في سنة 2002، وفي قلب مدينة فاس، تحديدًا في حي ليراك قرب اعوينات الحجاج، كانت تعيش فاطمة، أرملة في الثلاثينيات من عمرها، فقدت زوجها في حادث مأساوي، تاركًا وراءه خمسة أطفال صغار في رعايتها. لم تكن الحياة رحيمة بها، إذ تراكمت الديون، واشتدت وطأة الفقر، حتى وجدت نفسها عاجزة عن تأمين لقمة العيش أو تسديد إيجار المنزل، فيما كان أطفالها مهددين بالانقطاع عن الدراسة.
في تلك الليلة الباردة، وبعد أن أدى أطفالها صلاة العشاء، خرجت فاطمة بلا وجهة، تائهة في شوارع فاس، تبحث عن بصيص أمل، عن معجزة تغير واقعها البائس. سارت بين الأزقة الضيقة، تتأمل أنوار المدينة الخافتة، تدعو الله أن ييسر لها أمرًا، وهي لا تعلم أن القدر يخبئ لها مفاجأة لم تكن تحلم بها.
اللقاء العفوي الذي غيّر مجرى حياتها
في تلك اللحظات، كان الملك محمد السادس يقوم بجولة غير رسمية في شوارع فاس، كعادته، دون موكب ضخم أو بروتوكول رسمي. كان يتنقل بين الأزقة، يراقب نبض المدينة ويتفقد أحوال سكانها بنفسه. وبينما كان يسير بسيارته، لفت انتباهه مشهد امرأة تقف وحيدة على جانب الطريق، يبدو عليها الحزن واليأس.
اقترب منها الملك وسألها عن حالها، في البداية لم تصدق فاطمة ما تراه، ثم عندما أيقنت أنها تتحدث إلى الملك شخصيًا، لم تتمالك نفسها وانفجرت بالبكاء، تروي قصتها بمرارة، تحكي عن جوع أطفالها، وعن خوفها من أن تجد نفسها في الشارع.
لم يكن الملك بحاجة إلى مزيد من التفاصيل، فقد أدرك بحكمته وإنسانيته عمق معاناتها. في لحظة إنسانية نادرة، أمر فورًا بالتكفل التام بأبنائها الخمسة، ووجه المسؤولين المحليين لضمان توفير مسكن كريم لها ولأطفالها، وتأمين تعليمهم حتى أعلى المستويات، مع ضمان مصدر دخل يضمن لها حياة كريمة.
من اليأس إلى النجاح: أبناء فاطمة يصنعون مستقبلهم
لم تمضِ سوى أيام قليلة حتى تلقت فاطمة اتصالًا رسميًا يؤكد أن الملك أوفى بوعده، حيث تم تأمين منزل جديد لها، والتحق أبناؤها بمدارس جيدة، مع تقديم دعم مالي لتغطية احتياجاتهم اليومية.
مرت السنوات، وكبر الأبناء وسط رعاية ملكية خاصة، وأصبحوا من المتفوقين في دراستهم، ليتخرجوا بشهادات مرموقة، ويحصلوا على وظائف محترمة في مؤسسات وطنية مهمة، ليعيدوا لأمهم بعضًا من الراحة التي افتقدتها طويلًا.
الملك القريب من شعبه
فاطمة لم تنسَ تلك الليلة أبدًا، ولا تلك اليد الحانية التي امتدت لها في أصعب لحظات حياتها. واليوم، وهي تعيش وسط أبنائها الذين صاروا سندها في الحياة، لا تملّ من تكرار قصتها، وكيف أن الملك محمد السادس لم يكن مجرد قائد سياسي، بل كان ملكًا قريبًا من شعبه، يسمعهم قبل أن يشتكوا، ويعطي قبل أن يُطلب منه.
هذه القصة، التي وقعت سنة 2002، ليست مجرد ذكرى، بل هي شهادة على إنسانية ملك، وعلى لمسة رحمة غيّرت مجرى حياة بأكملها.
المصدر : فاس نيوز ميديا