أصحاب المعالي والسعادة
حضرات السيدات والسادة
” إنه لمن دواعي السرور أن أتوجه إليكم بكلمة في افتتاح هذا المؤتمر الدولي الهام الذي نعتبره محطة نوعية في المسار المتواصل لتعزيز التعاون بين الآليات الوطنية للتنفيذ وإعداد التقارير والتتبع في مجال حقوق الإنسان، بعد المؤتمر الدولي الأول لهذه الآليات الوطنية الذي احتضنته المملكة المغربية في دجنبر 2022، وتُوِّجَ بإعلان مراكش الذي شكل محطة أساسية على صعيد التفكير والنقاش الذي أفضى، بعد مشاورات ولقاءات إعدادية ساهمتم فيها جميعا، إلى توحيد الرؤى على درب تعزيز التعاون بين الدول وتقوية العمل المشترك بين آلياتها الوطنية.
ولا شك أن هذا الحدث الذي يجمع مسؤولين رفيعي المستوى من قطاعات حكومية، وممثلين عن الآليات الوطنية للتنفيذ وإعداد التقارير والتتبع، وخبراء دوليين مهتمين بقضايا حقوق الإنسان، يمثل فرصة سانحة لإطلاق دينامية جديدة وبلورة خارطة طريق مستقبلية على صعيد مأسسة التعاون بين هذه الآليات، وتبادل التجارب الناجحة وتقاسم الممارسات الفضلى التي تمكن من تطوير التفاعل الإيجابي للدول مع المنظومات الدولية والإقليمية لحقوق الانسان، وتأمين التنسيق والانسجام والفعالية على مستوى إعمال الالتزامات الدولية في هذا المجال. وأغتنمها مناسبة لأتوجه بخالص الشكر والتقدير إلى دولة الباراغواي على احتضان هذا المؤتمر والاسهام في إنجاح هذه الدينامية.
ولعل تنظيم هذا المؤتمر من أجل التداول في مشروع شبكة جامعة لمختلف هذه الآليات التي أصبحت اليوم فاعلا رئيسيا على المستويين الدولي والوطني، يعكس التطورات المتسارعة المرتبطة بتنامي أدوار هذه الآليات على صعيد تتبع إعمال الالتزامات الدولية التي تعرف اليوم تطورا كبيرا في ظل اتساع نطاق القانوني الدولي لحقوق الانسان، وتنوع الفاعلين المعنيين بإعمالها، والترابط الكبير بين المكونات الدولية والوطنية لحقوق الانسان، وما يستدعيه كل ذلك من متطلبات على مستوى توحيد وتطوير وتجويد المناهج والمقاربات والآليات، في ظل وحدة النظام الدولي لحقوق الانسان، وتكامل نتائج أشغال آلياته، وتشابه التحديات المرتبطة بإعمال الالتزامات الدولية ذات الصلة به.
وفي هذا الصدد، تتعزز الحاجة المتنامية إلى تطوير التعاون الدولي على صعيد الآليات الوطنية للتنفيذ وإعداد التقارير والتتبع التي تمثل الجهة المؤسساتية الرسمية داخل الجهاز التنفيذي المعنية بتتبع الالتزامات الدولية، وتنسيق العمليات المرتبطة بالتفاعل الدولي، وايجاد جسور التعاون بين الفاعلين على المستوى الوطني والدولي.
كما أن هذه الآليات تعد البنية المتخصصة المؤهلة للعب دور محوري على مستوى توفير فضاءات للنقاش والتفكير السياسي والحقوقي المشترك، من أجل تطوير المنظومة الدولية لحقوق الانسان التي بدأت تعرف بعض الوهن بسبب ضغوطات ناجمة عن تراجع مستوى أولوية حقوق الانسان في سلم الاهتمام الدولي، بفعل تعرضها للاستهداف أو التسييس أو الاستغلال المتعارض مع أهدافها الإنسانية النبيلة، ولاسيما في ظل ما نعيشه اليوم من حروب وأزمات وتحديات تسائل فعالية النظام الدولي لحقوق الانسان.
حضرات السيدات والسادة؛
ان انخراط المملكة المغربية في مسار تعزيز حقوق الانسان، انطلاقا من رؤية وطنية استراتيجية تتأسس على المكانة الأساسية التي تتبوأها حقوق الانسان في النظام الدستوري الوطني والأولوية التي تعطيها المملكة للتفاعل مع منظوماتها الدولية، جعلها تسارع إلى الانضمام إلى مصاف الدول السباقة إلى وضع الآلية الوطنية للتنفيذ وإعداد التقارير والتتبع، منذ 2011، بإحداث المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان التي كانت في قلب مختلف المبادرات والأعمال الرامية إلى تطوير التفاعل الدولي في هذا المجال، وتحسين مداخل التنسيق والتتبع والمواكبة وخلق الديناميات على المستوى الوطني.
