مقال رأي – لقد هب الجميع يتحدث بل ويتحرك في شأن كارثة الزلزال التي ضربت مؤخرا مناطق الحوز في المغرب (8شتنبر 2023)، بل ونظموا مشكورين قوافل تضامنية من الجنوب والشمال ومن الشرق والغرب ومن كل البقاع، يقومون بمواساة معنوية إنسانية لإخوانهم ويقدمون لهم مساعدات مادية عينية عارمة بكل تلقائية وسرعة وسخاء، مما كان له صدى مبهر في كل الأوساط داخليا وخارجيا سارت بأخباره كل المواقع والقنوات والنشرات في الفضائيات، ذلك أنه جسد بحق هوية هذا الشعب الطيب المعطاء، وما تشبع به على الدوام من قيم التضامن والتراحم(رحماء بينهم). غير أن هناك بعض الفئات والهيئات لم يسمع لها دابر حس ولم يرى لها كبير أثر، خاصة بالشكل المنظم والجماعي النضالي والميداني الذي عرفت به كالأحزاب والنقابات، أو بالشكل الفئوي البحثي والترافعي الذي دأبت عليه كالحقوقيين والسوسيولوجيين ومن لف لفهم، هذا على الرغم من أن الحدث المأساة مجال اشتغالهم وميدان بحثهم.. تحقيقهم وترافعهم بامتياز، وكان لتواجدهم أن يعطي للتضامن قيمة مضافة وطعما بكثير من الإسعاف؟.
عديدة هي الأسئلة الحارقة التي توجب تواجد مثل هؤلاء الخبراء في الميدان المنكوب ومواكبتهم لمخلفاته الانشطارية وكراته النارية والثلجية، خاصة فئة السوسيولوجيين (علماء الاجتماع) وفئة البسيكولوجيين (علماء النفس).. باعتبار علمهم السوسيولوجي (علم الاجتماع) وعلمهم البسيكولوجي (علم النفس)، هو من ستأخذ عنه كل العلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى، السياسية منها والاقتصادية، وحتى الحقوقية والتشريعية والبيئية والاجتماعية..، ملاحظاتهم واقتراحاتهم، وما يمكن أن يشبه مشاريع قوانين اجتماعية للتغلب على الأزمة وحسن تدبيرها بكل موضوعية؟. وتدبير الأزمة هذه، قد احتوته الآن أو تكاد، عديد من المبادرات الرسمية والشعبية المتساندة والمسعفة، ورافقته بعض التشنجات المحتجة والتساؤلات المشروعة القلقة والمقلقة..، وكل هذا قد لفظ عن بعض المفاهيم الجوهرية في حياتنا، ما تراكم عليها من الأتربة حتى كادت تكون متجاوزة في حياة وتطلعات وتشريعات بعض الفئات من الناس، أو في أحسن الأحوال ك”مدفونة القب” مدفونة خبز في قب جلباب المرء، يأكل منها متى داهمه الجوع، ويردها في قبه وراء ظهره منسية متى رد منها جوعته؟.
ما هوية الشعب أيها المستلبون المتسولون لخردة الهويات؟، هذه الهوية، هل هي قول وفعل أم مجرد ادعاء في القلب وشعور في الوجدان؟، ما الذي حمل المغاربة على كل هذا التضامن بكل هذه الأشكال والأحجام المبهرة.. التلقائية والسريعة.. العفوية والعارمة؟. أين القانون التنظيمي/ التقييدي للإحسان العمومي الذي أصر المصرون على تمريره وفرضه رغم مرافعة الجمعيات الخيرية الميدانية ضده، وقبلها فطرة وعوائد الشعب المغربيى الأصيل والمعطاء والتي أبان عنها في هذا الزلزال وقبلها كارثة الفيضان ونعود بالله من البركان؟. أي تنمية وفك عزلة وقفتم عليها أيها السوسيولوجيون في عالمنا القروي والأرياف والجبال؟، وما الأنتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية لذلك؟. ودون إثارة هل لنا سياسة عمومية لتدبير الأزمات والكوارث؟، ولا هل سلمت رؤيتنا للتعامل الإداري مع الناس أوقات الطوارىء؟، ولا الأعراض النفسية التي ظهرت على الأطفال، نوعها ومدى خطورتها وكيف علاجها والتخفيف منها؟، دعونا فقط، نتطرق إلى إعادة الإعمار مثلا، وقد رسمت بعض معالمه، وبدأت تعطى فيه بعض الإشارات وتمارس فيه بعض الممارسات ربما من باب إغاثة اللهفان أسرع ما يمكن، لكن بأية مقاربة تشاركية سياسية ومدنية؟، وبأية مقاربة مع الجهات والجماعات والجمعيات؟. ما رؤيتنا للتعامل مع التراث اللامادي؟، وما خطتنا للحفاظ على رمزية المكان؟، ما تجارب إعادة الإعمار في المناطق المنكوبة عبر العالم وما مرتكزاتها؟، في ما نجحت وفي ما فشلت، كيف ولماذا؟.
