- مقدمة :
تعتبر المجموعة القصصية القصيرة “سيلفي” للمبدع المصطفى كليتي التي تحوي بين دفتيها خمسا وعشرين قصة؛ عملاً أدبيّاً يجمع بين الواقعية السحرية وبراعة الوصف وسلاسة السرد، ليرسم لوحات حية من المجتمع المغربي المعاصر، حيث تتناول مجموعة من القضايا الاجتماعية والسياسية بأسلوب فني مبتكر، مما يجعلها عملاً أدبيّاً متميزاً.
تحليل العنوان:
عنوان المجموعة “سيلفي” هو عنوان إحدى قصص المجموعة، واختيار الكاتب له عنوانا للمجموعة ليس اعتباطيا، لأنه يحمل في طياته دلالات متعددة، ويعتبر بمثابة مفتاح لفهم مضمون القصص، فكلمة “سيلفي” هي معربة عن الكلمة الإنجليزية “Selfie”، وترتبط بشكل مباشر بالصورة الذاتية التي يتخذها الفرد لنفسه، وهي تعكس الرغبة في التعبير عن الذات وإظهارها للعالم، ولكن هذه الرغبة تترافق في الوقت نفسه مع سؤال حول حقيقة هذه الصورة، وهل هي انعكاس صادق للذات أم مجرد قناع!؟
ــ دلالات العنوان :
1- الذاتية والهوية: يشير العنوان إلى
اهتمام الكاتب بالذاتية والهوية، وكيف يتم تشكيلها وتأطيرها في عصرنا الحالي.
2- الزيف والمظهر: قد يعكس العنوان الرغبة في الظهور بمظهر مثالي والتلاعب بالصورة الذاتية لتحقيق أهداف معينة.
3- العزلة والوحدة: رغم أن السيلفي
يمثل وسيلة للتواصل، إلا أنه قد يعزز الشعور بالعزلة والوحدة، حيث يصبح الفرد منغمسًا في عالمه الخاص.
4- التقنية والتكنولوجيا : يرتبط العنوان ارتباطا وثيقا بالتكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي وكيف تؤثر هذه التقنيات على حياتنا
اليومية.
** العلاقة بين العنوان وباقي قصص
المجموعة :
يمكننا ملاحظة أن عنوان المجموعة “سيلفي” يرتبط بشكل وثيق بموضوعات القصص المختلفة. ففي العديد من القصص، نجد شخصيات تبحث عن هويتها، وتستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن نفسها، ولكنها تواجه صعوبات في بناء علاقات حقيقية. كما أن بعض القصص تتناول موضوع الصورة النمطية والرغبة في الظهور بمظهر معين، وهو ما يتماشى مع دلالات كلمة “سيلفي”.
** العناصر الفنية :
1- الواقعية السحرية : يعتمد المبدع كليتي على الواقعية السحرية في رسم لوحاته، حيث يمزج بين العناصر الواقعية والخيالية، مما يخلق أجواء غريبة وساحرة.
2- السرد السلس: يتميز أسلوب الكاتب بالسلاسة والوضوح، مما يجعل القارئ ينغمس في عالم القصص بسهولة. كما أنه يستخدم تقنية المخاطب أثناء السرد في بعض القصص وهذه التقنية من أهم السمات المميزة لكتابات المبدع كليتي، فبدلاً من سرد الأحداث بشكل موضوعي، يخاطب الكاتب الشخصية مباشرة، وكأن القارئ من يخاطبها مما يخلق حواراً بين القارئ والشخصية أو بين الكاتب والقارئ، فيجعل القارئ يشعر وكأنه شريك في الأحداث وموجه لها. وهي تقنية تخلق تفاعلاً أكبر بين الكاتب والقارئ، مما يجعل القراءة تجربة أكثر غنىً وإثارة، وتجعل القارئ يشعر وكأنه جزء من القصة.
3- براعة الوصف : يمتاز الكاتب ببراعة فائقة في الوصف حيث يستخدم لغة شاعرية وعبارات مؤثرة لرسم لوحات حية للقارئ. فيتميز وصفه بـالدقة والتحديد، حيث يختار
الكلمات والعبارات بدقة متناهية، مما
يخلق لدى القارئ صورة واضحة ومفصلة عن الشخصيات والأماكن
والأحداث. كما يتميز بالحسية، لاستخدامه الحواس الخمس في وصفه، مما يجعل القارئ يشعر وكأنه يعيش الأحداث بنفسه. بالإضافة إلى تميز وصفه بالرمزية، حيث يوظف الرموز بشكل مكثف، فتحمل الأشياء والأحداث دلالات ومعاني أعمق من
ظاهرها. كما يرتبط الوصف عنده بشكل وثيق بالحالة النفسية للشخصيات، فكل وصف يعكس
حالة نفسية معينة.
4- اللغة: يستخدم الكاتب لغة عربية فصحى مع لمسات من العامية المغربية مما يعطي النصوص طابعاً محليّاً.
5- الشخصيات : تنوعت الشخصيات في المجموعة بين البسطاء والمطحونين والمثقفين… مما يعكس تنوع المجتمع المغربي.
6- الأحداث: تتناول الأحداث قضايا اجتماعية وسياسية ملحة، مثل الفساد والفقر والهجرة والحروب..
**أهمية المجموعة :
1- مرآة للمجتمع : تعكس المجموعة
صورة واقعية للمجتمع المغربي، مع كل تعقيداته وتناقضاته.
2- لغة أدبية رفيعة : تتميز المجموعة
بلغة أدبية رفيعة، تساهم في إثراء
المشهد الثقافي العربي.
3- طرح قضايا مهمة : تطرح المجموعة قضايا اجتماعية وسياسية
مهمة، وتدعو إلى التفكير النقدي.
4- إسهامها في تطوير القصة القصيرة: تعتبر المجموعة إسهاماً مهمّاً في تطوير القصة القصيرة العربية.
ــ نقاط القوة في المجموعة :
1- الابتكار: يتميز المبدع كليتي بابتكاره في استخدام الواقعية السحرية.
2- العمق : تتعمق القصص في النفس
البشرية والمجتمع.
3- السخرية : يستخدم الكاتب السخرية كأداة لنقد الواقع.
ــ نقاط الضعف “إن وُجدت” :
1- قد يجد بعض القراء صعوبة في
فهم بعض الرموز والاستعارات
المستخدمة في القصة.
2- قد يرى البعض أن بعض القصص
طويلة بعض الشيء.
ــ الخاتمة :
تعتبر المجموعة القصص “سيلفي” للمبدع المصطفى كليتي عملاً أدبيّاً متميزاً، يثير العديد من التساؤلات حول الذاتية والهوية في عصرنا الحالي، خاصة في ظل الانتشار الواسع لثقافة الصورة الذاتية “السيلفي”. يقدم المبدع من خلال هذه المجموعة رؤية عميقة ومعقدة لواقعنا المعاصر، حيث تتداخل التقنيات الحديثة مع العلاقات الإنسانية، وتشكل هويتنا بشكل كبير.
كما أنها تساهم في إثراء المشهد الثقافي العربي لتميزها بواقعيتها السحرية ولغتها الرشيقة، وطرحها لقضايا اجتماعية وسياسية مهمة، فيمكن اعتبارها مرآة عاكسة للمجتمع المغربي المعاصر، داعية إلى التفكير النقدي في القضايا التي تواجه المجتمع.
د. فاطمة الديبي /ذ. نصر سيوب
عن موقع: فاس نيوز