حوار الكاتب والقاص المغربي المصطفى كليتي.. حاوره : د. فاطمة الديبي / ذ. نصر سيوب

حوار الكاتب والقاص المغربي المصطفى كليتي
٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭
حاوره : د. فاطمة الديبي / ذ. نصر سيوب

ــ من أكون :
المصطفى كليتي عضو اتحاد كتّاب المغرب رئيس فرع جهوي / القنيطرة. ولدت بأربعاء الغرب مسقط الرأس وأسئلة الدهشة الأولى، الدراسة الابتدائية والإعدادية والثانوية كانت ما بين أربعاء الغرب والرباط والدار البيضاء، التحقت مبكرا كمدرس بالتعليم الابتدائي والإعدادي حيث استغرق ذلك وقتا مديدا انصب جهدي وتعبي في حقل التربية والتعليم والتكوين، ولم ينصب عملي على الواجب الفصلي فحسب كأستاذ بل استغرق ذلك إعداد وتنظيم أنشطة تربوية وترفيهية تحسيسية للأطفال وذلك عبر ورشات للفن التشكيلي والموسيقي والمسرحي، فضلا عن نادي للقراءة حيث استضفت مجموعة من المؤلفين والشعراء والقصّاصين لكي تتم لقاءات مباشرة بين جمهرة التلاميذ كقراء متابعين وكتاب ممارسين، وقد أدى ذلك إلى نتائج هامة أعتز بها أيّما اعتزاز.
قُيد لي أن أحضر عدة لقاءات ومؤتمرات داخل المغرب استفدت منها كثيرا وألقت بظلالها على تجربتي الأدبية وشبكة علاقاتي الإنسانية.

ــ حلم الكتابة :
حلم الكتابة لازمني منذ الطفولة الأولى، حينما كنت أنتهي من قراءة قصص المكتبة الخضراء لعطية الأبرشي، أو روايات المنفلوطي الرومانسية الحالمة كنت بكل عنفوان ورغبة الطفل الكاتب أن أنسج على منوالها خربشات كتاباتي البكر، لا زلت أحتفظ ببعضها للذكرى، فحلم الكتابة سيظل حلما متجددا ما دمت حيا.
ولست أدري كيف قعدت في حياتي عادة ممارسة كتابة اليوميات والمذكرات، حيث كنت أسجل وأدون مجريات حياتي أولا بأول، فموضوعاتي الإنشائية كانت تشد انتباه أساتذتي وتبهر زملائي، وذلك كان يحفزني على مزاولة الكتابة بشرف وانتظام، وقد حدث أن كتبت ما يقارب كتابا عن زملائي وأنا أعرض لوصفهم والكتابة عنهم كل حسب طبيعته وخصوصيته، بل أضفت من بنات أفكاري وسرحات خيالي الشيء الكثير، حتى أضحت عملية الكتابة طبيعة في حياتي اليومية وممارساتي، واليوم الذي لا أكتب فيه يشعرني بالنقصان، وأصبحت الحاجة ماسة إلى القول والكتابة عن أي طارئ خاص أم عام.

ــ جذور تنشئتي الأدبية :
أنتمي لبلدة بين المدينة والقرية، ففي الأماسي الباردة كانت تدفئنا الحكايات المشوقة، فتسافر بنا في أودية الخيال ونحن نصغي إلى كبار السن وهم يتنافسون في رواية الحكايات والألغاز، ووالدتي كانت حكّاءة بامتياز وقد رويت عنها الكثير من تم انشددت إلى المسرحيات الإبداعية سواء التي كانت تبث من إذاعة الرباط أو فيما بعد ” ب.ب.س” هيئة الإذاعة البريطانية، فكانت تبرمج مسرحيات تاريخية عربية وقصص وروايات أجنبية، كان يستهويني الاستماع إليها ويمتعني، ومع تطور التجربة والعمر اتسع اهتمامي بالرواية والقصة القصيرة خاصة، انتقلت من وضعي المستهلك الشغوف إلى الكاتب الذي يتلمس حضوره الإبداعي حثيثا حثيثا.

ــ الذكريات والفضاءات والأماكن أثناء الطفولة :
حتما محكي الطفولة يبقى ملازما، فهو يتسلل من عمق الذاكرة وما تحفل به من أمكنة وفضاءات، تكون مادة خاما لكل كتابة ممكنة، فذكريات الطفولة تبقى دوما وأبدا مادة خصبة في الحكي والسرد.

