أجرى الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني مؤخراً تعديلاً رئيسياً في القيادة العليا للجيش، مما أثار تساؤلات حاسمة حول الاستقرار المؤسسي للبلاد. تأتي هذه التعيينات في سياق إقليمي متوتر بشكل خاص، يتميز بالمنافسة بين المغرب والجزائر.
ففي قلب هذا التعديل، يبدو تعيين الجنرال محمد فال ولد الريس كرئيس لأركان القوات المسلحة التغيير الأكثر أهمية. فقد حل محل الجنرال المختار بلة الشعباني، الذي أحيل إلى التقاعد، بعد أن كان نائباً لرئيس الأركان. ويصاحب هذا التحرك سلسلة من التعيينات الاستراتيجية الأخرى: الجنرال آب بابتي كمفتش عام للقوات المسلحة، والجنرال سيدو سامبا ديا على رأس الاستخبارات الخارجية، والجنرال أحمد محمود محمد عبد الله الطايع على رأس الدرك الوطني.
تأتي إعادة الهيكلة الضخمة هذه للتسلسل الهرمي العسكري في وقت حساس للغاية. فموريتانيا، التي شهدت تاريخياً عدم استقرار سياسي قوي تخللته انقلابات (1978، 1979، 1984، 2005، 2008)، تجد نفسها اليوم في فترة محورية. فمنذ الاستقلال في عام 1960، عرفت البلاد ثمانية رؤساء، وصل معظمهم إلى السلطة بالقوة، مما يوضح الهشاشة المزمنة للسلطة السياسية.
ويثير توقيت هذه التعيينات تساؤلات مشروعة. فهي تأتي في وقت تظهر فيه توترات إقليمية، لا سيما مع الجزائر. وتتحدث مصادر عن توغلات للقوات الجزائرية في الأراضي الموريتانية ومحاولات للتأثير على سياسة نواكشوط. كما تتزامن هذه التحركات مع تقارب بين موريتانيا والمغرب، تجسد في الزيارة الخاصة الأخيرة لولد الغزواني إلى المغرب.
فلا يمكن إغفال البعد الجيوسياسي لهذه التعيينات. فموريتانيا تجد نفسها في قلب مشروع كتلة إقليمية جديدة “3+3” (المغرب، موريتانيا، السنغال، البرتغال، إسبانيا، فرنسا) يمكن أن يعيد رسم التوازنات الإقليمية. وقد تفسر هذه المبادرة، التي تستبعد الجزائر، جزئياً التوترات الحالية.
وعلى الصعيد الداخلي، تثير هذه التعيينات مسألة التماسك داخل القوات المسلحة. يواجه الرئيس الغزواني، وهو نفسه من الجيش، تحدياً كبيراً: تجديد القيادات مع الحفاظ على الاستقرار المؤسسي. ويبدو أفق عام 2028، الذي سيشهد نهاية ولايته الحالية، موعداً حاسماً. فقد يؤدي تقاعد العديد من كبار الضباط ذوي الخبرة إلى خلق استياء وانقسامات داخل المؤسسة العسكرية.
وتأتي هذه التغييرات أيضاً في سياق توترات سياسية داخلية. فالرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، الذي يوصف وضعه الصحي بأنه مقلق، يخضع لإجراءات قضائية مثيرة للجدل. ويضيف هذا الوضع طبقة إضافية من التعقيد إلى إدارة التوازنات السياسية والعسكرية.
ويحاول الرئيس الغزواني الحفاظ على حوار سياسي، كما يتضح من لقاءاته الأخيرة مع أحزاب الأغلبية والمعارضة. ومع ذلك، سيكون نجاح إعادة الهيكلة العسكرية هذه حاسماً لاستقرار البلاد. ويظهر تاريخ موريتانيا أن الجيش لعب دائماً دوراً محورياً في التغييرات السياسية، للأفضل وللأسوأ.
لذلك تمثل هذه التعيينات رهاناً محفوفاً بالمخاطر. ففي حين أنها قد تسمح بتجديد ضروري للقيادة العسكرية، إلا أنها تحمل أيضاً بذور زعزعة الاستقرار المحتملة. وستكون قدرة الرئيس الغزواني على الحفاظ على تماسك القوات المسلحة مع إدارة الضغوط الخارجية حاسمة لمستقبل موريتانيا السياسي.
وسيحدد نجاح هذا الانتقال داخل الجيش ليس فقط الاستقرار الداخلي للبلاد، ولكن أيضاً قدرتها على لعب دور بناء في منطقة تتسم بتحديات أمنية كبرى، بما في ذلك التهديد الإرهابي في منطقة الساحل والتوترات الجيوسياسية في المغرب العربي.
عن موقع: فاس نيوز