دكتوراه حول الخطاب الديني تعيد الاعتبار للبحث الجامعي ‘الكبير الداديسي’

دكتوراه حول الخطاب الديني تعيد الاعتبار للبحث الجامعي

الكبير الداديسي

( أقول صادقا: أنها أطروحة لا تقارن بكل ما يقدم في كليات الآداب بكل ربوع المملكة) هكذا علق الدكتور عبد القادر حمدي على أطروحة الباحث الأزهاري سي حسن التي احتضن مدرج الشرقاي إقبال بكلية اللغة العربية التابعة لجامعة القاضي عياض أطوار مناقشتها مساء يوم السبت 14 دجنبر 2024 تحت عنوان (الخطاب القرآني: مرجعيات التلقي وآفاق التأويل). تكونت لجنة المناقشة من السادة الدكاترة: الدكتور عبد العزيز بوضاض مشرفا والدكتور سعيد غردي رئيسا زالدكتور إبراهيم رضا والدكتور عبد القادر حمدي من كلية الآداب بمراكش والدكتور عبد الهادي أمحرف اللذين من كلية الآداب تطوان أعضاء.

خلال هذه المناقشة تقدم الطالب الباحث بتقرير حول أطروحته  تقدم فيه بالشكر لكل من مد يد العون وساهم من قريب أو بعيد في إنجاز هذه الأطروحة، قبل أن ستفيض في شرح تفاصيل أطروحته( الخطاب القرآني مرجعيات التلقي وآفاق التأويل) وكيف جاء اختيار الموضوع في  سياق البحث عن فهم جديد للقرآن المجيد؛ يستفيد من القراءات التراثية ومن المنجزات المعرفية المعاصرة، بما ينير الطريق إليه ويطور فهمه؛ إذ يفتح خطابه على الحياة وعلى قراءة التجدد الثاوي فيه، بالوقوف على إمكانات معانيه المطلقة؛ بما ينسجم مع القول بالحقوق الإنسانية المعاصرة، طبقا لما تنص عليه المواثيق الدولية، في تناغم مع الحياة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. كما يمكن للمشتغلين به أن ينتجوا، من خلاله، مفاهيم دينية معاصرة، تتجاوز منجزات التراث الديني وتنسجم مع حياة المسلم المعاصر.  في سعى إلى فتح أفق جديد في التأويل؛ إذ لم يعد مقبولا الاستمرار في اعتماد تفسيرات تقوم على مرجعيات، تبدو اليوم غير منسجمة في بعض صورها مع التغير، فكأنها تطعن في قدرة الخطاب القرآني على التكيف مع التحولات المجتمعية العالمية التي تتخذ من العلم والتكنولوجيا مرجعيات تلقيها الخطابات…

وقد ركز الطالب الباحث على ضرورة مسايرة تقلي الخطاب القرآني وتأويله  المستجدات العالمية، على مستوى الحوار بين الشعوب، مما جعل من تأويل الخطاب الديني حاجة ماسة على المستوى النظري والعقدي والسلوكي والاستراتيجي، وهو ما يفرض على الباحثين في الشأن الديني إعادة النظر في المعطيات، لبناء أفق يبدع تأويلات، تواصل من حيث توقف توهج التأويل في التراث وتنطلق من حاضر أنتج تأويليات فلسفية ودينية أبانت عن نتائج أكثر عمقا من سابقاتها في قراءاتها للنصوص الدينية وغير الدينية؛ ذلك أنها انفلتت من منطق التفسيرات التراثية، فاعتمدت أدوات قرائية مختلفة، تقوم أساسا على ذاتية القارئ وهو يقرأ الخطابات والنصوص، لِيَبْنِيَ تأويلات منفتحة على الحاضر والمستقبل وعلى الآخر في تعدده وتنوعه. خاصة وأن النقاش حول الدين في العالم العربي الإسلامي في نظر الطالب ليس نقاشا أكاديميا فقط، بل يتغلغل في الإيديولوجيا. مما يوجب فتح حوار متعدد المرجعيات، حتى يتم التعمق في ماهية الدين ويتم تجاوز الاعتقاد في توافر معنى قطعي ونهائي في الخطاب القرآني، لأن ذلك يحد من غناه، كما يقهر الاختلاف في الفهم وفي الوجود الحر المتنوع. يهمل ذلك الاعتقاد شروط التلقي التي تتطلب تفاعلا بين النصوص وقرائها وفتحا لآفاق تأويلية.  

