وهبي يودع قيادة حزب الأصالة والمعاصرة في كلمة له تفتح الطريق عريضا إلى تشكيل “قيادة جديدة”.. إليكم التفاصيل الكاملة

بحضور زعماء الأحزاب السياسية الوطنية، انطلقت، اليوم الجمعة، الجلسة الإفتتاحية للمؤتمر الوطني الخامس لحزب الأصالة والمعاصرة الذي تحتضنه مدينة بوزنيقة، ويحمل المؤتمر شعارًا يتحدث عن “تجديد الذات الحزبية لضمان الاستمرارية”.

و يعتبر هذا المؤتمر الأول الذي يعقده الحزب وسط توليه مسؤوليات في التدبير الحكومي بعد سنوات من مشاركته في المعارضة.

كلمة الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة “عبد اللطيف وهبي”

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

السيدات والسادة أعضاء المكتب السياسي المحترمون

أيتها المناضلات المحترمات أيها المناضلون المحترمون

ضيوفنا الكرام

اسمحوا لي في البداية أن أرحب بضيوفنا الكرام الذين شرفونا في هذا اللقاء الهام، دعوني أرحب بالسيد رئيس الحكومة المحترم، وكذلك الصديق والحليف نزار البركة، وأصدقائنا من السيدات والسادة الوزراء المحترمين، والسادة الأجلاء من قيادات الأحزاب السياسية الوطنية الصديقة، والسادة السفراء الكرام للدول الصديقة والشقيقة، وبمختلف ضيوفنا الأجلاء من داخل وخارج أرض الوطن الذين حضورهم زاد لمؤتمرنا الدفئ والرفعة والسمو، فمرحبا بكم جميعا بيننا.

مناضلاتنا ومناضلينا الأوفياء 

ها نحن نلتقي اليوم في محطة نضالية نوعية داخل مسار حزبنا، في لحظة تاريخية هامة على درب بنائنا لحزب ديمقراطي حداثي متأصل، حاملا لآمال المغاربة وطموحات مواطناتنا ومواطنينا في التقدم والازدهار، وفي تحقيق تنمية شاملة تعلي راية وطننا داخل الأمم بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.

إن انعقاد المؤتمر الوطني الخامس لحزبنا في موعده المحدد، ليعد بحق ثمرة مجهود نضالات كل الباميات والباميين  الذين عقدوا العزم على مواصلة العمل الحزبي الديمقراطي الذي ابتدئه الرواد الأوائل، والذين كان لهم فضل التأسيس والنشأة في ظروف سياسية وثقافية صعبة، استطاعوا معها أن يبدعوا الفكرة الحداثية الديمقراطية البامية، وأن يشيدوا مسارا متميزا للنضال السياسي سواء داخل المؤسسات الدستورية، أو داخل ثنايا المجتمع المغربي؛ عنوانه العريض هو التحديث والدمقرطة في ظل استمرارية الهوية الثقافية والسياسية لبلادنا، من أجل تثمين المشروعية التاريخية للمملكة المغربية، كأساس وحيد وفعال لإنجاز التنمية التي ننشدها جميعا.

لذا سوف يكون من الأفيد جدا؛ ونحن نعقد مؤتمرنا الوطني الخامس في خضم فرحة لقاء المناضلات والمناضلين من مختلف مناطق المغرب وبمختلف انتمائاتهم الاجتماعية والثقافية، شبابا، نساء ورجالا، سوف يكون من نبلنا جميعا أن نعبر عن احترامنا وتقديرنا، وكذلك اعترافا منا بتضحيات ومجهودات مناضلات ومناضلي الرعيل الأول لحزبنا حزب الأصالة والمعاصرة، الذين تحملوا صعاب مرحلة التأسيس وراكموا تجربة فريدة؛ بصدق وأمانة حتى أصبح حزبنا اليوم بفضل شهامة أجيال من النساء والرجال حزبا شامخا وسط المعترك السياسي المغربي؛ وقوة للصف الديمقراطي الوطني لخدمة قضايا بلادنا ونصرة وحدتنا الترابية.

أيتها الأخوات أيها الإخوة الأعزاء.

ينعقد مؤتمرنا هذا في سياق دولي ووطني بالغ الخطورة وعلى درجة عالية من الحساسية، فعلى المستوى الدولي نلاحظ صعود العسكرة في العلاقات الجيوسياسية؛ إذ منذ الحرب الروسية الأكرانية والعالم يعرف عودة الامبراطوريات؛ واحدة غربية هي الولايات المتحدة الأمريكية ومن يدور في فلكها من الدول الغربية؛ والأخرى شرقية هي الصين الشعبية التي استطاعت تأكيد نفسها من جديد كقطب لمجموعة من دول الجنوب، مما جعل العديد من الشعارات التي رفعتها العولمة منذ عقد تسعينيات القرن الماضي تتهاوى، ورأينا تراجع العديد من البديهيات التي كانت تؤسس إلى عهد قريب للعلاقات الدولية، من قبيل التعاون الدولي الإنساني، و تعاون شمال جنوب، قبل أن تتهاوى هذه العناوين مع اختبار جائحة كورونا، وتنهار معها فكرة صراع الحضارات التي كانت موضوع كتابات وحملة ثقافية مكثفة، ومع الحرب الروسية الاكرانية ستكتشف أوربا أن الصراع يوجد بداخلها وليس في مواجهة حضارة أخرى، وبذلك انتهى الصراع بين الحضارات إلى الصراع داخل نفس الحضارة.

