كان فؤاد عالي الهمة دقيقا في انتقاء الكلمات الدالة والمناسبة لتوصيف الوضع الداخلي لحزب الأصالة والمعاصرة ذات سياق مضى..
حصل هذا، قبل قرابة 13 سنة، عندما قرر الرجل طي صفحة حزب البام قبل أن يحرر رسالة استقالة وجهها إلى الأمين العام للحزب، وقتها، الشيخ بيد الله..
في هذه الاستقالة، تحدث الرئيس المؤسس عن “تعرض المشروع السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة إلى انحرافات كثيرة”..
كما تحدث أيضا عما أسماه “المأزق” وعن “انهيار” كل الآمال التي كانت معلقة على هذه التجربة السياسية..
وبالفعل إن الأمر كذلك ولو أن المؤكد منه أيضا أن هذه التجربة كانت في الأصل فكرة نبيلة وحلم مرحلة انخرطت فيها أسماء وشخصيات كثيرة بصفاء روحي عال..
وأكيد، ما كان لصديق الملك أن ينزل من “عربة الحكم” ليؤسس حزبا لو لم تكن الفكرة نبيلة وربما بهذا الأفق أيضا:
إحداث بعض التوازن في مشهد سياسي “هيمن” عليه فاعل سياسي “غير تقليدي” وما عادت الأحزاب التقليدية قادرة على مواجهته وعلى هزمه..
لكن ما حصل داخل البام من “انفلات” ومن “إثراء مشروع” أو “غير مشروع” فاق ربما كل التوقعات وفاق حتى “الخيال” أيضا..
لماذا؟
لأن هذا الذي حصل داخل البام عقب رحيل المؤسس وجيل التأسيس هو أكبر ربما من “الانحراف” وأكبر من “المأزق” وأكبر من “الانهيار” أيضا..
وأنا أقول بهذا لأنه واهم من يعتقد أن هذا الاعتقالات التي طالت اليوم قياديين وازنين في “حزب الدولة” في ملف “إيسكوبار الصحراء” هي اعتقالات عادية أو هي حدث عادي..
والواقع أن ما يقع اليوم هو “زلزال” حقيقي ضرب البلاد وضرب معها ربما أخطر “شبكة” اخترقت أو بالأحرى “اختطفت” بعض مؤسسات الدولة وأصبحت تتصرف كما لو أنها هي الدولة نفسها..
وهذه “الشبكة” لم تكتف فقط بالسطو على المال وعلى السلطة وعلى مراكز النفوذ..
كما لم تكتف هذه “الشبكة” بتفصيل الخريطة السياسة و”تفويت” التزكيات الانتخابية وتشكيل المجالس المنتخبة وغير المنتخبة على المقاس ووفق ما تقتضيه المصالح الضيقة والنزوات الشخصية..
هذه “الشبكة” ذهبت ربما أبعد من ذلك وتمكنت أيضا من السطو على كل شيء يتحرك فوق الأرض..
لقد سطت على المال وعلى السلطة وعلى بعض المؤسسات وعلى الرياضة وعلى الصحافة وعلى الأخضر وعلى اليابس قبل أن تخلط كل هذا الخليط بالأموال المشبوهة وبأموال المخدرات وبأموال الابتزاز..
أكثر من هذا، لقد سمعنا حتى أنباء تتحدث عن فرضية “تعرض” شخصيات عامة، ومشاهير ورجال مال وأعمال، إلى “التشهير” وإلى “الابتزاز”..
حصل هذا فقط لأن هؤلاء المشاهير ورجال الأعمال رفضوا ربما أن يؤدوا “الجزية” لهذه “الشبكة” التي شبت عن الطوق وأصبحت “تتوهم” كما لو أنها فوق القانون وفوق الدولة وفوق مؤسسات الدولة أيضا..
أكثر من هذا، لقد سمعنا أيضا حتى أنباء في منتهى الحساسية إذا ما صح هذا الذي يروج في بعض الصالونات المغلقة..
وأقصد هنا هذه الأنباء التي تتحدث عن فرضية اعتقالات تعسفية وعن إرسال أناس أبرياء إلى السجن وحتى عن “شبهة التواطؤ” التي قد تعصف ربما بأكثر من قاض وبأكثر من ضابط في الدرك والأمن..
وهذا ما أسماه ربما بلاغ الوكيل العام ب”العمل التحكمي” الذي قد تكون مصممة الأزياء أو العشيقة المفترضة ل”المالطي الوجدي” قد لعبت فيه دورا ما..
وربما لن تقف الأمور عند هذا الحد، ذلك أن بارون المخدرات “المالي” قد يكون نهج سياسة الأرض المحروقة قبل أن يشرع في توزيع اتهاماته في كل اتجاه وتحت هذا الشعار:
“علي وعلى أعدائي”..
لكن هذه الاتهامات تفرض بالضرورة أن نطرح معها بعض الأسئلة:
هل صحيحا أن “المالي” بارون المخدرات حاول “شراء” ترحيله إلى بلده بمبلغ مالي كبير جدا؟
لا جواب..
وهل صحيح أيضا أن البارون المعني بالأمر قد زعم أنه دفع هذا المبلغ المالي الكبير إلى سعيد الناصري لكي يدفعه هذا الأخير إلى شخصية حكومية من أجل التسريع بهذا الترحيل؟..
أيضا لا جواب..
ومع ذلك، كل هذا يبقى مجرد ادعاءات تحتاج إلى تأكيد..
كما أنه وارد جدا أن تكون هذه الشخصية الحكومية لا علم لها أصلا بالأمر ولا بهذا المبلغ المالي الكبير..
بقي فقط أن أقول إنه لأول مرة ربما يقع ما يشبه الارتياح (un soulagement) لدى فئات عريضة من المغاربة عقب “سقوط” أخطر شبكة أصبح معها الأمن القومي للبلد مهددا ومعها ربما حتى حقوق وحريات الغلابة من الناس..
و”السقوط” هنا أخلاقي في المقام الأول لأن الفطرة السليمة تعاف التغول وتعاف الظلم وتعاف التباهي بالمال الحرام..
أما أن أتمنى السجن لعمرو أو زيد، فأنا أربأ بنفسي من أن أكون من هذه العينة من البشر..
في التدوينة القادمة سأتحدث عن الدوافع التي قد تكون جعلت بارون المخدرات الحاج أحمد بنبراهيم فكر ربما في وقت ما في مباشرة إجراءات الترحيل إلى بلده مهما كان الثمن..
..
بقلم : مصطفى الفن
المصدر : فاس نيوز ميديا