بقلم طارق الكميري رئيس الرابطة الوطنية للمقاولين الشباب
عجيب أمر بعض الادارات المغربية ففي سنة 2024 لا زالت لم تستوعب التوجه العام لمحاربة الفساد و لم تأخذ مأخذ الجد التعليمات الملكية السامية بخصوص دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة خصوصا و نشر ثقافة المنافسة الشريفة عموما.
اليوم نناقش سلوك إحدى الشركات الفرعية التابعة لمجموعة وطنية عقارية ضخمة و نوضح بالدليل القاطع عدم احترام المعايير المعمول بها و النصوص التنظيمية المتعلقة بالطلبيات العمومية.
نناقش اليوم طلب عروض (مفتوح) متعلق بحراسة أوراش الشركة.
بدءا يجب أن نتفق أن واقع تفويت صفقات الحراسة ينذر بكارثة لما يحتويه من خروقات كثيرة تهم أساسا عدم احترام قانون الشغل و الحد الأدنى للأجور باعتبار الميزانية الهزيلة التي تخصصها الإدارة لهذا النوع من الخدمات.
من جهة أخرى تعتبر هذه المجموعة من أهم المؤسسات العمومية الفاعلة في تطوير المنتوج العقاري بصفة خاصة و بالتالي إنعاش الاقتصاد الوطني، لذالك فإن التدبير الأمثل لمواردها المالية لاشك أنه سيساهم في ترسيخ الحكامة الجيدة.
لكن واقع الحال ينذر بأمر مخالف لذالك أخذا بعين الاعتبار المعطيات التالية :
لحدود كتابة هذه الأسطر و بعد مرور أكثر من سنة على نشر المرسوم الجديد للصفقات العمومية في مارس 2023، لم تقم المجموعة بتحيين نظام مشترياتها و لازالت تعمل بالصيغة القديمة خاصة فيما يتعلق بارساء الصفقة على العرض الاقل ثمنا و هي – كما لا يخفى عليكم- تجاوزها المرسوم الجديد و اعتمد صيغة الأفضل عرضا. لنا اذا أن نتسائل كيف لمؤسسة عمومية أن تبقى جامدة و هي التي يفترض فيها ، نظرا لطبيعتها القانونية، أن تكون أكثر مرونة و فعالية؟ ناهيك عن كون مصالح الإدارة تعتمد على نظام مشتريات مختلف فمرة تتحدث عن ذالك التي تمت المصادقة عليه في مجلس إدارتها بتاريخ 15 نونبر 2015، تارة ذالك المؤشر عليه بتاريخ 19 يناير 2021
بالرجوع الى صاحب المشروع الذي تتم مناقشة شروطه نلاحظ ما يلي :
رغم انتماء هذه الشركة الى نفس المجموعة الاقتصادية الضخمة إلا أنه يغير من عدد الشواهد المرجعية المشترطة، فمثلا خلال سنة 2023 اشترط توفر المتنافس على ثمان شواهد مرجعية بعد ذالك اكتفى بطلب ثلاثة شواهد مرجعية. للتذكير فقط فإن نظام المشتريات الخاص بالمؤسسة لم يعط الحق لصاحب المشروع في اشتراط عدد معين من الشواهد ثم ما المغزى من الرقم ثمانية أو ثلاثة ؟
اشتراط العرض التقني في صفقات الحراسة :
رغم أن عددا هاما من الصفقات من نفس الصنف و التابعة لنفس المجموعة لا يعتمد على العرض التقني في هذا النوع من الخدمات لكون نظام المشتريات السالف الذكر قيد ذالك بحصره في الصفقات ذات الطبيعة المعقدة و التي تبررها طبيعة الخدمات المنشودة نظرا لخصوصيتها و أهمية الموراد التي يجب توظيفها للمشروع، إلا أن هذه الإدارة اعتبرت أن هذه الخدمة ، مع كل الاحترام لجميع المهن و الحرف، تستلزم تقديم عرض تقني خاص بها.
لقد سبق أن تم الاعلان عن نفس طلب العروض لنفس الخدمة إلا أنه تم إلغاؤه في مارس 2024 نظرا لتغيير المعطيات التقنية و الاقتصادية المرتبطة بالصفقة و التي همت تغيير عدد الحراس و الحراسة بالكلاب لتعزيز سلامة المواقع حسب ما ورد لفظا بذات القرارإلا أننا نلاحظ أمرين غريبين في هذا التعديل أولهما أن ما سمي تغيير في المعطيات التقنية و الاقتصادية لم يعدو كونه إضافة حارسيين اثنين من أصل 96 حارس كحد أقصى. هنا لابد من الوقوف على أمر خطير جدا، فالبرجوع الى مقتضيات 18 من دفتر التحملات الخاص و المتعلق بالصفقة فإنه أصلا يجيز لصاحب المشروع تعديل عدد الحراس بحسب الحاجة و استنادا لنظام المشتريات و هو فعلا ما تؤكده المادة 6 منه الفقرة 5 ,استنتاجا لما سبق فإن سبب الإلغاء غير قانوني و غير ذي معنى .
