية الأساسية؟
بقلم : محمد إنفي
المصدر : فاس نيوز ميديا