 وفي الاقتصاد ضربت كل اتفاقيات التبادل الحر بعرض الحائط، وسدت الحدود من جديد في وجه المهاجرين، وسنت سياسات قاسية في حقهم، وتم استعمال قيم حقوق الإنسان والديمقراطية بازدواجية المعايير التي أفقدتها قيمتها التاريخية والإنسانية، خاصة لدى شعوب دول الجنوب وعلى رأسها الشعوب العربية التي ترى اليوم الشعب الفلسطيني يتعرض للعدوان والتقتيل الهمجي والإبادة الوحشية غير المسبوقة في التاريخ، أمام عجز تام للمؤسسات الدولية التي يفترض فيها حماية المدنيين العزل، بل أمام المجتمع الدولي الذي يفترض فيه شيء من الإنسانية عوض القبول بهذه الوحشية البشعة في تاريخ البشرية، والتي أكدت بالملموس أن العالم أصبح يعيش أزمة أخلاقية وإنسانية، نابعة من تواطئه بالصمت والتجاهل في حق الجرائم والخروقات والانتهاكات التي يتعرض لها القانون الدولي، وبهذا فقد شرعيته، وأكد عدم قدرته على حماية السلم والأمن الدوليين الذين كانا مصدر وجوده، بل وكذلك منبع تشريعاته. وفي هذا السياق الدولي المطبوع بالحروب العسكرية والاقتصادية عادت فكرة الوطنية لتلعب دورا لحماية المصالح بين الدول، مما جعل التحالفات والتقاطبات الدولية تأخذ أشكالا متعددة ومعقدة.

أما على المستوى الوطني فإن السياق الذي ينعقد فيه مؤتمرنا الخامس هذا، يؤكد أنه رغم الصعوبات الاقتصادية، والظروف المناخية الداخلية وكثرة التحديات، فلابد من الاعتراف بوجود العديد من المظاهر الإيجابية والبناءة في مختلف مناحي الحياة العامة للمغاربة، راكمتها بلادنا بفضل ذكائها الجماعي وإيمانها بالعمل المشترك تحت قيادة عاهل البلاد الملك محمد السادس حفظه الله ونصره.

ولعل أبرز وأهم مظهر إيجابي نعيشه في وطننا هو الاستقرار السياسي الديمقراطي الذي ما فتئ يتجسد في سلوكيات مختلف الفاعلين السياسيين داخل البلاد؛ ويتعمق كواقع لا رجعة فيه داخل المؤسسات الدستورية التي تشتغل كصرح مؤطر للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها بلادنا. ولقد مكننا هذا الاستقرار الديمقراطي في تحقيق العديد من الانتصارات وعلى رأسها انتصار عدالة قضية وحدتنا الترابية في كل المحافل الدولية، مما مكن بلادنا من استعادة مكانتها المرموقة في قارتنا الإفريقية، وعند شركائنا الغربيين الموثوقين، وطبعا عند أشقائنا العرب والمسلمين، وفي كل مناطق العالم.

وبهذه المناسبة نريد أن نعبر عن تقديرنا العالي لمساهمة جميع المغاربة في تحقيق نصر وتقدم نوعي ضد خصوم الوحدة الترابية الوطنية، لم يكن ليتحقق في عالم من التحولات لا يؤمن إلا بالقوة لولا حكمة وتبصر ملكنا ووحدة صفنا الوطني وبسالة وشجاعة قواتنا المرابطة على حدودنا. ولن تفوتنا هذه الفرصة اليوم دون أن أوجه رفقتكم ضيوفا ومؤتمرين، أسمى عبارات الشكر والتقدير للعمل الجبار الذي تقوم به القوات المسلحة الملكية المرابطة على الحدود لحماية أمن وسلامة ترابنا الوطني، ولكل قوات الأمن الوطني والدرك الملكي والوقاية المدنية والقوات المساعدة والسلطات المحلية، وكل نساء ورجال المغرب الذين لهم مسؤولية أمننا وسلامتنا ويكدون بتضحيات جسام في صمت ونكران للذات، كي يحيا وطننا في سلم وسلام وطمأنينة.

إن استقرارنا الديمقراطي؛ وانتصاراتنا في معركة وحدتنا الترابية؛ جعل العالم يشهد على أننا وطن وشعب واحد تحت رعاية ملك واحد موحد، نقف كوطن له جغرافية واحدة غير قابلة للتجزيء، وحدود ضاربة في التاريخ غير قابلة للمساس، نقف كشعب له قضية وله إيمان: قضية استنهاض كل مكونات الوطن من طنجة إلى لكويرة ومن مغاربة العالم من أجل التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي. وله إيمان بقدراته كشعب متنوع المكونات الثقافية، متشبث بالمشروعية التاريخية التي تتمتع بها ملكيتنا.

  لكل ذلك استطاع المغرب أن يكون نموذجا في إنجاز الإصلاحات التي رآها ضرورية لتحديث اقتصاده ومؤسساته ليربح اندماجه في عصره، فلم يتردد في عصرنة ترسانته القانونية؛ وتجديد مؤسساته السياسية؛ وتحديث العلاقات المهنية والإنتاجية والاجتماعية لكل قطاعاته الحيوية، ويشهد له الجميع، وآخرها انتخابه على رأس مجلس حقوق الانسان بالأمم المتحدة، على أن مصداقيته الإقليمية والدولية ديمقراطيا وحقوقيا وتنمويا نالها عن جدارة وبعمل دؤوب وصادق ليحتل مكانة محترمة في عالم اليوم، باستثناء عدمية الخصوم والجيران وغموض بعض الأصدقاء من دول أخرى الذين لم ينسجموا مع التحول المطلوب في القيم والأهداف التي كانوا يدعون إلى الالتزام بها، فعندما حقق المغرب أهدافه الاقتصادية والاجتماعية في الإصلاح والتنمية، واستطاع إحراز قاعدة واسعة من اندماجه الثقافي والترابي، لم يجد عند هذه الدول القليلة الوفاء والاعتراف بحقوقه في الوحدة الترابية والمعاملة الحضارية  التي تليق به كدولة لها عراقة في التاريخ ووضع اعتباري في المحفل الدولي.

