يثير مشروع قانون المالية لسنة 2025 موجة عارمة من الانتقادات والجدل في الأوساط السياسية والاقتصادية، وسط اتهامات متزايدة للحكومة بالتقصير في مواجهة التحديات الوطنية الملحة. يعتبر الكثيرون هذا المشروع بمثابة كارثة اقتصادية وسياسية، كونه لم يتناول الأولويات الحقيقية التي تفرض نفسها على الساحة الوطنية، في وقت تتزايد فيه المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها البلاد.
غياب الإصلاحات الجذرية لمكافحة الفساد وتضارب المصالح
أحد أبرز الانتقادات الموجهة لمشروع قانون المالية هو غياب أي إشارة واضحة أو خطوات ملموسة لمكافحة الفساد وتضارب المصالح، وهما من أكبر المشكلات التي تقوض التنمية في المغرب. وعلى الرغم من إصدار الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة تقريرًا شاملاً يُظهر مدى تفشي هذه الظواهر في قطاعات عديدة، لم يتضمن مشروع القانون أي استجابة عملية لمعالجة هذه الملفات.
يعتبر الخبراء أن تجاهل الحكومة لهذه القضايا الحاسمة هو إخفاق كبير، حيث أن الفساد وتضارب المصالح يعتبران من أكبر العوائق أمام تعزيز الاستثمار وخلق مناخ اقتصادي مستدام. ورغم الوعود المتكررة بالإصلاحات في هذا المجال، إلا أن الواقع يشير إلى استمرار هذه الظواهر دون رادع، مما يضعف الثقة في قدرة الحكومة على مواجهة هذه المشكلات.
ارتفاع معدلات البطالة وعدم وجود استراتيجيات واضحة لحلها
من النقاط التي تثير قلقًا واسعًا هو ارتفاع معدلات البطالة في المغرب إلى مستويات مقلقة وصلت إلى 13.7% على المستوى الوطني و15% في المدن الكبرى، وهي نسبة تعكس معاناة كبيرة بين الشباب والمواطنين الباحثين عن العمل. وعلى الرغم من التصريحات الحكومية بتخصيص 14 مليار درهم لمعالجة هذه القضية، إلا أن هذا المبلغ يُعتبر غير كافٍ بالنظر إلى حجم الأزمة وطبيعتها المعقدة.
يشير العديد من الخبراء إلى أن مشروع قانون المالية لا يتضمن استراتيجيات فعالة لخلق فرص عمل حقيقية ومستدامة، بل يقتصر على حلول جزئية ومؤقتة لا تعالج الجذور العميقة للمشكلة. هذا النقص في الحلول الجذرية يدفع الشباب المغاربة إلى التفكير في الهجرة كخيار بديل، مما يعرض حياتهم للخطر في محاولات الهجرة غير النظامية.
غلاء الأسعار وتجاهل التضخم المتزايد
من الجوانب الأخرى المثيرة للجدل في مشروع قانون المالية هو التعامل مع مشكلة غلاء الأسعار. تعاني الأسواق المغربية من ارتفاع مستمر في أسعار المواد الأساسية، بما في ذلك الغذاء والوقود، مما يضعف القدرة الشرائية للمواطنين. وعلى الرغم من اعتراف الحكومة بوجود تضخم بنسبة 2%، إلا أن الواقع يشير إلى تضخم أكبر في المواد الغذائية مثل البصل والبطاطس واللحوم، مما يضع المواطن في مواجهة مباشرة مع ارتفاع تكاليف المعيشة.
يشير المراقبون إلى أن الاستيراد العشوائي لبعض المواد، مثل اللحوم والأبقار، يزيد من عبء المواطنين دون تقديم حلول حقيقية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، بل يُنظر إليه على أنه وسيلة لتمكين فئة محددة من الاستفادة من السياسات الاقتصادية الحالية.
