في الظروف الحالية، بدأت فرنسا تفقد نفوذها في أفريقيا لصالح القوى الناشئة الجديدة، وأبرزها المغرب. كان هذا جوهر التصريحات التي أدلى بها الرئيس السابق للمديرية العامة للأمن الخارجي في فرنسا، آلان جوليه، مطلع فبرايرالجاري. وأشار إلى أن “المغرب تمكن من أخذ مكان باريس في منطقة الساحل”، مشيرا إلى تأثير “المبادرة المغربية لتعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي”.
ولم يتردد المسؤول السابق عن جهاز المخابرات الخارجية الفرنسية في الاعتراف بـ”تراجع جيوسياسي ودبلوماسي فرنسي رهيب في القارة الإفريقية، خاصة في منطقة الساحل والصحراء، بعد أن فقدت باريس كل نفوذها لصالح المغرب”.
تصريحات جويليه جاءت خلال جلسة حوارية على قناة “أوبن بوكس تي في” على اليوتيوب، واصفة الوضع بأنه “كارثة كبرى وأمر خطير لأن فرنسا فقدت نفوذها في أفريقيا، والوضع أسوأ مما يبدو”. وأضاف أن “الدولة التي كانت مؤخرا حليفة لفرنسا (في إشارة إلى المغرب) أصبحت الآن على خلاف معنا”. وأرجع جوليت فشل فرنسا الذريع في “ساحتها الخلفية المفضلة” إلى السياسة الفرنسية “الكارثية والفاشلة” تجاه القارة الأفريقية، قائلا “هذا ما جعل الولايات المتحدة تنجح في قلب أنظمة كانت حليفة لنا، قبل أن يدخل المغرب ليقدم ما يريده”. فشلنا في توفيرها (في إشارة إلى المبادرة الدولية لمنح دول الساحل الولوج إلى الفضاء الأطلسي)، والمبادرة الكبرى التي قام بها الملك محمد السادس هي الضربة القاضية للوجود الفرنسي في المنطقة”.
كما حذر من أن خطورة الوضع تتفاقم لأن “سياسات باريس أدت إلى ابتعاد الرباط عن المحور الفرنسي ونظرته لإفريقيا”.
ووجه جولييه، الذي تولى منصب رئيس جهاز المخابرات الفرنسية في أكتوبر 2002، انتقادات لاذعة للأجهزة والمصالح الدبلوماسية الفرنسية، متسائلا بشكل لا يصدق: “كيف يمكن أن يرتكبوا مثل هذه الأخطاء؟ إنه أمر لا يصدق”.
وبلهجة مليئة بالدهشة، واصل المسؤول نفسه، الذي كان يشغل أيضاً منصباً مرموقاً في قسم الاستخبارات الاقتصادية في المديرية العامة للأمن الخارجي (في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك)، التساؤل عما تعيشه فرنسا في اقتصادها. حالة التدهور الحالية في موقعها الجيوستراتيجي في القارة الإفريقية ومنطقة الساحل، بعد “ترك المجال مفتوحا في إفريقيا، واستغل الأميركيون كامل الفرصة، وتفوق المغاربة أيضا”، معترفا “أعتقد أن العودة إلى حيث كنا ستكون صعبة للغاية.”
واعتبر محلل “الجيوسياسة العالمية” أن “المغرب تفوق على فرنسا”، بعد إبرام اتفاق اقتصادي بارز مع النيجر ومالي وبوركينا فاسو، إضافة إلى تشاد، وهي مبادرة ستسمح للمغرب بأن يصبح “البوابة” المستقبلية التي وتمكن هذه الدول الإفريقية من الوصول إلى المحيط الأطلسي، مشددا على ضرورة فهم فرنسا لارتباطها الخاص بإفريقيا، الذي يبقى تمثيلا لعمقها العالمي، بحسب قوله.
جدير بالذكر أن مبادرة تعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، أعلن عنها الملك محمد السادس في خطاب له بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء (6 نوفمبر 2023)، قائلا: “نقترح إطلاق حملة دولية المبادرة الرامية إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي.. والمغرب مستعد لوضع بنيته التحتية وطرقه وموانئه وسككه الحديدية تحت تصرف تلك الدول دعما لهذه المبادرة.
وأكد “اجتماع مراكش” المنعقد يوم 23 ديسمبر 2023، انخراط دول الساحل في المبادرة الأطلسية، مشددا في بيانه الختامي على “الأهمية الاستراتيجية لهذه المبادرة، التي تندرج في إطار الإجراءات التضامنية الفعالة التي اتخذها الملك محمد السادس مع الدول الإفريقية الشقيقة بشكل عام، ومنطقة الساحل بشكل خاص، مما يوفر فرصًا كبيرة للتحول الاقتصادي للمنطقة بأكملها، وتسريع التواصل الإقليمي، والتدفقات التجارية، والازدهار المتبادل في منطقة الساحل.
عن موقع: فاس نيوز ميديا