قراءة في القصيدة الزجلية للزجال المغربي عبد المجيد الباهلي “كفن الروح”.. (ذ. نصر سيوب) :

هي جنازة الروح
والميت باري من العار
الكفن سداه اجروح
الذات صندوق
مايصنعو نجار
المجدوب يجلب العقول
والخاوي يردمو
ف الغار
اللي جا بالعرض والطول
ها الورقة إيزار.

ــ مقدمة :

تعتبر قصيدة “كفن الروح” قطعة شعرية زجلية تحمل في طياتها دلالات وعمقا فلسفيا واجتماعيا، فالشاعر يستخدم لغة زجلية بسيطة ملأى بالرمزية والصور الشعرية المؤثرة ليعبر عن رؤيته لمفهوم الحياة والموت والحالة الإنسانية.

1 ــ دراسة العنوان :

“كفن الروح” هو عنوان شديد الإيحاء والتعبير، يحمل في طياته دلالات عميقة ورمزية، ويتكامل مع المضمون العام للقصيدة. فالكفن عادة ما يرتبط بالموت والجنازة، وهو رمز للانتقال من الحياة إلى الموت، ويشير إلى نهاية الدورة الحياتية. وفي سياق القصيدة، يرمز الكفن إلى نهاية الروح، أي نهاية الحياة المعنوية والفكرية للإنسان.
أما الروح فهي جوهر الإنسان، وما يميزه عن المادة، وهي مقر العواطف والأفكار والإرادة. فعندما نتحدث عن “كفن الروح”، فإننا نشير إلى موت هذا الجوهر، أي إلى فقدان الإنسان لأصالته وهويته.
والعنوان يرتبط بشكل وثيق بمضمون القصيدة، ويشير إلى أن الموت ليس مجرد نهاية جسدية، بل هو أيضاً نهاية للروح والمعنى.

2 ـ اللغة :

استخدم الشاعر لغة عامية بسيطة، قريبة من لغة المتلقي، مما يسهل فهم المعاني والأفكار المطروحة.

3 ـ الصور الشعرية :

استخدم الشاعر صوراً شعرية قوية ومباشرة، مثل : “كفن الروح”، “الكفن سداه اجروح”، “الذات صندوق”، “الورقة إيزار”، هذه الصور تعطي للقصيدة عمقاً إيحائيّاً وتثير مخيلة القارئ.

4 ـ المعنى والمضمون :

١ـ جنازة الروح : تدور القصيدة حول محور الموت والحياة، حيث يصور الشاعر الموت على أنه “جنازة الروح” وهي نهاية رحلة الحياة.

٢ـ الميت بريء من العار :

أ ـ البراءة من أوزار الدنيا : يصور الشاعر الموت كتحرر من أعباء الحياة الدنيا ومشاكلها وهمومها. فالروح المتحررة من الجسد تكون قد تخلصت من كل ما قد يعلق بها من أخطاء أو ذنوب.

ب ـ العار النسبي : العار هنا ليس عاراً مطلقاً، بل هو عار نسبي مرتبط بالحياة الدنيا وأفعال الإنسان فيها. فالموت ينهي هذه الحسابات ويجعل الإنسان بريئاً منها.

٣ـ الكفن سداه الروح :

أ ـ الجروح كرمز للألم والمعاناة : الجروح هنا لا تعني الجروح الجسدية فقط، بل تشير إلى كل الجروح النفسية والمعنوية التي يتعرض لها الإنسان في حياته.

ب ـ الكفن كنتاج للألم : يصور الشاعر الكفن وكأنه نسيج نُسج من خيوط الألم والمعاناة التي عانى منها الإنسان خلال حياته.

ج ـ التطهير بالمعاناة : قد تكون هناك دلالة على أن المعاناة والتجارب المؤلمة تساهم في تطهير الروح وتحضيرها للموت.

٤ـ الذات صندوق ما يصنعو نجار:

أ ـ الذات كشيء غير كامل : يشير الشاعر إلى أن الذات البشرية ليست شيئاً مكتملاً أو مثاليّاً، بل هي كصندوق خالٍ يمكن ملؤه بأي شيء.

ب ـ عدم القدرة على التحكم : يرمز الصندوق إلى أن الإنسان لا يملك القدرة الكاملة على تشكيل ذاته، بل يتأثر بالبيئة والمجتمع والعوامل الخارجية.

ج ـ رمزية مرتبطة بالموروث الشعبي : قد يكون الشاعر استحضر الموروث الشعبي المغربي المتمثل في وصف الجثة/الذات ب ” الخشبة” نتيجة تخشبها وتصلبها.

٥ ـ المجدوب يجلب العقول والخاوي يردمو في الغار :

المقصود بالمجدوب هنا الحكيم الذي يبحث عن المعرفة والحكمة، ويسعى إلى نشرها بين الناس. أما “الخاوي” فإما أن الشاعر يقصد في مقابل “المجدوب” الفارغ/فارغ العقل أي الجاهل الذي يرفض المعرفة ويدفنها في الظلام، وإما أنه يقصد أن الحكيم بقدر ما يجلب العقول ويبحث عن المعرفة والحكمة، يردم الجهل في الغار أي الكهف، الذي يرمز إلى الظلام وهو مكان بعيد عن النور والمعرفة.
والمقارنة بين الحكيم والجاهل تسلط الضوء على أهمية المعرفة وضرورة البحث عنها، وتبين عواقب الجهل والتخلف.

٦ ـ اللي جا بالطول والعرض ها الورقة إيزار :

يوجه الشاعر كلامه هنا إلى من عاش حياته بالطول والعرض أي لاهياً متمتعا بالحياة المادية والشهوات، فيذكّره بأن كل ما جمعه من مال وجاهٍ وشهوات لا يساوي في النهاية سوى ورقة واحدة تغطي جسده بعد الموت.
فتشبيه الكفن بالورقة هو تشبيه قوي ومؤثر، يهدف إلى إيقاظ الضمير الإنساني وتذكيره بقيمة الحياة الآخرة. فالشاعر يحذرنا من الانشغال بمتاع الدنيا الزائلة، ويدعونا إلى الاستعداد للموت والحساب.

ــ خاتمة :

تعتبر قصيدة “كفن الروح” تحفة فنية زجلية تجمع بين العمق الفلسفي والبساطة اللغوية، تتناول قضايا الوجود والموت والحياة. فالشاعر عبد المجيد الباهلي يستخدم لغة رمزية قوية ليعبر عن رؤيته للحياة، ويحثنا على التفكير في معنى الوجود وقيمة الحياة، واسثمار حياتنا في أمور مفيدة.

عن موقع: فاس نيوز