تفكك الدولة الاجتماعية واستمرار الفوارق الاجتماعية والمجالية
رغم رفع الحكومة لشعار الدولة الاجتماعية كإطار عام لمشروع قانون المالية، إلا أن تنفيذ هذه الرؤية لا يزال بعيدًا عن الواقع. الفوارق الاجتماعية والمجالية تتفاقم بشكل واضح، ويعاني المواطنون في المناطق الفقيرة من ضعف الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة. يأتي هذا في وقت تتحدث فيه الحكومة عن تخصيص مبالغ ضخمة لدعم هذه القطاعات، إلا أن هذا الدعم لا يترجم على أرض الواقع إلى تحسين ملموس في جودة الحياة اليومية للمواطنين.
من الأمور التي تثير انتقادات واسعة هو تراجع التعليم العمومي وضرب مجانية التعليم، حيث تواجه الأسر المتوسطة والفقيرة تحديات كبيرة في تغطية تكاليف تعليم أبنائها. هذه السياسات تتناقض مع مفهوم الدولة الاجتماعية التي يجب أن تضمن التعليم الجيد والمجاني لكافة شرائح المجتمع. كما أن الفشل في تنفيذ مشروع المدرسة الرياضية، الذي كان من المفترض أن يكون مبادرة رائدة لتحسين التعليم، يعد دليلاً على ضعف التخطيط والتنفيذ.
التراجع في الاستثمار وتباطؤ الإصلاحات الهيكلية
يمثل التراجع في حجم الاستثمارات أحد أكبر الفضائح المرتبطة بمشروع قانون المالية لسنة 2025. في حين كان المغرب يتجه في السنوات السابقة نحو تحسين جاذبيته الاستثمارية، سجلت الاستثمارات تراجعًا ملحوظًا من 345 مليار درهم إلى 340 مليار درهم، وهو ما يضع تساؤلات حول قدرة الحكومة على توفير البيئة المناسبة لجذب الاستثمارات الخارجية والمحلية.
كما أن مشروع القانون لم يقدم أي خطوات عملية لتفعيل الإصلاحات الهيكلية التي تم التصويت عليها في السنوات السابقة، مثل دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة التي تعتبر أساس الاقتصاد الوطني. يشير المراقبون إلى أن عدم إصدار المراسيم التنظيمية الخاصة بهذه الإصلاحات يُظهر ترددًا كبيرًا من جانب الحكومة في المضي قدمًا نحو تحقيق أهدافها.
ارتفاع الدين العام وتفاقم الأزمة المالية
من بين الفضائح الأخرى المرتبطة بمشروع قانون المالية هو ارتفاع الدين العام إلى مستويات قياسية تصل إلى 70% من الناتج المحلي الإجمالي، مع توقعات بأن يصل هذا الرقم إلى 69% بحلول سنة 2026. هذا الارتفاع الكبير في الدين يشير إلى اعتماد الحكومة على الاقتراض لتغطية نفقاتها، دون وجود خطط واضحة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام أو تحسين كفاءة استخدام الموارد المالية.
هذا الوضع يضع المغرب في مواجهة أزمة مالية قد تكون لها تداعيات خطيرة على الأجيال القادمة، حيث سيضطر المغرب لمواجهة التزاماته المالية الضخمة وسط تراجع في الإيرادات وتحقيق التنمية الاقتصادية.
ويُعتبر مشروع قانون المالية لسنة 2025 بمثابة مؤشر على التحديات الكبيرة التي يواجهها المغرب في هذه المرحلة الحرجة.
ويعتبر مصدر لفاس نيوز أن الفشل في معالجة الأولويات الوطنية مثل مكافحة الفساد، تضارب المصالح، ارتفاع البطالة، غلاء الأسعار، وتفاقم الفوارق الاجتماعية والمجالية يعكس ضعف الرؤية الحكومية ويزيد من تعقيد الأوضاع. ومع استمرار ارتفاع الدين العام وتباطؤ الإصلاحات الهيكلية، يبدو أن المشروع بعيد كل البعد عن تلبية تطلعات الشعب المغربي وإيجاد حلول عملية للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد.
فاس نيوز