إن قوة المغرب اليوم، وطن وشعب وملك؛ تتجلى في الاتجاه الاستراتيجي الذي يبتدعه ويجسده أكثر مما تتجلى في النمو الذي يحققه، وبالتالي فإننا كحزب ديمقراطي حداثي يجب ألا ننجر لنقاش أشباه القضايا التي يروج لها البعض في مواقع التواصل الاجتماعي بأسلوب شفاهي رديئ وجبان، ولا يجرؤ على كتابة مواقفه وتدوينها بمنطق يليق معه النقاش العلمي الديمقراطي.

حضرات السيدات والسادة الأفاضل

 إن تعميق التوجه الاستراتيجي الاجتماعي، هو من مهام القوى الديمقراطية الوطنية التي يقود بعضها اليوم القرار الحكومي؛ وهو دور حزب الأصالة والمعاصرة في تحصين المكتسبات الوطنية، وتقديم حلول جديدة لكل التحديات المطروحة على التنمية ببلادنا، وهذا قدرنا ونؤمن به، بل أكثر من ذلك نجزم أن الحظ المعاكس الذي يصادف إنجازات هذه الحكومة ليس هو الجفاف كما يظن البعض، أو تلاحق أحداث مفاجئة كالحرب الاكرانية الروسية، أو زلزال الحوز وتارودانت؛ بل ما نلاحظه كحزب ديمقراطي يشارك لأول مرة في الحكومة هو الغياب شبه التام للنقاش الفكري السياسي الديمقراطي لمشاريعنا وبرامجنا الحكومية، بل لنقولها وبصراحة: إن غياب النقاش السياسي العقلاني من الوسطاء السياسيين الديمقراطيين داخل فضاء المؤسسات الدستورية جعلنا نعيش فراغا خطيرا، ومع كامل الأسف سيملأ هذا الفراغ خطاب شعبوي فارغ داخل مواقع التواصل الاجتماعي، في معظمه غير سياسي ولا هو فكري، يشتغل على فهم ونقد السياسة الحكومية بطريقة سطحية شعبوية وحتى عدوانية، من أجل تصفية حسابات ذاتية ضيقة أحيانا، وأحيانا أخرى من أجل أرباح وعائدات ناتجة عن مسخ في صورة اليوتيوب وتفاهة في التيكتوك بواسطة تهريج يهدف إلى النيل من شخصيات حكومية أو إقحام بعض القضايا الحزبية في تداول حكواتي رديء وبئيس، يستغل مع الأسف عاطفة بعض المتلقين، فيحاول بهذا النقاش الرديئ أن يعوض التناظر بالأفكار والبرامج والوقائع بأسلوب يحترم ذكاء أغلبية الرأي العام الوطني، إضافة إلى أنه يجب التأكيد على أن آفة النسيان كانت السبب الكبير في الإساءة إلينا، نسيان أصحاب القرار بالأمس كل ما فعلوه أو لم ينجزوه من موقع تواجدهم داخل القرار الذي نحن فيه، واليوم يحولونه إلى أحكام ضدنا ويتحولون معه إلى خصم وحكم.

إن سوء حظ حزبنا، أو ربما الحكومة برمتها اليوم هو أنها تطبق إصلاحات تاريخية عميقة دون مواكبتها بنقاش عمومي ديمقراطي يجعل هذه الإصلاحات تتمتع بوضوح في وعي المواطنات والمواطنين، وعندما نقول أن سياسة الحكومة هي موضوع إصلاحات تاريخية وأخرى لأعطاب وكوارث حديثة، وعلى رأسها محاولة تدارك التأخر في ورش توفير الماء الشروب، وتسوية ملف متعاقدي التعليم، وتعميم الحماية الاجتماعية، والدعم الاجتماعي المباشر ودعم السكن وغيرها من الإصلاحات، فلا ندعي أننا حكومة إصلاحية من باب التضخيم اللغوي أو المزايدات السياسية؛ بل من باب الاعتراف الموضوعي، فلأول مرة في التاريخ، ورغم الإكراهات غير المسبوقة، يعيش المغرب سياسة حقيقية تجمع بين تنمية الاستثمارات العمومية وتحفيز المقاولات الخاصة وإنجاز الأوراش الكبرى، وفي الآن نفسه تنمية الوضع الاجتماعي لعموم المغاربة؛ خاصة الفئات الأكثر هشاشة.

إن أهمية إصلاحات الحكومة تعني ضمن ما تعنيه أنها ستنقل المغرب بعد مرحلة الحماية الفردية المدنية التي تعتمد بناء دولة القانون واحترام حقوق الإنسان؛ إلى مرحلة الحماية الاجتماعية التي تقود إلى حماية الأفراد من مخاطر الحياة  كالمرض والعجز في الشيخوخة، وبالتالي فإن هذه الإصلاحات التي يقودها جلالة الملك وتنفذها الحكومة بجدية وسرعة ونجاعة، سوف تجعل أفراد المجتمع المغربي أكثر حماية من أي وقت مضى، فعندما تصبح الحقوق الاجتماعية مضمونة لغالبية المواطنات والمواطنين، فإنها تشيع حياة عامة ملئها السلم، وتخلق ثقافة السلوك المدني، بعيدا عن فهم النزاعات الاجتماعية فهما عنيفا تطاحنيا.