وقد ركز الباحث في قراءة القرآن على التلقي والتأويل، باعتبارهما اختيارا منهجيا وفكريا، قصد الوقوف على التفاعل الذي خلقه خطابه مع أنواع من المتلقين بفضل آلياته المتعددة والمتنوعة. إذ توجّه  القرآن إلى المخاطب العربي بسلطة فنية وروحية ساميتين، دعا إلى كل الوسائل القمينة ببناء بيئة فكرية صحية سليمة، تنظر في القوانين الكلية المتحكمة في الوجود الاجتماعي المشار إليه في المعاني القرآنية المطلقة، لذلك، فإن مقاربة فهم تلك المعاني، من خلال اعتماد التأويليات المعاصرة أو ما يطلق عليه عادة الهرمينوطيقا إلى جانب مفاهيم نظرية التلقي، تمكن من قراءة الأبعاد الثقافية المتحكمة في بروز أنماط من تلقي الخطاب القرآني وعلى رأسها التلقي الافتتاحي‑التأسيسي الذي بنى تلقيات متعددة، اختارت التعامل مع هذا الخطاب على مستويات مختلفة وبمرجعيات متباينة أفاض الباحث في مناقشتها.

وبعد تفصيله في أسباب الاختيار والصعوبات التي تعترض الباحث في مثل هذه المواضيع وإبراز المنهج واستراتجيات القراءة المتبع في الأطروحة والخلفيات النظرية والفكرية التي اختارها في قراءته وخصوصية التعامل مع النص القرآني بوصفه خطابا متعالقا مع التراث يفرض استحضار معرفة دينية محايثة، بما هي رؤية للعالم تحكم تصادم الإرث والحاضر، متحررة من كل المعاني الجاهزة، بل مستعدة أن تخسرها عند البحث في الخطاب عما يبنيه في كل تفاعل مع الذات القارئة .

 هذا وقد بنيت الأطروحة من مقدمة ومدخلا وثلاثة أبواب تضمنت فصولا ومباحث، انتهت باستخلاصات انفتحت على إشكالات وقضايا متعددة.

      قارب الباحث في المقدمة إشكال قراءة التراث، انطلاقا من الحاضر وما يترتب على ذلك من مهام عملية وتصورات تأملية وشحذ للأدوات الإجرائية الملائمة للتعدد الكامن في الخطاب القرآني. مع الانفتاح على النظرية الدينية في قراءتها للنصوص المقدسة وتقارب المرجعيات والآفاق المؤولة لتلك النصوص…

    وفي الباب الأول تم التركيز على تحليل المفاهيم المؤطرة للأطروحة، فتم الوقوف على مفهوم المرجعية في علاقاته بالتاريخ المعرفي للمنظومات الفكرية، وعرض بعض مفاهيم نظرية التلقي في أبعادها الجمالية، وفي قدرتها على تحليل الخطابات والأنساق اللغوية. كما تم التطرق لمفهومي الخطاب والنص وللخلفيات النظرية، تم تقديم النظرية الهرمينوطيقية، من خلال أبرز منظريها وأهم نصوصها، بما يلائم البحث في مقاربة الخطاب القرآني.

   وفي الباب الثاني تم التركيز على الأنساق الثقافية العربية الإسلامية، بوصفها منظومات مرجعية توجه التلقي. من خلال تحقيب أنماط تلقي الخطاب القرآني مع رصد نتائج التلقي وأبعاده والآفاق التأويلية التي تنفتح أمامه بفعل اختلاف القراءة. إيلاء أهمية معتبرة لفرقة المعتزلة، لاعتمادها الدليل العقلي في تلقي الخطاب، ولانفتاحها على اللغة المجازية ودعوتها إلى النظر في الكون والتأمل فيه، من أجل الوصول إلى كنه الوجود… كما تمت مقاربة التلقي الصوفي، لما له من تركيز على العلاقة الشخصية بين الإنسان وربه، كذلك لطبيعة النقاش الصوفي المتعلق بمكانة الشريعة الإسلامية ومدى حاجة المسلم إليها في حياته اليومية. تلك قضايا لامحالة تسعف في إلقاء الضوء على مواقف معاصرة. 

هذا وقد عرض الباب، أيضا، تلقي المفسرين والأصوليين، على مستوى المرجعيات المتحكمة في فهم الخطاب القرآني.

    وقد تم تتبع التحقيب وصولا إلى عصر النهضة، والتساؤل عن الجديد منهجا وتصورا…

أما في الباب الثالث فتم تسليط الضوء على النزعات المعاصرة في تلقي الخطاب القرآني، باختيار مشروع الجابري رحمه الله، حول القرآن: تعريفا وفهما، لما أثاره من ردود أفعال متباينة، أحيت الاهتمام بقضايا تراثية من وجهة نظر حداثية.

لتنتهي الأطروحة بخاتمة تركيبية انتهى فيها الباحث إلى استخلاصات همت تحقيب البنيات المتحكمة في تلقي الخطاب القرآني، لتفتح خاتمة الأطروحة أبواب مشروع فكري، يسعى من خلاله الباحث إلى مقاربة التلقي القرآني وتحقيب أنماطه.

 وبعد المناقشة ومداخلات أعضاء اللجنة، قررت اللجة منح الطالب درجة الدكتوراه بميزة مشرف جدا مع التنويه والتوصية النشر تحت تصفيق الجمهور الذي غصت به جنبات المدرج.

عن موقع: فاس نيوز