كتاب و آراء – ما هي الرسائل التي تبعثها وزارة التربية الوطنية إلى الشغيلة التعليمية وإلى الآباء والأمهات وإلى الرأي العام بصفة عامة من خلال مبادرتيها الأخيرتين (الأولى والثانية)؟ وتأتي هاتان المبادرتان في وقت يتميز بشد الحبل بين الأساتذة والحكومة. فهل تريد الوزارة من خلال مبادرتها الأولى أن تقول بأن دور الأستاذ ليس ضروريا أو على الأقل، ليس بالأهمية التي تعطى له؛ وبالتالي، فيمكن الاستغناء عنه وتعويضه بما تتيحه التكنولوجية الحديثة؛ وذلك، انتقاما منه على تحدي الوزارة باختياره الاستمرار في الإضراب؟
وهل يمكن أن نفهم غير هذا من إعلان الوزارة، منذ بضعة أيام، عن فتح منصة رقمية لتمكين التلاميذ من تلقي الدروس وإنجاز التمارين والامتحانات من خلالها؟ فهل فكر “عباقرة” الوزارة في التأثير السلبي لهذه المبادرة؟ وهل نسوا المشاكل التي واجهها القطاع مع نفس الوسيلة خلال فترة كورنا؟ وهل بإمكان الوزارة أن تضمن لكل التلاميذ، في المدن والقرى، في السهول والجبال والواحات، الاستفادة من هذه المنصة؟ وهل استحضروا الوقع النفسي على الأساتذة وكذا على التلاميذ؟ فمثل هذه المبادرات لا يمكن إلا أن تعقد الوضع بدل أن تساهم في التخفيف من حدته. إن الإعلان عن مثل هذه المبادرة، هو تهديد في حد ذاته لأسرة التعليم واستفزاز لها بأسلوب ينم عن غياب الحس البيداغوجي واستهتار بالمسؤولية.
المبادرة العبثية الثانية تتمثل في وضع برنامج وطني للدعم التربوي خلال العطلة المدرسية الحالية. فهل جلست الوزارة مع ممثلي الأساتذة ووصلت معهم إلى اتفاق يقضي بحل المشاكل العالقة وطلبت منهم استغلال العطلة من أجل استدراك بعض ما فات خدمة لمصلحة التلاميذ؟ بكل تأكيد لا. فالأساتذة لا يزالون مضربين. فماذا سيحدث بعد نهاية العطلة، والأساتذة لم يتلقوا بعد ما يطمئنهم على وضعهم الإداري والاجتماعي وكذا على مستقبلهم المهني، خصوصا وأنهم يرون في النظام الأساسي الذي كان سببا في هذه الأزمة، “نظاما للمآسي”؟
وحسب ما هو سائد في الساحة التعليمية، فإن “تجميد النظام الأساسي” لم يقنع الأساتذة ولم يعطهم أي اطمئنان؛ بل يرون فيه نوعا من التحايل؛ إذ الشيء الموضوع في الثلاجة قد يتم إخراجه منها متى ظهرت الحاجة إليه. لذلك، فهم يطالبون بسحبه بدل تجميده ثم فتح نقاش في الموضوع مع المعنيين من خلال ممثليهم.
وعلاقة بالبرنامج الوطني للدعم التربوي الذي تم الشروع فيه، نتساءل: لمن أسند تنفيذ هذا البرنامج؟ الجواب يبدو بديهيا. فليس الأساتذة من يقومون بذلك؛ وحتى إن كانوا فإنهم سيكونون قلة قلية. فهل لجأت الوزارة إلى الجمعيات أو إلى المجازين العاطلين أو إلى بعض المؤسسات الاجتماعية؟ كيفما كان الحال، فالدعم لن يغطي إلا جزئا يسيرا من المعنيين به (أي التلاميذ). وحتى مفهوم الدعم ليس في محله؛ إنه مفهوم خاطئ في السياق الحالي. فالدعم يقدم عادة لتلاميذ يشكون من الضعف في مادة أو أكثر؛ بينما نحن الآن أمام وضع يهم كل تلاميذ المدرسة العمومة الذين لم يتلقوا الدروس بسبب إضراب الأساتذة لمدة ليست بالقصيرة. فالتلاميذ يحتاجون، إذن، إلى الاستدراك، وليس إلى الدعم. فالمطلوب، هو التفكير في طريقة يستدركون بها ما فاتهم. ولن يكون ذلك إلا مع أساتذتهم الذين يعرفون مستواهم ويعلمون أين وصلوا في المقرر الدراسي. وإن احتاجوا للدعم، فالأساتذة هم المخولون لتحديد طبيعته، وهم القادرون على اقتراح الصيغ المناسبة لتلامذتهم. ولا نعتقد أن الأساتذة سيبخلون بوقتهم عن هؤلاء؛ وبالخصوص الذين تنتظرهم امتحانات إشهادية. لكن هذا لن يحدث إلا في حال ما إذا أدركت “حكومة الكفاءات” خطورة الوضع وانعكاس ذلك على المجتمع وعلى صورة المغرب؛ وكذا في حال ما إذا استحضرت كذلك وعودها الانتخابية السخية وبرنامجها الحكومي المبني على فرضيات بعيدة عن الواقع. وما لم يحصل هذا، فستكون المسؤولية السياسية والاجتماعية والأخلاقية للحكومة تجاه المجتمع وتجاه المستقبل، كبيرة وثقيلة جدا بأوزارها وتبعاتها.
خلاصة القول، يبدو أن أصحاب الكفاءات، إن صح هذا التعبير، قد نسوا أو تناسوا فضل من وضعوا أسس تلك الكفاءة التي يتبجحون بها. وحتى نقتصر على التعليم المدرسي الذي يهمنا الآن، نذكرهم بفضل أساتذتهم عليهم منذ القسم التحضيري إلى قسم الباكالوريا. فهم من كونوهم ولقنوهم المعارف الأساسية التي بفضلها استطاعوا أن ينالوا شهادة البكالوريا التي فتحت لهم أبواب التخصص لاكتساب مهارات ومعارف في مجالات معينة جعلت منهم كفاءات في مجال تخصصهم. لكن، ليس كل من هو محسوب على الكفاءات، فهو بالضرورة كفاءة.
وعلى كل، فقد يجد المرء نفسه أمام “كفاءة” تفتقد للباقة وينقصها التواضع وحسن الأخلاق. وقد يكون للشخص المحسوب على الكفاءات مميزات خاصة، كأن تكون له ملكة التعرف على لون جوارب الموظفين الذين يشتغلون تحت إمرته، أو أن يكون من الذين يحبون التفاخر بالغنى، فيجعل من دراسة أبنائه في الخارج مصدرا للتباهي والعجرفة. وهناك أشخاص محسوبون على الكفاءات، لكنهم فاشلون حتى في مجال تخصصهم، فما بالك بالمهمات الرسمية التي تسند لهم. وقد يكون من بين هذه الكفاءات من لا يتقن سوى التهريج والعنترية وربما حتى البلطجة. وقد تجتمع كل هذه العاهات في شخص واحد. وبما أنه لا يدرك حقيقة هذه العاهات (أو حقيقة نفسه)، فهو يعتبرها ميزات وسمات الشخصية القوية، فيعتقد أنه “بْوحْدو مْضوِّي البْلاد”.
بقلم : محمد إنفي
المصدر : فاس نيوز ميديا