لذلك فإننا في حزب الأصالة والمعاصرة إذ ننخرط من موقعنا الحكومي في التطبيق السليم والسريع لكل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، فإننا نؤكد على أمر أساسي ومهم بالنسبة لنا كديمقراطيين وحداثيين؛ وهو أن التقدم الاجتماعي الذي نطمح ونعمل من أجله جميعا؛ هو سيرورة معقدة من التراكمات والإنجازات والحقوق والمكتسبات؛ وليس وليد قرار واحد كبير في مساء يوم جميل. كما ندرك جيدا أن هذه الإصلاحات الكبرى ما كان لها أن تقوم لولا حضورنا كحزب وطني مسؤول داخل الأغلبية الحكومية الحالية، كحزب وفي للعرش وللملك، وكحزب صادق مع مؤسسة رئاسة الحكومة، وكحزب صبور ومنضبط لميثاق الأغلبية، وكحزب مبدع وخلاق في الاقتراحات والبرامج، وكحزب مخلص لحلفائه في جميع المؤسسات، فالتاريخ سيشهد أن حزبنا ساهم بقوة في إنجاح التجربة الحكومية الرائدة، بفضل تضحياته، بوضوح خطابه، وبدعمه اللامشروط للإصلاحات التي تقوم بها الحكومة، وبابتعاده عن ممارسة ازدواجية المواقف أو الضرب تحت الحزام ضد حلفائه. واسمحوا لي بهذه المناسبة أن أتوجه إلى السيد رئيس الحكومة المحترم الذي التزمنا معه عند تعييننا من طرف جلالة الملك وتنصيبنا من طرف البرلمان، بأننا نؤكد من جديد، عزمنا التام بمعية حليفنا الحزب الكبير حزب الاستقلال بقيادة الصديق نزار البركة، مواصلة التزامنا الأخلاقي والسياسي الكاملين داخل الأغلبية، لإنجاح التجربة الحكومية الحالية,

أيها الحليفان، لقد حققنا انتصارا انتخابيا في 8 شتنبر 2021، غير أن هذا الانتصار يحتاج إلى التتويج، وذلك بالعمل المشترك، النزيه والصادق، الصريح والشجاع فيما بيننا، لكي نسير في مسار الحداثة دون أي تراجع في المستقبل، ونقطع مع الثقافة الماضوية والسلوك الاندحاري والنكوص السياسي، حتى يتبوأ بلدنا أوج الموقع الحداثي الديمقراطي الذي يليق به.

 أيتها المناضلات أيها المناضلون

إن أخطر صعوبة يمكن أن يواجهها البرنامج الإصلاحي لحكومتنا هي صعوبة ذات طبيعة ثقافية. إذ أن هناك توجهين في بعض الأوساط السياسية والإعلامية ووسائل التواصل الإجتماعي: توجه عدمي لا يراعي أي تقدم في الحياة العامة للمغاربة، وتوجه خنوع للواقع يرى أن المغرب قد وصل للكمال والأفضل. كلا التوجهين يلتقيان في رؤيتهما الإستسلامية للواقع. فالعدمي يواجه الواقع بمنطق إما كل شيء أو لا شيء، وبما أن تحقيق كل شيء دفعة واحدة غير ممكن واقعيا وعقلانيا ومنطقيا، وبذلك يرتكن إلى نقد سياسي أسود يخفي به استسلامه أمام تعقد الواقع وتحدياته. والخنوع يواجه الواقع بمقولة ليس بإمكاننا إبداع أحسن مما هو كائن، ويستسلم في خطاب تمجيدي مبالغ فيه يشل إرادة التجويد والتقدم وممارسة الذكاء الجماعي.

إن ثقافة الاستسلام أمام الأزمات هي أكبر خطر يتهدد ديمقراطيتنا النامية، لأنها تفهم الإصلاح بغير ثقافة الإصلاح والتغيير التي تعتمد أول ما تعتمد عليه هو الايمان بأن التاريخ سيرورة من التحولات تقوم أساسا على توافق القوى الحية للمجتمع، ونحن في حزب الأصالة والمعاصرة بمعية كل الديمقراطيين الإصلاحيين مطالبين بالتشبث بالرؤية الجدلية للواقع المغربي الذي ما فتئ يعبر عنه صاحب الجلالة الملك محمد السادس في الكثير من خطبه السامية عندما يقف على الإنجازات الكبرى للمملكة على درب التنمية والتقدم؛ وفي نفس الآن يقدم انتقاداته الحكيمة للأداء السياسي والاقتصادي والمؤسساتي للنخب المغربية، ومن ثم يبرز بكل جرأة ووضوح الاختلالات والنواقص التي لاتزال تعتري واقعنا المغربي.

إن واقعنا الراهن للمجتمع المغربي بالقدر الذي تحققت فيه العديد من الإنجازات الهامة والتاريخية؛ بالقدر الذي نحن مطالبون بأن نتحلى بأكثر ما يمكن من الطموح الديمقراطي لنساهم بالأفكار والتصورات والبرامج القادرة على التغلب على الصعاب التي تواجهها التنمية الوطنية في عالم لا يتوقف عن مفاجئتنا بالتحولات والاكراهات الجديدة.

لهذا على حزبنا أن يظل دائما خلية نشطة للتفكير والنقاش العلمي لقضايا التنمية والديمقراطية حتى يساهم في تقديم الحلول المناسبة لتاريخ المجتمع المغربي، فحزبنا اليوم قطع أشواطا كبيرة على مسار بنائه كحزب ديمقراطي عصري قادر على خوض غمار التحديات سواء داخل المؤسسات الدستورية؛ أو داخل المجال العمومي والمدني. فالحزب يتمتع اليوم بإصلاحات هامة وبتراكمات جد قوية حققناها أو لنقل أضفناها خلال الأربع سنوات الأخيرة رغم إكراه سنتين من الجائحة التي عطلت عملنا ولقاءاتنا واشتغال مؤسساتنا الحزبية، ورغم ذلك حققنا جماعيا قفزة إصلاح إدارية هامة رغم كلفتها المالية الباهظة بعدما نقلنا تكلفة عقود كراء جميع المقرات باسم الحزب وسوينا الوضعية الاجتماعية لمستخدمينا الإداريين، واقتناء عقارات لأول مرة باسم الحزب، وعززنا باللجوء إلى كفاءات وطاقات شابة من الحزب أبانت على قدرة عالية في التدبير والتنظيم واقتراح البرامج والدراسات والأبحاث في كل المراحل التي عاشها الحزب الذي ظل حاضرا بمواقفه الدائمة من كل القضايا، بل ربما حزبنا الحزب الوحيد الأكثر حضورا في الساحة من خلال مواقفه العديدة الناتجة عن كثرة وانتظامية اجتماعات مؤسساته، لاسيما مكتبه السياسي ومجلسه الوطني. كما أن الانتشار الجغرافي الواسع للحزب في كل أنحاء ومناطق المملكة، وتمثيليته المتجذرة داخل مختلف طبقات وفئات المجتمع وداخل كل المؤسسات المحلية والترابية والوطنية، وغناه بتنوع طاقاته من الشباب والنساء والمثقفين الذين أتبتوا جدارتهم في تدبير كل المسؤوليات التي أوكلت لهم زادت من قوة ومكانة الحزب في الساحة السياسية، ولاشك أن الوثائق والأدبيات التي قدمت لمؤتمرنا هذا في مختلف المجالات، سوف يكون لها إضافات قيمة فكريا وسياسيا، وسوف تغني النقاش الوطني حول مختلف التحديات الخارجية و القضايا الداخلية المطروحة راهنا.