إن زيادة حراسيين كانت تقتضي منطقا و واقعا الزيادة في قيمة الثمن التقديري إلا أنه و بشكل مخالف للتوقعات تم خفض القيمة التقديرية بأكثر من مليون و سبعة مائة ألف درهم !.
تم تضمين عناصر غير موضوعية في العرض التقني أساسا:
عكس نظامه الخاص المتعلق بالمشتريات و الذي ينص صراحة أنه لا يمكن إعتماد الشواهد المرجعية في العرض التقني إلا أن الإدارة أدرجته في ملف العرض التقني
اشتراط رقم المعاملات لسنوات 2021, 2022 و 2023 للمتنافسن فماذا يعني ذالك بالنسبة للشركات التي تم إحداثها مؤخرا سوى الإقصاء من طلب العروض (المفتوح) ؟
أكثر من ذالك و رغم أن الثمن التقديري لا يتعدى 7 ملايين درهم إلا أن المؤسسة الموقرة ارتأت أن تعتمد على تنقيط رقم المعاملات بأحسن نقطة و الذي يتجاوز الثمن التقديري بكثير (50 مليون درهم سنويا) و كحد أدنى رقم معاملات سنوي يقل عن 25 مليون دهم أي أضعاف الثمن التقديري، أبهذا سندعم المقاولات الصغرى والمتوسطة؟
من عجائب ما طلب ضرورة توفر المشرفين على حراس الأمن الخاص على شواهد عليا معززة بنسخ مصادق عليها أو ما يصطلح عليه باك + 5 و باك+2. ترى ما المغزى من ذالك و ما تبريره علما أن أجره لن يتجاوز الحد الأدنى من الأجر إلا يسيرا أخذا بعين الأعتبار الثمن التقديري للأدارة المعلن عنه.
ثم زاد في غلوه و أعطى نقطة عليا لمن يتوفر على خبرة لمدة تفوق عشرون سنة. أية خبرة هاته !!!!
و لم يكتف بهذا الشروط التعجيزية و لربما المفصلة على المقاس بل طالب الشركة بتبرير أقدميتها و أعطى نقطة مهمة لمن تتوفر على أكثر من عشرين سنة في هذا الميدان. للتوضيح فقط فإن القانون المؤطر لأعمال الحراسة لا يتوفر هو نفسه على هذه الاقدمية حيث تم نشره في 2006 و إصدار النصوص التطبيقية المتعلقة به في 2011 .
رغم كون عدد الحراس لا يتجاوز 96 في أحسن الأحوال إلا أن الإدارة أوعزت عبر تنقيطها لدعم المقاولة التي تتوفر على أكثر من 500 مستخدم مع إثبات ذالك، فأين المقاولة المتوسطة من ذالك ؟! طبعا لداعي للحديث عن المقاولة الصغرى و الصغيرة جدا…
كأنه لم يكتف بذالك و اشترط أيضا- في صفقة حراسة جد عادية، تقديم منهجية و ربط تقييمها بألفاظ ذاتية و غير موضوعية مطلقا من طرف لجنة فتح الأظرفة….
خلاصة الكلام، أين نحن من نشر روح المنافسة الشريفة في طلب العروض المشار إليها و أين هو دعم المقاولات الحديثة النشأة و الصغرى و المتوسطة.
هل بهذا سيتم تجويد القدرات و حماية المنشئات و هل هي فعلا غاية الإدارة؟ أم أن عدد الشركات التي أصبحت على أبواب الإفلاس ستزداد…
ماذا لو اقتبست إدارات أخرى من نظام الاستشارة هذا ؟ ماذا لو لم يبلغ الى الهيئات الرقابية هذه الخروقات الخطيرة ؟ ماذا لو لم تكتب وسائل الإعلام عن هذا الأمر ؟ ماذا لو لم يعلم بذالك السيد رئيس المجموعة بهذا ؟
صادقا نتمنى تدخل السيد الرئيس عاجلا غير آجل و قبل فتح الأظرفة ……يتبع…