أراء تتحدث الآن، عن أفضلية الترحيل إلى ضواحي المدن الكبرى، على غرار ما جرى الآن من ترحيل المتمدرسين إلى مدينة مراكش واستثمار داخلياتها، على الأقل يكون المرحلون مجموعون في مناطق مفتوحة على كل شيء وقريبة من كل المصالح وسيسهل تفقدهم وخدمتهم جراء ما كانوا يعيشون فيه من العزلة، ولكن، قد تنشأ عندهم ظواهر سيئة من بطالة وفقر وغير ذلك من مآسي الهجرة والتهجير؟. وأراء تتحدث عن إعادة التوطين في نفس الموطن لارتباط المنكوبين بأرضهم، وككل سكان العالم، الناس يعيشون في الأرياف وفي الجبال وحتى الإسكيمو والصحراء، لكن بقدر ما من العدالة المجالية والتنمية المستدامة؟، ترى، أي شروط نشترطها على أنفسنا لفك عزلة المناطق المنكوبة؟،.. لحفظ كرامة سكانها؟،.. لحفظ المآثر الدينية والتاريخية؟،.. مسجد تينمل.. مهد الموحدين.. ومدارس قرآنية عتيقة.. ومخازن جماعية..، وكل ما يشكل ذاكرة المنطقة؟. أيها السوسيولوجيون.. والحقوقفيون.. والعلماء الربانيون.. والإعلامييون.. “ابن خلدون” و”أوجست كونت” و”دوركايم” و”ماكس فيبر” وكل علماء الاجتماع المؤسسين والمطورين يؤكدون لكم أننا لا نريد السقوط ربما في التجربة التنموية المحكية على الألسن لقرية نمذجوها في الحكايات ببناء صنابير ماء عصرية في كل منزل.. وإذا بالنساء بعد حين من الزمن يكسرنها.. لا لشيء إلا لأنهن يفضلن السقي وجلب الماء من خارج البيت ولو على مسافات.. لأنهن افتقدن ما يحدث بينهن في طريقهن إلى السقي خارج البيت من احتكاك وأحاديث جماعية وترانيم شعبية.. في حياة تشاركية.. واشتقن لذلك؟.
معشر السوسيولوجيون الحكماء الفضلاء، لقد كان من قبلكم من المؤسسين لعلمكم في هذا الوطن، يمتازون بخطهم النضالي فتجرأوا على الحديث والتفاعل مع هموم المجتمع، وقالوا من الأقوال وفعلوا من الأفعال ما به أفادوا واستفادوا واستفاد الوطن، لكن هل كان علم الاجتماع على الدوام شيئا غير الحس النقدي وكونه علما تطبيقيا كان مع أو ضد؟. فكم تدرسون لطلبة الجامعة أن الزلزال رغم كونه ظاهرة طبيعية فهو أيضا ظاهرة اجتماعية، ولأن الظاهرة الاجتماعية – كما تقولون – رغم كونها مستقلة فهي أيضا مرتبطة بالعديد من الظواهر الأخرى، يعني بمظاهرها ونتائجها إن حسنا فحسنا وإن سوءا فسوءا؟. ولكن يبقى الأمل، أن وراء كل ظاهرة اجتماعية – كما هو معلوم – قوانين تتحكم في نشرها وشيوعها كما تتحكم في الحد منها وتوقيفها، وبالتالي، ما علينا الآن إلا البحث عن هذه القوانين، وهذا واجب الوقت وواجب الوطن؟. كم كنتم تدرسون للطلبة أيضا أن مؤسس علم الاجتماع بشكله الوضعي”أوجست كونت”، إنما دفعه إلى ذلك ما أراد به المساهمة في تجاوز النظام الاقطاعي نحو نظام رأسمالي كان يراه الأعدل، وأراد بذلك المساهمة في العلاج والحد من الفوضى العارمة والمشاكل المعقدة التي شهدها المجتمع الغربي بعد الحرب العالمية الأولى وما أغرقت فيه الأبرياء من زلزال الدمار والموت والفقر والتشريد والهجرة والبطالة والجريمة والانتحار.. فأراد بتقعيده علمه بعضا من البناء السوسيولوجي المتماسك القائم على الأنوار بدل الدمار المفكك والهدم الماحق المنبعث من الاعصار؟.
بقلم : الحبيب عكي
المصدر : فاس نيوز ميديا