أيتها المناضلات أيها المناضلون

نقول بكل موضوعية، أننا نجحنا جميعا في تحقيق أشياء كثيرة وربما أخفقنا، أو لم يسعفنا الوقت لبلوغ أخرى، نجحنا في بناء تنظيم نسائي ديمقراطي قوي لحزبنا جاء نتيجة سنتين من المخاض والتواصل داخل أغلب جهات المملكة، واقتربنا من خط نهاية وضع اللمسات الأخيرة على مؤسستي شباب الحزب والمنتخبين، لولا مداهمة عامل وضغط عقد المؤتمرات الجهوية، وفي نفس الوقت التحضير لمؤتمرنا هذا كي يعقد في وقته المعلن.

لذلك فإننا نقول لمن يريد انتقادنا: وهو حق كل المناضلين، بل حق كل المغاربة؛ أن عليهم أن ينطلقوا بهدوء من أدبياتنا التي تضم تحليلاتنا وتصوراتنا ومواقفنا، ليطلعوا على ما أنجزه مناضلاتنا ومناضلونا لفائدة منتخبيهم في القرى والمدن الصغرى والكبرى، وفي أهم جهات المملكة وداخل قبة البرلمان بمجلسيه وفي الحكومة، فالنقد الديمقراطي البناء؛ هو النقد الذي يشغل العقل بالعلاقة مع الواقع وليس النقد الذي يبقى حبيس الذاكرة؛ ولاسيما من ذاكرته قصيرة وضيقة. 

أيتها الأخوات أيها الأخوة الأعزاء.

إن انعقاد المؤتمر الخامس لحزب الاصالة والمعاصرة هو بمثابة عرس ديمقراطي لكل أنصار التحديث والتقدم ببلادنا، وهو نتيجة نجاح جماعي لكل الباميات والباميين على درب تطوير وتعميق فكرة حزبنا للمساهمة إلى جانب كل الديمقراطيين بالمغرب في تنمية حياة سياسية مؤسساتية تمنح للمواطنة المغربية كل حظوظ الرقي والازدهار.

واسمحوا لي في هذه اللحظة الهامة أن أتوجه بالشكر والتقدير لجميع مناضلاتنا ومناضلينا الذين اشتغلنا جميعا من أجل الحزب، من أجل الفكرة والمشروع، لقد كانت لحظات جميلة في العمل المشترك معكم، وكان لي شرف تقلد الأمانة العامة لهذا المشروع السياسي العتيد، للعمل المشترك مع مناضلات ومناضلين رائعين، تعاملوا معي بمستوى أخلاقي عالي، وهذا يزيد فخري، فشكرا لكن ولكم جميعا.

وبنفس المناسبة أتوجه إلى وزيرات ووزراء الحزب المحترمين، وإلى رفيقاتي ورفاقي داخل المكتب السياسي، بعظيم الشكر والامتنان على كل اللحظات السياسية الجميلة التي قضيناها داخل المكتب السياسي، باختلافاتها الحادة وبتوافقاتها، اختلفنا كثيرا لكن لم يثبت أن زغنا عن القرار الحزبي، تحملتموني كثيرا، فشكر لكم على كل مواقفكم ومبادئكم وعلى العمل الجماعي الرائع الذي قدمناه طيلة المرحلة السابقة.

واسمحوا لي بنفس المناسبة أن أتوجه كذلك، وبنفس روح التقدير والشكر والعرفان للطاقم الإداري والإعلامي للحزب، على كل ما قاموا به من أدوار أساسية وعلى كل ما حققناها جماعيا بفضل تضحياتهم الكبيرة وعملهم المسؤول، فشكرا لكم جميعا. لقد تحملتم معي كل ما سمعناه من اتهامات وإهانات وشتائم، وهجمات إعلامية ظالمة مأجورة تحوم حولها رائحة الارتزاق والابتزاز، تنهش في جسم الحزب ومناضليه، فقط لأننا ندافع عن فكرة وعن مشروع، وإذا كان كل هذا من أجل مغرب ديمقراطي حداثي، فإننا مستعدين لتحمله بكل أريحية وصبر وأنات، بل إذا كان هذا هو الثمن، فليكن وكان بها، لأن مشروع مستقبل هذه الأمة أغلى وأكبر من حروب الأقزام، ولؤم وجحود إخوة الأمس.

 حضرات السيدات والسادة

إن انعقاد مؤتمرنا الوطني الخامس اليوم هو دليل قاطع على نجاحنا جميعا كمناضلات ومناضلين في مختلف المواقع والجهات في بناء حزب وطني ديمقراطي حداثي، موحد ومسؤول أمام تاريخ وطنه، وقادر على المساهمة الفعالة والبناءة في تشييد تجربة مغربية متميزة في التحضر والتنمية.