وبالنظر لتنامي أدوار هذه الآلية، وتنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، فنحن بصدد تحديث هذه المؤسسة وتطوير وسائل عملها وتجويد تدخلاتها، من خلال اطلاق مسار مراجعة الإطار القانوني المنظم لها وتمكينها من الموارد الكفيلة بتعزيز قيامها بوظائفها، وترصيد تجربتها وتنمية خبرتها، تماشيا مع توجه إصلاحي دولي يهدف إلى تطوير نظام الأمم المتحدة لحقوق الانسان، ومأسسة وتجويد عمل الآليات الوطنية المعنية بالتفاعل معه، والنهوض بجوانب الخبرة والمهنية والتعاون والتشبيك الدولي في هذا المجال، وذلك تماشيا مع قرارات مجلس حقوق الإنسان وتوصيات المشاورات واللقاءات الإقليمية ذات الصلة.
ولعل هذه القناعة المتزايدة بتطوير هذه الآلية وتقوية انفتاحها على تجارب باقي المؤسسات المماثلة، هي ما جعل المملكة المغربية تنخرط في عمل مشترك مع دولتي الباراغواي والبرتغال لإعداد تصور بشأن إحداث شبكة دولية وتقديم التزام طوعي خلال اللقاء الرفيع المستوى بجنيف في دجنبر 2023، بتيسير إحداث هذه الشبكة، وهو نراه اليوم طموحا مشتركا لمختلف المؤسسات المشاركة في هذا المؤتمر، يحظى بدعم قوي من قبل مختلف الفاعلين الدوليين والاممين، ولاسيما مجلس حقوق الإنسان ورئاسته، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان.
وكلنا أمل في أن يساهم الانخراط الكامل لجميع الدول والمؤسسات المشاركة في هذا المؤتمر والخبرة الواسعة للمسؤولين الذين يمثلون الآليات الوطنية المعنية، في رؤية هذا الطموح يخرج إلى الوجود بالصيغة المناسبة المتفق حولها، والتي تكون منفتحة على جميع الدول والجهات المعنية، ومراعية لمختلف التجارب والنماذج الموجودة، بهدف مأسسة الحوار المستدام وتطوير التعاون والشراكة بين هذه الآليات ومع باقي الأطراف المعنية، وكذا التشجيع على إحداث مثل هذه الآليات وتعزيزها، خدمة لقضايا حقوق الإنسان.
وستجدون في المملكة المغربية، كامل الاستعداد للانخراط الجاد والتجاوب الكامل مع الاقتراحات الوجيهة التي ستنبثق عن أشغال هذا المؤتمر، بما في ذلك دعم إحداث الشبكة الدولية للآليات الوطنية وتيسير أعمالها.
ونتطلع، في سياق إحداث هذه الشبكة، إلى أن تكون مناسبة تنظيم بمدينة مراكش شهر اكتوبر المقبل، النسخة العاشرة من حوار (Glion) حول حقوق الإنسان، فرصة مواتية لمناقشة إمكانية إعداد إطار توجيهي لإنشاء وتعزيز الآليات الوطنية للتنفيذ وإعداد التقارير والتتبع.
حضرات السيدات والسادة؛
في الختام، أغتنم هذا المؤتمر للتنويه بالمبادرات القيمة التي أطلقها مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان اللذين شكلت أعمالهما الداعمة للآليات الوطنية للتنفيذ وإعداد التقارير والتتبع، سندا كبيرا لتوفير سبل إحداث شبكة دولية خاصة بها، بعد إنضاج شروطها وتهيئة البيئة الحاضنة لها، التي نلتئم اليوم لتجسيد لبناتها التأسيسية ومكوناتها العملية على أرض الواقع.
كما أغتنم هذه المناسبة للإشادة بمجهودات الآليتين الوطنيتين بكل من الباراغواي والبرتغال، وتعاونهما المستمر مع المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، وكذا كل من ساهم في مسار التحضير لإحداث هذه الشبكة، آملين مواصلة انخراطنا جميعا، بنفس الإرادة القوية والعزيمة الثابتة، في مسار تحقيق تطلعاتنا المشتركة لتعزيز حقوق الإنسان، وضمان احترام التعهدات المتعلقة بها، وتجويد التفاعل مع منظوماتها.
وفي الختام، نأمل أن تكلل أشغال هذا المؤتمر بالنجاح والتوفيق، والسلام عليكم. “
عن موقع: فاس نيوز