ــ ماذا أعطتني الكتابة :
أعطتني الكتابة الشيء الكثير، لا أقصد العطاء المادي الصرف، لأن الكتابة في وطننا العربي لا تطعم خبزا وبالأحرى زيتا، وإنما الكتابة تصلك بأغوار عوالمك الداخلية وتشعر بعد منجز الكتابة بمتعة ومشاعر لذيذة تشدك إلى الحياة رغم قساوتها ووعورتها، فالكتابة لا تأتي بيسر بل بعد مطاردة وإجهاد وتعب مضن، ولكنها تنتهي براحة عميقة لا يعرف سحرها وكنهها إلا من أدركته حرفة الأدب.

ــ الأقوى في عملي الأدبي :
في الكتابة ينصهر الانشغال الذاتي بالشاغل العام، فالكاتب ينتمي بطبيعة الحال إلى جغرافية محددة، وإلى مناخات ثقافية وتاريخية معينة، لا يمكنه أن ينسلخ عنها وهو في خضم ذلك يتلمس وسيلة تعبيرية لكي يفصح عن آرائه ووجهة نظره بطريقة مباشرة، وإنما عبر مجازات وركوب أجنحة الإبداع والخيال بدون أن ينسى أو يتناسى الأرض التي يقف عليها.

ــ طقوس الكتابة :
أحتسي عند الكتابة كوب ماء وثمرات والاستماع لسمفونيات موسيقية، فأنا أحب خلال الكتابة أن أسمع الموسيقى وأجد انسجاما ونشوة في تلاقي الإيقاعات الموسيقية مع صرير القلم أو نقرات الحاسوب.

ــ اهتماماتي الإبداعية :
من طبيعتي الاهتمام بالإبداعات المتنوعة، فأنا شغوف بالمسرح والسينما وبالمعارض التشكيلية، وأكتب القصص بمختلف أنواعها قصيرة وقصيرة جدا، كما لدي مواكبات نقدية وعمود صحافي أسبوعي يحمل عنوان من “عفو اللحظة” أكتب خلاله انطباعات وملاحظات حول الشأن العام ولا أفتر عن ذلك أبدا، أجد نفسي في كل ما أكتب، وفي كل مرة أشعر بأني لم أبدأ بعد، والنص الذي أراهن على كتابته لا زال قصيا وكلما أسعى إليه.

ــ المبدع والعزلة النخبوية :
أنا على العكس من ذلك أحب التجول في الأسواق، والإنصات إلى نبض الشارع العام، ولا أومن بالانحباس داخل قوقعة ضيقة الأفق، فعلى المبدع أن يكون صوتا يعبر عن حس المجتمع لا نخبويا قائما في برجه العاجي، فالمادة الإبداعية الحقّة تكون من صميم تربة مجتمعها لا غريبة عنه، فالإبداع يستمد عمقه من صميم واقعه.

ــ التحولات عبر المساحات الزمنية :
التحولات التي تقع في حياتنا اليومية تخترقنا بصورة واعية أو لا واعية، فالنزوع إلى الحداثة والذكاءات التكنولوجية أضحت سمة عصرنا، فلا بد من مجاراة هذه التحولات المتسارعة في المجالات المتنوعة : فنون تعبيرية ترمي إلى الاختزال الشديد، ولكن المضمون يبقى قويا وحمالا لأكثر من سؤال.

ــ الكتابة والحرية والرقابة الذاتية والمجتمعية :
الكتابة تقتضي مساحة واسعة من الحرية بيد أن هذه الحرية لا تخلو من محددات اعتبارية، لا أقول رقابة ذاتية، وإنما مراعاة لما تواضع عليه المجتمع من قيم أو ما يخدش الحياء، فالكتابة بطبيعتها متنطعة ومتمردة غير أن ما يمكن أن نعبر عنه بالرمز والإيحاء يكون أكثر بلاغة ونفاذا من اللغة العارية التي تعتمد على الفضائحية والإثارة، فهناك من يتوسل المظاهر الجنسية المائعة والمواقف الشاذة لكي ينفذ إلى مناطق تدغدغ المشاعر، بل تكرس ما تضر بالسياقات الأدبية والمنافية لما يمكن الحفاظ عليه من أخلاق مرعية والتعبير الأدبي الرفيع، يقول كل شيء لكن بصنعة ومهارة فنية وشاعرية تضفي عليه توابل جمالية ترقى به وتسمو، أما الفضائحية القصدية فتخبو به وتنبو.