 فعلى عكس ما اعتقده البعض في الأمس القريب ويحلم به البعض الآخر اليوم، ها نحن اليوم صوت واحد؛ ويد واحدة ماضون جماعيا في اتجاه موحد نقول للتاريخ كلمتنا، لقد قوتنا الخلافات وأغنانا التنوع؛ وأذكى فينا النقاش  نباهة العمل الجماعي وأهمية تكامل الجهود، لنصبح في وحدة تتصاعد قوتها من فروع الحزب إلى هيآته الإقليمية والجهوية لتصب في قيادة حزبية وطنية عمادها وحدة الموقف والثبات لخدمة الوطن، مؤتمرنا اليوم؛ هو نجاح جماعي لنا في ترسيخ ثقافة التوافق داخل الحياة الداخلية لحزبنا، ونجاح في نشر قيم الحوار والتشاور والاستماع للرأي والرأي الآخر، لتكون قراراتنا دائما جماعية، فرغم مشاركتنا في الحكومة؛ وما عرفته هذه المرحلة من تطورات عديدة وأحداث متتالية؛ ظلت وحدة الحزب قوية وديمقراطيته الداخلية في صحة جيدة رغم الضربات والافتراءات؛ ومناضلاته ومناضلوه فخورين بحزبهم، وبقيادتهم، وبممثليهم داخل المؤسسات الدستورية والسياسية، فخورين بمسؤولية وتفاني وزراء الحزب في العمل بانسجام وتضامن داخل الحكومة، فخورين ببرلمانيي الحزب المجسدين بوفاء لميثاق الأغلبية في مرافعاتهم واشتغالهم وحضورهم داخل مختلف هيئات ومؤسسات البرلمان، لذلك فأنا على يقين تام بأن حزبنا سيخرج من هذه المحطة أكثر قوة كما يحصل بعد كل الأزمات التي مر منها، والتي تعطيه قوة لأنه محصن ومستمد لمناعة سليمة من مبادئه التأسيسية التي ستظل أكبر واق من التعثرات وحتى الصدمات.

أيها الأخوات المناضلات أيها الإخوة المناضلون الأعزاء

لم نكن لنقيم هذا العرس النضالي اليوم ونلتقي في رحاب مؤتمرنا الوطني الخامس كتعبير عن نجاحنا طيلة المرحلة الممتدة من المؤتمر الرابع إلى اليوم، لولا تمتعنا بثلاثة خصال نبيلة وأصيلة وأساسية في كل نضال سياسي ديمقراطي، المتمثلة في كوننا ظللنا دائما: أولا أصيلين وحقيقيين، ثانيا جديين وصادقين، ثالثا عادلين وديمقراطيين.

نجحنا في تجربتنا الديمقراطية لأننا كنا وسنظل أولا حقيقيين بالعلاقة مع اللحظة التاريخية الموضوعية التي يمر منها مجتمعنا؛ وضرورة مقتضياتها السياسية، وتحلينا بالموضوعية التي تملي علينا الإصغاء لنبض مجتمعنا والامتثال لقضاياه الأساسية، مبتعدين عن خطاب النخبوية التي تسجن السياسة في طوبويات تخيلية تملي على الواقع رغباتها الذاتية عوض أن تمتثل لمعطياته وتناقضاته الخاصة. وثانيا نجحنا في تجربتنا الديمقراطية لأننا كنا جديين وصادقين في ممارسة قناعاتنا الفكرية والأخلاقية تنظيما وسياسة كنا وسنظل منسجمين مع القناعات الديمقراطية والوطنية التي نحملها، فسواء في الأمس عندما كنا في المعارضة أو اليوم داخل الحكومة فإن موقفنا وممارستنا داخل المؤسسات وفي أوساط المجتمع كانت دائما تعبر عن قناعاتنا الفكرية المؤمنة بالوطنية هدفا وبالدمقراطية تنظيما ونهجا، كنا جديين وصادقين في مواقفنا مع حلفائنا وحتى في خصوماتنا مع الفاعل السياسي، بل كنا جديين وصادقين حتى في الاعتراف بأخطائنا والعمل على تصحيحها، ونجحنا في تجربتنا الديمقراطية في بناء مكانة محترمة لحزبنا داخل المشهد السياسي المغربي، لأننا ثالثا كنا ديمقراطيين وعادلين في العلاقة مع قضايا مجتمعنا وقيمه الدينية والمدنية وخصوصياته التاريخية، فرغم أننا حزب الأصالة بدلالتها التاريخية والدينية فلم ندعي يوما أنها لنا وحدنا، فالدين للجميع، و لا يتفاضل أحد على الآخر إلا بالأخلاق والقيم الظاهرة التي يتعامل بها، والله يتولى السرائر، لذلك لم نتهم أحدا بخروجه عن الأصالة ولا بمناهضته للمعاصرة التي نعتبرهما ملكا لشعبنا وسند وجوده وضمان استقراره وتطوره؛ لذلك لم نستورد حلولا جاهزة من الماضي ولم نلوح بأسئلة خاطئة باسم المعاصرة، كنا دائما نتجه إلى فهم مجتمعنا دون أن نكون معنيين بنجاحنا فقط، بل تحلينا دائما بأخلاق المسؤولية التي تدعو إلى الحوار مع مجتمعنا أخذا بعين الاعتبار أوضاعه الخاصة وتاريخه المشترك ومستقبله الموعود.

كل هذه الخصال الديمقراطية الثلاث هي التي جعلتنا اليوم بإرادة قوية بعيدين عن كل أنانية حزبوية أو نخبوية تسقطنا في التعاطي مع مجتمعنا بتعال وغرور، إنها الفضائل والخصال التي مكنتنا من بناء مواقف وممارسات ديمقراطية تعتمد الإقناع القائم على الحجة والبرهان، وعلى الحوار العقلاني واتخاذ المصلحة العامة للوطن كبوصلة وحيدة لنضالنا.

فالمواقف التي اتخذناها في بعض محطاتنا النضالية وفهمت على أنها تنازل أو تراخ أو قبول متسرع بعرض ما؛ كانت بالنسبة لنا أخلاقا ديمقراطية للعمل السياسي المسؤول الذي يحترم مبادئ خلفيتنا الفكرية الديمقراطية ويحترم حلفاءنا وفق أفق سياسي للمرحلة، ومستعدون اليوم لدفع الثمن السياسي ما دمنا صادقين.

