مقال رأي – لم تشتهر مراكش الحمراء عالميا كمدينة سياحية فقط؛ بل اكتسبت الشهرة أيضا كمدينة للمؤتمرات والملتقيات الدولية. وإذا كانت الحركة السياحية فيها تعرف ازدهارا طوال أغلب شهور السنة، فإنها تشكل، أيضا، وجهة مفضلة للمؤتمرات والملتقيات الدولية، بحيث يمكن القول بأن “في مراكش، لا تكاد تنتهي قمة حتى تبدأ أخرى”.
وهذا لا يعني أن كل القمم الدولية التي يحتضنها المغرب، تعقد في مراكش. فمدن الرباط والدار البيضاء وطنجة وفاس وأغادير والداخلة…تستقطب أيضا اللقاءات الدولية ذات الأهمية الكبرى، سواء منها المتعلقة بالجانب الاقتصادي والمالي والتجاري أو تلك التي تهم الاستثمار والأعمال والبيئة والديبلوماسية بكل أنواعها (الروحية والأمنية والرياضية والثقافية، بالإضافة إلى الرسمية والموازية) وغير ذلك من المجالات.
وهذا، إن دل على شيء فإنما يدل على مكانة المغرب دوليا. فهو يحظى بالاحترام ويتمتع بالثقة لدى الدول الصديقة ولدى المنظمات الدولية الوازنة. ثم إن المغرب يتوفر على بنيات تحتية متقدمة ومنشآت فندقية وسياحية ذات الجودة العالية؛ ناهيك عن التنظيم الجيد وحسن الاستقبال والضيافة.
وهذه الحظوة التي يتمتع بها المغرب إقليميا وجهويا ودوليا، ليست وليدة الصدفة أو نتيجة “الكولسة” كما يزعم إعلام الصرف الصحي الفاشل في جارتنا الشرقية؛ بل هي ثمرة الإنجازات التي تحققها بلادنا في مجالات مختلفة، ومنها الاستثمار، خصوصا في القطاعات الواعدة كصناعة السيارات والطائرات والطاقات المتجددة وتحلية مياه البحر وغيره من القطاعات الإستراتيجية؛ كما أن المغرب يحقق دوما نجاحات على المستوى الديبلوماسي والرياضي والأمني والاجتماعي والحقوقي وغيره. وهذا ما يصيب جارتنا الشرقية بالسعار والهبل والخبل. وهذا ليس لا إسقاطا للطائرة ولا خروجا عن الموضوع؛ إذ يكفي أن يربط المرء بين الإشارة في العنوان إلى الحقد والحسد وبين ما يروجه إعلام الزبالة، لا فرق في ذلك بين الإعلام الرياضي والإعلام السياسي، ولا بين الإعلام الرسمي وغير الرسمي.
ففي الإعلام الرياضي الجزائري، على سبيل المثال، لا يخلو أي بلاطو من عبارة “الكولسة” مقرونة باسم السيد فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، الذي يحملونه كل إخفاقاتهم على مستوى الاتحاد الإفريقي لكرة القدم ويُرجعون إليه فشلهم في التأهل لكأس العالم قطر 2022، وكذا فشلهم في الضفر بشرف تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025. وإذا فشلوا في التأهل لكاس العالم 2026، فسوف يحملونه، أيضا، فشلهم ويتهمونه بالكولسة والمؤامرة.
ومع اقتراب موعد انطلاق كأس أمم إفريقيا 2023 بساحل العاج من 13 يناير إلى 12 فبراير 2024، وتحسبا لإخفاق فريقهم في هذه المنافسة القارية، بدأوا في ترويج الإشاعات على رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، متهمين إياه بالتدخل في “الكاف” وبالتوفر على القدرة للتأثير في مجريات كأس أمم إفريقيا بساحل العاج. وكطريقة استباقية بليدة، وصفوا الفريق المغربي بالضعيف والجزائري بالقوي، حتى يكون كل إنجاز للفريق المغربي وكل إخفاق للفريق الجزائري مرده إلى المؤامرة والكولسة بسبب لقجع.
ثم إنهم لا يخجلون من تأليف قصص مضحكة حول السيد فوزي لقجع (الحاضر دوما في أحاديثهم، ويصل بهم الأمر أحيانا إلى سبه وشتمه بكل وقاحة) من قبيل الضغط على الجامعة التنزانية لكرة القدم من أجل نقل تربص فريقها الوطني من الجزائر، بينما يعلم الجميع أن المدرب الجزائري جمال بلماضي نفسه لم يجد مكانا في الجزائر يصلح لتدريبات الفريق الوطني الجزائري، فاستنجد بتونس.
وبعيدا عن المجال الرياضي، فإن نظرية المؤامرة حاضرة دوما في الخطاب الرسمي الجزائري، من رئيس الجمهورية إلى أدنى مسؤول في النظام. فكلهم يرددون: “الجزائر مستهدفة”. وهذا دليل على أنهم يجدون راحتهم النفسية (فجلهم يعانون نفسيا بسبب المغرب) في لعب دور الضحية، الذي يبررون به إخفاقاتهم في كل المجالات.
وتجدر الإشارة إلى أن كل إنجاز جيو-سياسي أو جيو-استراتيجي يحققه المغرب، يثير لدى نظام جارتنا الشرقية حنقا شديدا، لكونه يذكر هذا النظام بفشله الذريع على كل الواجهات. ولما رأى أن المغرب بقيادة الملك محمد السادس ماض في تحقيق مشروع تنموي تشاركي للواجهة الأطلسية الإفريقية للصحراء المغربية، يهم أكثر من عشرين دولة مطلة على المحيط الأطلسي، بالإضافة إلى دول الساحل (النيجر، مالي، بوركينافاسو والشاد) التي ليس لها منفذ على هذه الواجهة، جن جنونه، فجنيد أبواقه النتنة للتهجم على جلالة الملك محمد السادس بأسلوب منحط وحقير وسافل. وهذا دليل على حدة الألم والأوجاع التي يعاني منها النظام الجزائري الفاشل، العاجز، اليائس، المعزول قاريا ودوليا.
خلاصة القول، ما أوصل الجزائرَ إلى ما هي عليه الآن اقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا وديبلوماسيا…من ترد، إلا غباء نظامها. وشخصيا، أرثي لحال الجزائريين غير المُبَرْدَعين والذين يرون أن المغرب الذي لا يملك لا بترول ولا غاز، تتهافت عليه الدول الكبرى، ليس فقط باعتباره بوابة إفريقيا وجسرا نحو أوروبا؛ بل لكونه أيضا شريكا موثوقا ورائدا إقليميا؛ بينما بلدهم أصبح معزولا ومنبوذا، لا وزن ولا هيبة ولا مواقف دولية.
وبما المغرب يؤمن بالتعاون جنوب-جنوب وبمبدأ رابح/ رابح في شراكاته الاقتصادية مع الدول الإفريقية، فإن ما يقترحه عليها من مشاريع استثمارية، يفتح أمامها آفاقا رحبة وواعدة في المجال التنموي؛ خصوصا وأن في إفريقيا فرصا استثمارية حقيقية كفيلة بتحقيق ازدهار دولها وشعوبها؛ خصوصا إذا ما تبنت رؤية جلالة الملك محمد السادس الذي لا يرى في وضع إفريقيا الحالي المشاكل فقط؛ بل يعتبر هذه المشاكل فرصا للقارة لكي تنهض باعتمادها على نفسها وعلى طاقاتها الذاتية.
بقلم : محمد إنفي
المصدر : فاس نيوز ميديا