ــ ظاهرة قصيدة الهايكو :
كل ظاهرة أدبية أو جنس يتخلق يحدث ردة فعل بين من يتقبل ومن يرفض، فقصيدة الهايكو الواردة من اليابان لم تعد منتمية إلى بلدها الأصلي فحسب، بل أضحت تكتب بشتى لغات العالم، وتنتشر بواسطة الترجمة التي تتكاثف مع تجارب قصائد الهايكو المتعددة والمتجاورة، فهي ظاهرة شعرية، احتضنتها حساسيات مختلفة لا كبديل للقصيدة العربية العروضية أو التفعيلية أو النثرية، بل هي إخصاب للتجربة العربية وإغناء لها، فكل شاعر أو هايكيست يمثل في حد ذاته إنضاجا لتجربة الهايكو في الشعر العربي، شاقا طريقه بإصرار. الهايكو هو تلك اللحظة المنفلتة والتي تلتقطها عين شاعر صياد: صياد لأبعاد المعنى ولإشراقة الومض الشعري الخاطف الحرارة والدفق الشعوري المتلبس بلغة تنحت الهايكو بإزميلها، حتى تستقيم القصيدة سوية عجلى، لكنها تستمد بقاءها وخلودها بقوة وصلابة، شأنها شأن اللؤلؤة التي تحتضنها الصَّدَفة وسط هدير الموج، لكنها تصمد بين الصخور حتى تمتد لها يد خبير يتلقى جمال سحرها الثاوي في أعماقها. فقصيدة الهايكو ليست بالسهولة واليسر كما يعتقد البعض، وإنما هي قصيدة تستمد من خبرة حياتية، وفرط حس، وحساسية وجدان لكي تتصادى عبر اللغة، وتصل إلى قرار العقل والقلب.

ــ الهايكو ومسايرته لإيقاعات السرعة :
الهايكو حساسية شعرية في الواقع الشعري العربي له بناؤه الخاص المتمثل في كثافة اللحظة وطرافة المعنى والدهشة التي تخلقها قفلة الهايكو المحكمة، ربما الوسائل الذكية كانت حمالة لهذه التجربة التي غزت بشكل فني يساير إيقاعات السرعة والاختزال التي تتماشى مع روح العصر ومستجداته.

ــ مساحات الشعر والهايكو :
مساحات القول الشعري متسعة بحكم استدعاءات المخيلة والمياه الشعرية الدفاقة في عروق القصيد، فالشعر دوما منفتح على العوالم ولا تحده خلجان أو شواطئ، فالتوجه إلى الهايكو اختيار جمالي.

ــ قصيدة الهايكو والاعتراف :
في السابق تصدى البعض ناكرا قصيدة التفعيلة وكذا القصيدة النثرية، لكن الشعر الحق يبقى شعرا في كل وعاء شكلي يحمل الغائب الحقيقي هو الحضور الشعري، فإما أن تكون شاعرا أو لا تكون. 
أما الاعتراف من قبل اتحادات الكتاب العرب فالأمر متروك للزمن، وقصيدة الهايكو لا زالت تتشكل وتحقق تراكما وقوة وإبداعا في جنس الهايكو – إن صح التعبير – هي التي تشرعن حضوره ليتم تكريسه والاعتراف به بقوة وجود .

ــ الهايكو والبيئة المحتضنة :
المنتوج الأدبي الإبداعي يخضع من باب الضرورة للبيئة التي تحتضنها، فالتبييء يتأتى من خلال قنيومي الزمان والمكان واللحظة الحضارية التي تستغرق الإنسان، فالتقنيات ليست ثابتة قارة، فالطفرات الإبداعية والاجتهادات الأصيلة هي التي ترسخ الإبداع، أما التقنيات فمتحولة وتسعى خلفه لاهثة.

ــ الهايكو والقصة القصيرة وقصيدة الومضة :
بون شاسع بين الهايكو والقصيدة القصيرة وقصيدة الومضة، فالاختلاف أساسا في البناء وفي الرؤية، وقصيدة الهايكو أشبه ما تكون بالطلقة تصيب أو تخيب.

عن موقع: فاس نيوز ميديا