إن تشبثنا بالمرجعية الديمقراطية تنظيما وأخلاقا وسلوكا سياسيا كيفما كانت تطورات الأحداث وتقلبات الواقع هو الذي أزعج بعض خصومنا في الحياة السياسية المغربية الذين ظلوا يترقبون فشلنا التنظيمي، ويتخيلون اصطياد أخطاءنا؛ ويفتعلون الاشاعات والأكاذيب لكي يبثوا جو التشكيك في طاقات وكفاءات وزرائنا وأطرنا الحزبية وقدرات حزبنا في المساهمة في تدبير الشأن العام.

واليوم بعد مرور أكثر من أربعة سنوات على المؤتمر الرابع وبعد مرور أكثر من سنتين على مشاركتنا في الحكومة وتقلد حقائب وزارية وازنة، فها نحن في رحاب المؤتمر الخامس نعطي الدليل لمن يحتاج إليه على أننا حزبا جماهيريا حقيقيا قادر على المساهمة الفعالة في تحديث وتنمية بلاده محليا وجهويا، وطنيا ودوليا.

فحزبنا اليوم لم يعد وعدا بالنضال فقط، ولم يعد حلما بالغد الجميل فقط، بل هو الآن وبفضل مناضلاته ومنضاليه، نساء وشبابا ورجالا في القرى والحواضر، داخل المؤسسات وفي الساحة العامة؛ في الحكومة وفي أوساط الشعب؛ بل حزبا واقعا حيا ديناميكيا ومؤسسة ديمقراطية.

 فحزب الأصالة والمعاصرة اليوم يؤكد توجها، ويجسد ثقافة وقيما، ويبني حلولا وبدائل. يؤكد توجها هو التوجه السياسي الديمقراطي الحداثي المؤمن بجدوره التاريخية المغربية والواثق من مسيرته الحضارية نحو الرقي والتقدم. وهو حزب يجسد لثقافة هي الثقافة الوطنية الديمقراطية الضاربة بأصولها في ديننا الحنيف وقيمه السمحة؛ وتعدد روافدها العربية والأمازيغية والحسانية التي تطورت في مختلف جهات وربوع المملكة. يجسد ثقافة العدل والمساوات وحقوق الفرد ودولة الإنصاف والقانون والمؤسسات. وحزبنا اليوم أكثر من توجه وأكثر من ثقافة؛ إنه قوة اقتراحية وفاعل للحلول ومساهم جاد في سيرورة التحديث التي تعرفها بلادنا، فسواء في مجال السكن والتعمير حيث لأول مرة يتمكن المغاربة من دعم مالي مباشر للحصول على سكن لائق، أو في مجال الجامعة المغربية والبحث العلمي حيث يعيش الوسط الأكاديمي المغربي انطلاقة جديدة غير مسبوقة في التكوين والتدريس والبحث، أوفي مجال الطاقة والطاقات المتجددة حيث الجهود تبذل يوميا للحفاظ على التوازنات التي تضمن للمغرب استقرارا في عالم لا يتوقف عن التغيير الجيوسياسي؛ أو في مجال الرقمنة وإصلاح الإدارة لتسهيل ولوج المغاربة لعالم التقنيات الحديثة والخدمات الإدارية الجيدة. أو في مجال الثقافة وتثمين التراث الفني المغربي الأصيل وتشجيع الصناعة الثقافية والابتكار. وفي مجال إنعاش الشغل والنهوض بتكوين الموارد البشرية ومأسسة الحوار الاجتماعي، أو الثورة التشريعية في مجال العدالة وفي البنية التحتية للمحاكم وغيرها من المجالات الحكومية، وفي كل المؤسسات المحلية والإقليمية والجهوية قدم حزب الأصالة والمعاصرة اجتهاداته لإيجاد حلول لمشاكل المغاربة؛ واقترح بدائل حقيقية للمساهمة في تنمية بلاده وتحسين شروط عيش مواطناته ومواطنيه، فحزبكم اليوم لم يعد وافدا جديدا أو حتى فرضية في المشهد السياسي المغربي، بل أصبح حزبا فاعلا في الواقع السياسي وشريكا موثوقا به في بناء مستقبل الوطن، وخير حزب يجسد السلوك الإصلاحي التشاركي؛ إذ وزراؤنا دائما يفتحون نقاشا عموميا في المؤسسات أو في وسائل الاعلام حول كل الإصلاحات التي أنجزوها خلال هذه المرحلة من عمر الحكومة، وفي كل المجالات التي جئنا فيها بإصلاحات إلا وأصررنا على فتح حوارات واستشارات جادة مع المهنيين المعنيين بهذه الإصلاحات، وقدمنا تصوراتنا للرأي العام رغم التشويش الممنهج من بعض الأطراف سامحها الله؛ وفتحنا صدرنا للنقد البناء ولم نتفرد أبدا بفرض إصلاحات فوقية.

واسمحوا لي بهذه المناسبة أن أتوجه لإخواننا وشركائنا السياسيين في المعارضة الممثلة داخل البرلمان، لنؤكد لكم من جديد، أن حزبنا من موقع تجربته السابقة في المعارضة يؤمن بشدة أنه لا وجود للانفرادية أو التغول في القرار السياسي مهما بلغت قوة الأغلبية، لأن القرارات الوطنية الإصلاحية هي عمل جماعي مشترك الكل يساهم فيه من موقعه في الأغلبية والمعارضة، فنحن في حزب الأصالة والمعاصرة نعتبر أن المعارضة المؤسساتية الدستورية شريك أساسي في عملنا الحكومي، فهي تنبهنا لأخطائنا، وتصحح مسار توجهاتنا، وهي قوة اقتراحية تعزز برامجنا، وبذلك تساهم معنا في خلق ذلك الذكاء الجماعي المسخر لخذمة مواطنينا ووطننا، لذلك اسمحوا لي أن أتقدم لكم بالشكر الجزيل على مواقفكم رغما أنها تكون أحيانا قاسية أو بلغة سياسية قد تخون المعنى، فنقبل بها مادامت بنية صادقة، لذلك يشرفنا دوركم الدستوري النبيل، وأخلاقكم الوطنية العالية، ومواقفكم الموضوعية، فشكرا لكم.  

