الملك الذي أعاد رسم ملامح المغرب: قصة محمد السادس

في إحدى ليالي صيف عام 1999، جلس المغاربة أمام شاشات التلفاز في انتظار خطاب ملكي سيغير مسار تاريخهم. كان الملك الحسن الثاني قد أسلم الروح، وها هو وريث العرش، الأمير محمد، يستعد ليتولى زمام الحكم. لم يكن الانتقال مجرد تغيير في القيادة، بل كان بداية لعهد جديد، يطبع المغرب ببصمات التقدم والانفتاح، دون أن يتخلى عن هويته الأصيلة.

منذ أن اعتلى الملك محمد السادس العرش، كان يدرك أن التحديات كبيرة، لكنه حمل رؤية واضحة: مغرب حديث يسير بخطى ثابتة نحو التنمية، دون أن يفرط في تاريخه العريق. بدأ بتشخيص أوضاع البلاد، فنزل إلى الشوارع والأحياء الشعبية، زار المناطق المهمشة، وتحدث مع المواطنين دون حواجز. كانت هذه اللحظات جديدة على المغاربة الذين اعتادوا رؤية الملوك من خلف أسوار القصور.

أحد أبرز قراراته كان إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عام 2005، مشروع غير مسبوق يستهدف محاربة الفقر والتهميش، ودعم الفئات الضعيفة. لم يكن الأمر مجرد شعار، بل خطة مدروسة امتدت إلى القرى والمدن، مكنت الآلاف من تحسين ظروف عيشهم، وإيجاد فرص للعمل والتعليم.

لكن الإصلاحات لم تتوقف عند الجانب الاجتماعي، فقد أدرك الملك أن المغرب يحتاج إلى ثورة اقتصادية، فكان مشروع ميناء طنجة المتوسط، وهو اليوم أحد أكبر الموانئ في العالم، حلقة أساسية في جعل المغرب منصة لوجستية تربط أوروبا بإفريقيا. لم تكن هذه مجرد مشاريع، بل كانت خطوات نحو تعزيز استقلالية الاقتصاد المغربي، وتقليص الفوارق بين الجهات.

على المستوى السياسي، كان محمد السادس أول ملك مغربي يقدم على إصلاح دستوري موسع عام 2011، استجابة للحراك الشعبي. لم يكن الإصلاح مجرد تنازل، بل كان خطوة نحو تعزيز الديمقراطية وترسيخ فصل السلطات، ليمنح الحكومة المنتخبة مزيدًا من الصلاحيات، ويضمن حرية التعبير والمشاركة السياسية بشكل أكبر.

في قلب هذه الإنجازات، ظل الملك محمد السادس وفياً لهويته كحامٍ للدين الإسلامي بمرجعيته الوسطية. عمل على نشر قيم التسامح والاعتدال، وأسّس معاهد لتكوين الأئمة في المغرب وإفريقيا، لمواجهة الفكر المتطرف وتعزيز الإسلام السمح.

لكن وراء هذا القائد السياسي، هناك إنسان قريب من شعبه. رآه المغاربة وهو يتجول بسيارته دون موكب، يجلس في مقهى شعبي، يتفاعل مع الشباب، ويزور الفقراء في منازلهم. لم تكن هذه تصرفات شكلية، بل كانت تجسيدًا لفلسفة حكمه التي تضع المواطن في قلب السياسات العامة.

رغم كل هذه الإصلاحات، لا يزال التحدي قائمًا، فالطريق نحو التنمية المستدامة طويل. لكن المغاربة اليوم يرون في ملكهم قائدًا يواجه التحديات بجرأة، ويمضي بمملكتهم نحو مستقبل أكثر ازدهارًا. إنها قصة ملك لم يكتفِ بأن يكون حاكمًا، بل اختار أن يكون قائدًا للتغيير.

عن موقع: فاس نيوز