أيتها المناضلات أيها المناضلون

إذا كانت نضالاتنا اليوم قد حققت الكثير أولها بناء حزب محترم وفعال؛ فإن الآمال التي نجسدها لناخبينا تملي علينا أن نتحلى بالكثير من الصرامة النقدية الموضوعية اتجاه سلوكنا النضالي، فالحزب قام في السنوات الأربع الأخيرة بمجهود مقدر على مستوى توفير الإمكانيات المادية واللوجستيكية والتنظيمية لمناضليه؛ لذلك أصبح لزاما علينا أن نطور أساليب عملنا السياسي ونبدع في أشكال تواجدنا داخل المجتمع؛ ونجتهد في إيجاد الحلول والبدائل لقضايا التنمية ببلادنا، نحتاج اليوم إلى مراجعة عمل كل مقرات حزبنا على امتدادها بربوع المملكة لنجعل منها فضاءات مواطنة تفتح أبوابها أكثر للشباب المتمدرس والمثقف؛ للنساء المناضلات من مختلف المجالات، للرجال الصادقين، لكي ترتقي من مقرات سياسية محدودة إلى فضاءات للتعلم والتكوين وتبادل الخبرات والتجارب، وفضاءات للنقاش الديمقراطي حول أسئلة مغرب اليوم في مختلف المجالات؛ لنساهم في بناء أجيال مغرب الغد، علينا أن نكون في عمق مشاغل أبناء وطننا؛ في القرى والمدن الصغرى والكبرى؛ وأن نفتح لهم مقرات حزبنا للإنصات واحتضان انشغالاتهم ومن تم نقلها للقيادة بالمركز؛ ومساعدة العائلات المحتاجة على توفير ظروف ملائمة لنجاح أبنائهم في المدرسة؛ والتوعية الصحية والبيئة والغذائية، فالدرس النبيل في التضامن الذي لقن به المغاربة العالم عند واقعة زلزال الحوز وتارودانت؛ يجب أن نستفيد منه ونستثمره لنطور أشكال التضامن في كل الميادين والمجالات، علينا أن نكون كباميات وباميين على مقربة من حاجيات المواطنات والمواطنين، وعند حسن ظنهم فينا لنجعل السياسة في خدمة آمال وأحلام المغاربة لا وسيلة للمصالح الذاتية الضيقة، وهذه حقا هي ممارسة السياسة بشكل مغاير.

الأخوات المناضلات الإخوة المناضلون

قبل الختم أود أن أتقدم بخالص التقدير وجميل العرفان للجنة التحضيرية لمؤتمرنا هذا، وكذلك التضحيات والجهود والتفاني التي قاد بها أخونا سمير كودار رئيس اللجنة التحضيرية وأعضائها كل مراحل الإعداد لهذا المؤتمر، حتى تمكنا من عقد لقاءنا هذا في ظروف وأجواء أكثر من رائعة، والشكر موصول لكل رؤساء وأعضاء اللجان الفرعية للجنة التحضيرية على جهودهم وأوراقهم القانونية والمذهبية والسياسية الرائعة الموضوعة رهن تحليل وتدقيق جميع المؤتمرات والمؤتمرين، ومن خلالهم أتوجه باسمكم جميعا بالشكر الجزيل إلى الأمناء الجهويين والإقليميين للحزب وكل جنود الخفاء الذين ساهموا في إنجاح هذا العرس الديمقراطي النضالي الذي يؤكد لمن لايزال في نفسه شك، على أن حزب البام مثل طائر الفينيق سرعان ما يخرج من رماده قويا، شامخا، ساطعا كما ترونه اليوم جميعا أمامكم.

ختاما، وبكل تجرد ونزاهة أجزم أننا جميعا كباميات وباميين حققنا الكثير خلال الأربع سنوات الماضية، رغم إكراهات توقف العمل النضالي المؤسساتي لمدة سنتين بسبب كوفيد 19، والإنهاك في ضرورة مواجهة انتخابات تشريعية ومحلية جد ساخنة وغير مسبوقة، وتبعات الخروج من مؤتمر مليء بالجراح والاختلافات، رغم كل ذلك حققنا الكثير للحزب، هل بلغنا الكمال؟ بطبيعة الحال الكمال لله، لكن الذي نحن متيقنين منه أننا اشتغلنا بصدق وبنزاهة، وعملنا بنية خالصة، اجتهدنا كثيرا فإن أصبنا وحالفنا التوفيق ذاك ما سعينا إليه، وإن تعثرنا في إصلاحات أخرى فخارج عن قدراتنا وإرادتنا مع الاعتذار  للمناضلات والمناضلين عن كل تقصير قد يكون صدر منا، فكنا ولازلنا مؤمنين أن مصلحة حزبنا هامة وفوق مصالحنا وحتى مواقعنا، ولكنها لن تعلو في يوم من الأيام عن مصلحة وطننا المغرب الذي نؤمن أن العيش فيه هو حظ لا مثيل له: ملك وطني ديمقراطي يقود البلاد للتنمية والتقدم؛ شعب بثقافة متنوعة تتعايش بحب وسلم؛ وأحزاب وطنية أغلبية ومعارضة متشبثة بالثوابت ومشرفة للوطن، وجغرافية زاخرة بطبيعة خلابة؛ كل هذا يحملنا في حزب الاصالة والمعاصرة مسؤولية أن نبقى دائما في مستوى روعة هذا الوطن ولاشيئ غير الوطن.

وفقنا الله جميعا لما فيه خير وطننا ومواطنينا تحت القيادة الحكيمة والمتبصرة لمولانا صاحب الجلالة الملك حمد السادس حفظه الله ونصره.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

المصدر : فاس نيوز ميديا